الخبير الدولي د.التيجاني الطيب : موازنة 2012م مرثية وداع لأمل العودة إلى الاستقرار الاقتصادي

حوار: محمد صديق أحمد: ٭

مع دنو انتهاء العام المالي 2011م واستعداد الكل لاستقبال عام 2012م، لم يعد للجميع هاجس ومؤرق أكبر من متابعة مشروع موازنة عام 2012م الذي تحيطه كثير من التحديات على رأسها ارتفاع الأسعار وضعف الموارد وتدني عجلة الإنتاج بالبلاد، ولعل أكثر ما شغل الرأي العام ما جرى في ردهات البرلمان عقب اقتراح وزير المالية والاقتصاد رفع الدعم عن البنزين الذي قوبل بفرض كبير، فما زالت المداولات جارية بالبرلمان والمالية للبحث عما يغطي عجز الموازنة القادمة.. «الصحافة» في سبيل وضع النقاط على حروف مشروع الموازنة جلست إلى إحدى القاما? الاقتصادية التي يشار إليها بالبنان خارج وداخل السودان.. الخبير الدولي الدكتور التيجاني الطيب، لسبر غور مشروع الموازنة الذي أوضح أنه وبناءً على الأرقام والبيانات المتوفرة بمشروع موازنة عام 2012م أنه في وضع في غاية الصعوبة ناتج عن سوء التقدير في إعدادها وترتيب أولوياتها وضعف إدراك حقيقة الوضع الاقتصادي والمالي المتردي، وأن كل الدلائل تشير إلى أن موازنة 2012م ليست موازنة لاستعادة الموارد العامة إلى مسار قابل للاستمرار مع ضمان البدء في إعادة توازن الطلب المحلي، بقدر ما يمكن اعتبارها مرثية وداع لأمل العودة إلى?الاستقرار الاقتصادي بامتياز، ويضيف التيجاني أنه من الواضح اعتماد الموازنة على جملة فرضيات، غير أنها للأسف دون تحديد هدف معين لها قائم على الوصول بالوضع المالي إلى عجز آمن، ودون تقييم للسياسات الاقتصادية التي تم اتباعها في العام الماضي 2011م أو سابقاته، بالإضافة إلى أن الفرضيات بالموازنة تثير جملة من التساؤلات حول مدى تطابقها مع معطيات الاقتصاد السوداني على أرض الواقع.. فإلى ما دار في الحوار.
٭ قبل الولوج إلى مشروع موازنة 2012 ما قراءتكم ورأيكم في الأداء التقديري لموازنة 2011م؟
ــ حسب الأداء الفعلي التقديري لموازنة 2011م «جدول2» من مشروع موازنة عام 2012م، بلغ إجمالي المنح الخارجية 97% مما هو مقدر 23275 مليون جنيه في قانون الموازنة، نتيجة للتحسن الذي طرأ على أسعار الصادرات النفطية في النصف الأول من عام 2011م، مما أدى للمحافظة على مستوى الإيرادات النفطية المقدرة بحوالى 7.438 مليون جنيه، وامتصاص الكثير من الآثار السالبة لانخفاض إنتاج النفط في السودان بعد انفصال الجنوب في النصف الثاني من العام المالي. أيضاً قاد ارتفاع النفط عالمياً إلى ضخ 2816 مليون جنيه في حساب تركيز البترول غير مضم?ة في إيرادات الموازنة المذكورة.
٭ وماذا عن الإيرادات غير النفطية؟
ــ أيضا شهدت هي الأخرى ارتفاعاً حاداً مقداره 132%، حيث ارتفعت الأرقام المقدرة من 812 مليون جنيه إلى 1880 مليون جنيه، جراء زيادة صادرات الذهب التي ساهمت في سد جزء كبير من فاقد عائدات نفط الجنوب، بالرغم من تراجع أرباح مؤسسات القطاع العام والتلكؤ في اتخاذ بعض الإجراءات مثل خفض الدعم للمشتقات النفطية. فالتحسن الملحوظ في أداء الصادرات النفطية وغير النفطية مع المحافظة على مستوى الواردات المقدرة «8979» مليون جنيه، ساعد في خفض عجز الميزان التجاري من 1522 مليون جنيه «مقدر» إلى 368 مليون جنيه «فعلي ــ تقديري»، وهذا ?دل على أن حديث مشروع الموازنة في ص 4 عن «… السالبة للأزمة المالية العالمية …» أثر في «… تباطؤ نمو الاقتصاد السوداني …» في عام 2011م غير دقيق، على ضوء الارتفاع الملموس في أسعار الصادرات النفطية وبقية السلع الأولية التي تشمل الصادرات التقليدية السودانية.
٭ وماذا عن الإنفاق؟
ــ في جانب الإنفاق الكلي المعتمد «30368» مليون جنيه، فقد كان الأداء جيداً حيث بلغ 97%، لجهة أن الإنفاق الجاري أو التشغيلي استنفد كالعادة كامل بنوده المقدرة بـ «26734» مليون جنيه وزاد بنسبة 3%، بينما ظل أداء الإنفاق التنموي أو الاستثماري ضعيفاً حيث بلغ في مجمله 64%، علما بأن تعويضات العاملين ودعم السلع الاستراتيجية تمثلها 60% من إجمالي الإنفاق الجاري. فعدم التوازن بين الإنفاق التشغيلي والاستثماري أدى بدوره لانخفاض العجز الكلي المقدر بحوالى 8345 مليون جنيه، رغم الانعكاس السلبي لذلك على معدل النمو الاقتصادي ا?كلي. لكن نتيجة لهبوط النمو الحقيقي المقدر من 5% إلى 2.8% ارتفع معدل العجز الكلي في إجمالي الناتج المحلي بالأسعار الجارية إلى 4% من حوالى 3% حسب تقديرات الموازنة، مما قلَّص الحاجة للاقتراض لمواجهة العجز، رغم أن التركيز على الاقتراض من الداخل كما يبين الجدول رقم «1» من مشروع موازنة 2012م أثر سلباً على حجم السيولة اللازمة لتمويل القطاع الخاص، وبالتالي على معدل النمو الكلي.
