مقالات سياسية

دول جنوب استعمارية _ الإمارات نموذجًا

احمد داوود

ما الاستعمار

يحيل مصطلح الاستعمار لعمليات السيطرة و الإخضاع المنظم التي تمارسها جماعة/ دولة ما علي جماعات و دول أخرى .

يتخذ الاستعمار أشكال عدة ، منها الكلاسيكي الذي يستند علي اساس من التدخل العسكري المباشر ، والحديث الذي يمزج بين أشكال من ممارسة القوة الخشنة والناعمة .

من هو المستعمر

في سياقنا المحلي غالبا ما يحال الاستعمار للحدث الذي وقع قبل قرون و الذي بمقتضاه اخضعت دول أوروبا الغربية شعوب الجنوب لسيطرتها السياسية و العسكرية كآلية لنهب ثرواتها و استتباعها ثقافيا .

من هذا المنطلق ، يتم تعريف أوروبا في ادبيات الجنوب ، و السودان بشكل خاص كمستعمر .يعجز التعريف السابق عن الإحاطة الشاملة بظاهرة الاستعمار لأنه في الحقيقة لا يستند علي اساس عميق من المعرفة المنهجية ، و غالبا ما يكون خاضعا لما هو ايدلوجي.

سؤال المستعمر ؟

تركز ايدلوجيا الجماعات السائدة علي تعميم التعريف السابق عبر إعطائه قوة دفع معرفية هائلة تستند علي ليي اعناق الحقيقة المعرفية.وعبر تبني مثل هذه التكتيك يتم إزاحة لحظات و ممارسات مماثلة من نطاق هذا التعريف.لقد ادت القراءة المبتسرة و المنحازة للتاريخ الي إعادة تحديد ” العدو الاستعماري ” ليس من منظور ضحايا الاستعمار ولكن من منظور مصالح الجماعات الحاكمة.

فسؤال الاستعمار لا يتحدد بناءا علي جوهر الفعل الاستعماري بحد ذاته وانما وفق ما تمليه مصلحة السلطة ، وعلي هذا الأساس لا يتركز النقاش حول جوهر الفعل الاستعماري وانما حول هوية المستعمر .

سؤال الاستعمار مرة أخرى

وفق شرحنا المبسط للاستعمار ، بينا أنه فعل قائم علي اساس الممارسة المنهجية للعنف البنيوي و الإخضاع المنظم لجماعة/شعب ما بغية نهب موارده و ثرواته و استتباعه ثقافيا.

لو اسقطنا هذا التعريف علي السياق المحلي يمكن مثلا أن نقول عن اتفاق “٦٥١” الذي وقع بين ملوك النوبة و عبدالله بن أبي سرح انه سلوك استعماري . لماذا ؟ لأن الأتفاق أسس عمليا لخضوع النوبة للغزاة العرب المسلمين.

علي هذا الأساس ، يمكن قراءة تشكل السودان الحديث وصيرورة تطوره منذ تلك اللحظة عبر المنظور السابق. اي ان ما حدث و يحدث الآن هو انعكاس لتلك اللحظة التاريخية استنادا علي قوانين الجدل و المبادئ النظرية لفلسفة التاريخ التي تنظر للأحداث التاريخية في وحدتها و ترابطها باعتبارها تسلسلا غير منفصل.

الاستعمار الجديد

وفق منطق فلسفة التاريخ وقوانين الجدل _ لو وظفنا مقولة د/ابكر في نطاق انشغالنا _ يتولد حدث ما كنتاج غير مباشر لحدث يسبقه. وبإمكان حدث وقع قبل قرون أن يسهم في ميلاد حدث في اللحظة الراهنة.

