حين تربّي الأم مراهقاً بمفردها

أنت من الأمهات اللواتي يجدن أنفسهن مجبرات على تربية أولادهن لوحدهن لأسباب متنوعة؟ قد يبدو فرض السلطة أمرًا معقدًا أحيانًا حين يكون الولد مراهقًا، إلا أن رسم الحدود وتحديد القواعد ضروريان لمساعدته على بناء شخصيته بناءً سليمًا.
تنظرين إلى ابنك المراهق، تتأملين مظهره الأشعث ومشيته اللامبالية، وتلمسين إهماله المستمر حين يتعلق الأمر بمساعدتك في الأعمال المنزلية، فتلاحظين أنه لا يأخذ الأمور بجدية، أيًا كانت أهميتها. إلامَ تُعزى تصرفات مماثلة؟ إلى اللامبالاة أم إلى عدم المسؤولية؟ إزاء تصرفات ومواقف مماثلة، تتساءل الأمهات عن الطريقة الأنسب لقلب الموازين وتغيير الوضع.
قبل كلّ شيء، يتعيّن على الأم أن تدرك أن المراهق يرى في المنزل مساحةً يعكس فيها ما يدور في ذهنه، فصور الأشخاص الكئيبة التي تملأ جدران المنزل تعكس خوفه من الموت، وتشكل العاطفة سلاحًا مزدوجًا بين يديه يساعده على حبك المؤامرات وعلى التحريض.
كأنه يقيم في نزل
يعبّر المراهق عما يدور في خلده من تساؤلات تتعلق بالعاطفة والحياة الحميمة، عبر الفوضى والخلط بين ما هو نظيف وما هو وسخ. يتصرف في المنزل كأنه يقيم في نزلٍ، تعبيرًا منه عن رد فعل إزاء عالمٍ يجده منظمًا جدًا. في المنزل، يشعر المراهق بالسلام إذ يرتاح ويتنفس ويرفض بذل أي جهد حين يُطلب منه القيام بأمرٍ ما.
? تحركي
يتعين على الأم، سواءٌ كانت مسؤولة وحدها عن تربية المراهق أو تتلقى مساعدة من شخصٍ آخر، أن تضع إطارًا واضحًا يقظًا وأن تمسك بزمام الأمور وألا تستجيب لعدائية المراهق بإظهار غضبها، بل تبقى هادئة رصينة لتجنّب أي اشتباك لغوي بينهما.
تجنّبي الطلبات والأوامر واستبدلي عبارات «عليك، يتعين عليك، يجب أن…» بـ «أحب أن، أودّ أن، هل تستطيع….» حين يرفض ابنك المراهق الاستجابة أو ينهرك بصوتٍ عالٍ، أديني تصرفه وليس شخصه. بمعنى أدق أطلبي مساعدته في أعمال الطبخ أو التنظيف، من شأن طلب مماثل أن يعلّمه النظام والصرامة والمسؤولية. ضعي في غرفته سلةّ غسيل خاصة ليتعلم كيف يدير أمور نظافته ونظافة أغراضه وملابسه وألا ينتظر من يهتم بها عنه.
لا ترتبي غرفته وإياك العبث بأشيائه. احترمي حديقته السرية، وإن تجرأت اتركيه يعبّر عن نفسه إلى أقصى حدّ، وتأكدي أن الأمور ستتحسن في النهاية وسيبدأ بالاستجابة. في المقابل، اجبريه على احترام متطلباتك كافةً في الغرف المشتركة. علاوةً على ذلك، يمكن للأم التي تتحمل مسؤولية أولادها بمفردها أن تقصد جمعيات خاصة لتعبّر عن نفسها وتتشارك الخبرات مع أمهات أخريات وتستمد بعض النصائح.
? حسّني وضعه
يساعد التحليل التعاملي على تحديد إطار معين وسلطة معينة ويستند إلى الصيغة التالية: يعجز المراهق عن تطوير قوته (الاستماع بانفتاح) إلا إذا أرست الأم توازنًا معقولاً بين الحماية (تطبيق القواعد وتدخل الاختصاصيين المهرة) والسماح (الاستماع إلى المراهق وتقبّل مشاعره).
عند التفكير بهذه الصيغة (بطريقة فردية أو علاجية)، ستجد الأم فرصةً لإرساء توازن جديد في العلاقة: ما أهمية القاعدة (حين تحمي الطفل)، ما أهمية العقاب (لا بدّ من أن يتناسب وحجم النقص)، ما حاجات المراهق؟ على سبيل المثال، تعادل أعمال العنف بين الأم والمراهق، من وجهة نظر التحليل التعاملي، التصرفات السلبية التي تعبّر عن صعوبة يواجهها الطرفان في تلبية حاجاته الخاصة وإشباعها.
? نصائح:
✩ لائحة المسؤوليات: حين تطلب من المراهق مساعدتها في المنزل، تساهم الأم في تعزيز ثقته بنفسه وبقدراته. فكيف لمراهق أن يتعلم كيف يعدّ بعض الأطباق أو يكوي ملابسه أو يرتب أغراضه، إن لم يوضع في إطار يجبره على ذلك.