٭ عام 2011م على وشك الانتهاء بخيره وشره.. فما رؤيتكم لما بعده؟
ــ نعم إن عام 2011م لوح بالوداع، غير أنه في تقديري أن التحدي الأكبر يكمن في ثنايا العام القادم 2012م، عند مواجهته لتداعيات الإفرازات السلبية للتباطؤ المالي والاقتصادي في عام 2011م، ليبقى السؤال عن كيفية مواجهة تلك التحديات الجسام، لاسيما حال بقاء الوضع على ما هو عليه في عام 2011م، دون تحرك جاد لإعادة الثقة والمصداقية لسياسات الدولة المالية والنقدية.
٭ من واقع مشروع موازنة عام 2012م الذي بين يديكم.. ما هي قراءتكم له في هذا الإطار؟
ــ بحسب مشروع الموازنة لعام 2012م تتمثل أهم سماته «في الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي والعمل على استعادة التوازن في القطاع الخارجي ومحاصرة عوامل ارتفاع الأسعار وتدني مستوى المعيشة للشرائح الاجتماعية الضعيفة»، لكن بناءً على القراءة المتأنية فمن الواضح أن مشروع الموازنة في وضع غاية الصعوبة مرده إلى سوء التقدير في إعدادها وخلوها من فقه الأولويات، وافتقارها إلى إدراك حقيقة الوضع الاقتصادي والمالي المتردي. لهذا فإن الأرقام المقترحة تشير إلى أن موازنة عام 2012م ليست بخريطة طريق لاستعادة الموارد العامة إلى مسار قا?ل للاستمرار مع ضمان البدء في إعادة توازن الطلب المحلي، بقدر ما أنها مرثية وداع بامتياز لأمل العودة للاستقرار الاقتصادي.
فمن الواضح استناد مشروع الموازنة على جملة فرضيات، بيد أنها للأسف دون تحديد لهدف الموازنة الأساسي المتجسد في الوصول بالوضع المالي إلى عجز آمن، ودون تقييم للسياسة الاقتصادية التي تم اتباعها في عام 2011م وسابقاته، بالإضافة إلى ذلك تثير تلك الفرضيات جملة من التساؤلات حول مدى تطابقها مع معطيات الاقتصاد السوداني على أرض الواقع.
ففي جانب التضخم، أي غلاء الأسعار الذي أصبح قضية محورية لانعكاساته على الأوضاع المعيشية وأداء الاقتصاد الكلي، تبنت الموازنة سياسة «خفض معدل التضخم»، بينما تتوقع ارتفاع معدله من 15% في عام 2011م إلى 17% في عام 2012م عوضاً عن العكس!! مما يعني الاستمرار في تراجع سعر صرف العملة المحلية ومجمل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، علماً بأن إجمالي الناتج المحلي الحقيقي للفرد انخفض من 4.2% خلال الفترة «2002 ــ 2007م» إلى 0.8% في عام 2010م، وبالتالي تهزم الموازنة بنفسها أهم الأهداف التي تبنتها البالغ عددها «34» هدفاً، وا?تي من واقع الحال لا تعدو كونها أماني.
٭ وماذا عن سمات مشروع الموازنة؟
ــ السمات العامة للموازنة البالغة «15» سمتاً، هي الأخرى ليست أكثر حظاً من غياب الهدف الواضح القابل للتحقيق في إطار الموازنة، حيث أن معظمها غير مطابق للمؤشرات الرئيسية للموازنة، فمثلاً من السمات الرئيسية المذكورة في مشروع الموازنة «الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي ومحاصرة عوامل ارتفاع الأسعار وتدني مستوى المعيشة للقطاعات والشرائح الاجتماعية الضعيفة ومحاربة انتشار بؤر الفقر والعوز …»، لكن تقديرات الموازنة تشير لزيادة الإنفاق العام خاصة الجاري منه، ورفع معدلات التضخم، وارتفاع عجز الميزان التجاري الخارجي «17» ?رة، مما يعكس تناقضاً واضحاً بين لغة الكلام وحديث الأرقام.
٭ على خلفية إجمالي الإيرادات والإنفاق.. على ماذا استندت الموازنة برأيكم؟
ــ استندت تقديراتها إلى الأداء الفعلي للنصف الأول والتقديري للنصف الثاني من العام المالي 2011م، وهذا يدل على هشاشة وضعف القاعدة الرقمية لتلك التقديرات، بالإضافة لذلك بنيت الموازنة على فرضيات رئيسية يصب معظمها في «الآثار المرتبة على الانفصال وانعكاساتها على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية …»، غير أن هذه الفرضيات ليس لها انعكاس في تقديرات الموازنة التي على عكس كل التوقعات تتوقع زيادة الإيرادات الكلية بنسبة 4% لتصل إلى 23.6 مليار جنيه، مما يعني عجزاً جارياً مقداره 1.7 مليار جنيه مقارنةً بعجز صفري في العام ?لسابق، الأمر الذي يدل على أن موازنة 2012م توسعية بكل المقاييس، مما يعني التجاهل التام للبرنامج الثلاثي الذي أوصى بخفض الإنفاق الحكومي بنسبة 25% في عام 2012م و20% في عام 2013م، بغية الوصول لاستعادة الاستقرار الاقتصادي والمالي.