رغم أن النخب المحلية نجحت في إحداث قطيعة سياسية مع الاستعمار بشكله الكلاسيكي الا انها في مقابل ذلك ارتمت في أحضان اجنبي آخر.نتج عن هذا الارتماء ميلاد أشكال من التبعية السياسية و الاقتصادية و الثقافية ، هذا رغم أن هذا الارتماء يجد جذوره التاريخية و النظرية في إتفاق ٦٥١.ففي اللحظة التي قرر فيها النخب المحلية الانسلاخ عن جذورهم الثقافية و النظر الي العالم بمنظور عربي مفارق لحقيقتهم التاريخية ، فقدت البلاد استقلالها و تحولت لمستعمرة للمركز الاستعماري الذي يدير الآن مخططاته من الخليج.

لقد كان ذلك الحدث الذي وقع بعد لحظة الاستقلال بمثابة الدينمو المحرك لمعظم الأحداث التي تشهدها البلاد الآن ، والتي يمكن التدليل عليها بتمدد الاطماع الإماراتية و السعودية .

دول الجنوب الاستعمارية

تحديد المستعمر من داخل جوهر الفعل الاستعماري يوسع كثير من نطاق ” العدو الاستعماري ” ليؤسس معرفيا و منهجيا لوجود دول جنوب استعمارية .المثقفون الماجورين الذين يقومون بمهام الحرس الايدلوجي و المسخرين خدماتهم للجماعات السائدة يستميتون لدحض مثل هذا الحقائق لأنها يمكن أن تنزع النقاب عن كم هائل من المصالح المستترة وراء الحقيقة المعرفية .لكن لماذا ؟ .

من مصلحة الجماعات السائدة أن تكون الظاهرة الاستعمارية ماركة مسلجة علي أوروبا و أمريكا فقط. هذا مثلا ما يؤسس لتوصيف دولة مثل الإمارات بأنها وكيلة للاستعمار الحديث وليس دولة استعمارية .

رغم أن الموقف الخليجي _ الإمارات علي سبيل _ ازاء بلادنا يمكن أن يتم تعريفه ك” فعل استعماري ” بمنطق جوهر الفعل الاستعماري .

اولا- ترتكز السياسة الإماراتية في السودان علي اساس التحكم في النخب المحلية كمدخل للتحكم في البلاد و الاستيلاء علي ثرواته الطبيعية و البشرية.

ثانيا- من المهم ان يظل السودان خاضعا ثقافيا للسياق العربي و الإسلامي.

لتنفيذ هذه السياسة تعتمد الإمارات آليات الاستعمار الحديث كالتدخلات العسكرية غير المباشرة و القوة الناعمة عبر وكلاءها المحليون. لمصلحة من تريد الإمارات نهب ثروات السودان و استتباعه ثقافيا ؟ أ من أجل الامبريالية الاروامركية؟

بالتأكيد لصالح نخبتها المحلية و طبقاتها الحاكمة . إذا الإمارات تمارس شكل من أشكال الاستعمار الجديد علي السودان ليس بالنيابة عن الغول الأمريكي أو الامبريالية الأوروبية إنما أصالة عن نفسها كدولة جنوب استعمارية حديثة.

تنطبق هذه الفرضية الي حد ما أيضا على دول جنوب كوكبية أخري – بتعبير بوب- التي استغلت تطورها الاقتصادي و التكنولوجي للتحول لدول جنوب استعمارية تخوض حروبها الامبريالية عبر وكلاءها من المليشيات و المرتزقة.

تنسف حقيقة وجود دول جنوب استعمارية النظرية الكلاسيكية للاستعمار التي لا تتعامل مع الظاهرة الاستعمارية الا بوصفها بنت الوعي الأوروبي مع إزاحة ممارسات و مواقف مماثلة من نطاق هذه الظاهرة.

‫2 تعليقات

  1. الاستثمار له قواعد وقوانين
    من المهم ان يظل السودان خاضعا ثقافيا للسياق العربي و الإسلامي.
    في الحالة دي مفروض تتحالف مع الكيزان

  2. فلزكة و محاضرة مستهلكة عن استعمار افتراضى خيالى مع خلطة من نظريات المؤامرة و البرانويا الخلاصة Bull shit

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..