الصحافة

تعليق واحد

  1. قدمت اليك الدولة الدعم و الدراسة بجامعات السودان و المنح الدراسية للتحضر للدرسات العليا و نيل شهادة الدكتوراه و من مال المواطن البسيط الذى دفع بسخاء لابناء الوطن ليجنى ثمرة ما دفع فى ابناء مؤهلين لقيادة الدولة الى بر الامان و طبيق العلم الذى تعلموه فى ارض الواقع ؟
    لدينا وزير مالية و خبراء اقتصاديون و خبير مالى دولى و اقتصادنا منهار ؟
    طالبوا بلقاء مكاشفة و حوار على القنوات الرسمية و اخاصة و تقديم الحجج و البراهين و مشفوعة بالارقام الى النظام و اما هى الحلول الناجعة الراهنة و الاجله للخروج بموازنة تتوافق و الدخل الشهرى لابسط فرد و لا يكون لها اى تاثير سلبى على الحياة بصفة عامة و بذلك نعطيكم تعظيم سلام لان ما صرف لم يضيع و هذه هى الثمرة التى جنيناها من تعبنا و شقانا و حرمانا من الكثير من متطلبات الحياة الضرورية ؟
    و الامر متروك لاصحاب الخبرة و من هم على سدة الحكم او خارجه للسعى الدؤوب لانقاذ البلاد و جزاكم الله خيرا .

  2. يبدو ان الموازنه لم تات بجديد وبالقدر المطلوب فى الهياكل الاقتصاديه ففى جانب الانفاق العام نجد اهتمام الموازنه وتركيزها ينصب فى القطاعات الامنيه التى تستأثر بنصيب الاسد مع اخفاقات فى الصحه والتعليم والدعم الاجتماعى حيث ان هذه البنود تمثل العمود الفقرى الذى يتوكأ عليه المواطن. اما فى جانب الموارد فنجد جل النقاش انصب فى جانب التعدين والاعتماد عليه فى الميزانيه العامه حيث ان تعدين الذهب تعدين عشوائى لا يعتمد عليه فى ميزانيه ما زالت تحبو وتحارب التضخم وارتفاع الاسعار مع الوضعيه السالبه فى ميزانها التجارى. وفى الجانب النقدى نجد ان انخفاض الجنيه بالنسبه للعملات الحره لا يمثل القدره التنافسيه فى الاسواق العالميه اذ ينقصه عدم ثقه ومرونه فى الطلب.

  3. هوي يا البتناقشو في الميزانيه ديل وبتعددو في ثغراتها
    وهوي يا كل الشعب انتو ما شفتو مظاهره المناصير في الخرطوم
    مالكم ما التحقتو بيها ولا منتظرين غيركم يدفع الثمن وتقولوا نحنا كنا بناقش
    في الميزانيه
    والله الكيزان الكلاب ديل ما توروهم العين الحمرا وتضاربوهم في الشارع ما يخلوكم
    وتاني البمنعكم من الخروج ما عدم الرجاله لكن الجوع وسوء التغذيه
    يا شعب متكلم يا جبان

  4. الشعب السودانى يريد الخبز والكهرباء والغاز والمياه والخضار يعنى يريد عيشة تستره – مصطلحات وكلام السياسين لا ينفعه وهو جعان – كلام ميزانيه لا نريده ولا يفهمهم الكثير – من شدة الجوع ظل الشعب كله يتابع السياسه وترك تعليم اولاده والاهتمام بهم وضاع المجتمع 000

  5. الامر الخطير المقلق ظاهرة تسرب الطلاب والتلاميذ من المدارس وترك طلاب الجامعات للتعليم لمساعدة الاسرة فى توفير لقمة العيش يعنى فاقد تربوى كبيرنتيجة لتردى الاحوال الاقتصادية والمعيشية الصعبة اصبح التعليم عبء ثقيل جدا على الاسر لكن الحكومة لاتعير الامر اهتمام ادينا احصائية ياوزير التربية والتعليم

  6. ياتو يوم كان الاقتصاد السودانى كويس بميزانية ولا من غير ميزانية حتى ، يعنى هو فاكر وزير الهنا دا انه بياكل الشعب السودانى بالميزانية القادة دى ، الناس عايشة بقدرة رب العالمين ، والمغتربين شايلين العبء الاكبر فى تقاسم اللقمة والهدمة مع اهلهم فى السودان كله هردبيس فى هردبيس ، سياسات خاطئة جلبت للبلد كوارس رهيبة انعكس على المواطن بصورة سالبة ، وانا لا اسميه اقتصاد الا اذا شفت المواطن السودانى الاعلى دخلا فى العالم ودى من رابع المستحيلات طبعا !!! غير كدا دا عجين وعواسة

  7. اولا ماتتفاءلو لانه السنة الجاية حاتكون اسوء من القبليها بس ربنا يهون ويفكنا من الحكومة الظالم اهلها

  8. نتمنى من الحكومة أن تكون جادة في حل مشكلات النيل الأزرق وجنوب كردفان والمناصير كذلك حتى لا ترهق ميزانية الشعب أكثر من اللازم.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..