✩ اقترحي لائحة مسؤوليات عائلية تناسب عمر طفلك المراهق واطلبي منه احترامها والسير بمقتضاها. فسّري له أنه لن ينال حريته ما لم يكن مسؤولا.
✩ عقد قابل للنقاش: في كلّ مرة يكون الأمر متاحًا، أبرمي عقدًا مع المراهق: اسأليه عن حاجاته وموجباته، اطلبي منه أن يقترح حلولا تناسبه، طبقي الحلّ الذي يقترحه كي لا يعترض على مقترحاتك. في المقابل، لا بدّ من أن تفرضي احترام العقد المبرم بينكما تحت طائلة التعرض لعواقب، غالبًا ما يتجنبها المراهق، كأن تمنعيه من استعمال الحاسوب لمدة أسبوعٍ، إن تخطى مدة الساعتين التي يحقّ له في خلالها استعماله استنادًا إلى العقد.
ابني يضربني
في الحالات العادية يصعب تربية المراهق فما بالك إذا كنت وحدك مسؤولةً عنه؟ لا شكّ في أن الأمور في حالات مماثلة تنضوي على خطر كبير لا سيما حين تميل إلى العنف الجسدي. تشير دراسة أُجريت في مايو 2011 أن 20% من الأمهات المسؤولات وحدهن عن تربية أولادهن المراهقين يتعرضن للضرب مرةً على الأقل من قبلهم.
? افهميه
بغياب الأب، يميل المراهق إلى التحرّش بأمه كونها الوحيدة المتوافرة أمامه. كلّما كانت العلاقة التي تجمعهما منصهرة، يبتعد المراهق عن أمه ويعترض بطريقة عنيفة. غالبًا ما تضع الأم، في حالات مماثلة حدودًا وقواعد، لا تجدي نفعًا، فتتساءل إن كانت صارمة جدًا أو متعاطفةً مع المراهق. وقد تجد أمهات صعوبةً في فرض سلطتهن في حين تمنع أخريات عن المراهق أشكال الحرية.
إلى جانب الصعوبة في فرض سلطتها، تواجه الأم صعوبة في إرساء مسافة علائقية مع المراهق، إذ تجد نفسها مجبرة على أداء دور الأب الصارم إلى جانب دور الأم الحنون المتفهمة. قد تتعب من تحمّل مسؤولية مخاوفها من جهة، وتربية الطفل من جهةٍ أخرى، فتعجز عن رفض أي طلب له أو تخشى الإفراط في التعامل معه عند نشوب أي خلاف بينهما، فتفضل الاستسلام له تفاديًا لأي خلاف.
? تحركي
لفرض الاحترام والطاعة، تجنّبي معاملة المراهق كبالغ صغير، لا تحوّليه إلى صديق تبوحين له بآلامك أو طفلٍ تبالغين في حمايته.
يمكن للأم أن تساعد نفسها لتفرض رأيها، عبر تخصيص مكان حقيقي أو رمزي للأب، فحين يشعر المراهق بأن والديه يتفقان على وضعه ضمن حدود معينة، يتراجع ميله إلى احتلال مكانة الأب رمزيًا أو إلى فرض قوانينه على والدته.
في هذا الصدد تشير أميرة، والدة طارق (13 عامًا)، إلى أن ابنها لا يرى والده إلا نادرًا، ولكن حين ينال علامةً عالية في المدرسة يعلم أن والده سيفخر به لو كان موجودًا. في الحقيقة، يسهل على الأم فرض سلطتها على المراهق عندما تعزز وجود رجلِ في حياته، إذ تتفادى أي مشاكل وتزرع في بال المراهق صورة نموذجية يحتذي بها.
تضيف أميرة أنها تستدعي عم ابنها حين ينشب خلاف بينها وبينه مستفيدةً من الاحترام والإعجاب الذي يكنه طارق له ومن تأثير العم عليه وتقبله لما يسديه إليه من نصائح لا شكّ سيرفضها إن صدرت عنها. في المقابل، تؤكد أميرة أنها تتعلّم كيف تمنحه بعض الحرية بفضل عمّه.
? وساطة الغير
قد تتخذ الأم تدابير جمّة مع ذلك ينفذ ابنها المراهق ما يريد ويهدد والدته أو يرفع يده بوجهها، في حالةٍ مماثلة لا بدّ من طلب مساعدة خارجية، كمساعدة العمّ أو الصديق أو أي شخصٍ آخر تشعر أنها قادرة على فرض سلطتها بوجوده.
يشير الاختصاصيون إلى أنه يتعين على الأم، منعًا لأي تصعيد، أن تهدأ وأن تتأمل في ردود فعلها وموقفها لتحدد سلوكها، كذلك الأمر بالنسبة إلى المراهق. في حال استمرت الضغوطات، يُستحسن أن تبتعد الأم مؤقتًا عن المراهق، وهذا ما أقدمت عليه ناديا (47 عامًا) وابنها أحمد (16 عامًا). عانت ناديا مشاكل وصراعات مع ابنها، فقررت أن يمضي عامًا في مدرسة داخلية ما أتاح لهما فرصة إعادة حساباتهما لتتحسن الأمور بينهما بشكلٍ كبير.
? نصائح
✩ دفتر المشاعر: يوصي الاختصاصيون بتمرين بسيط يهدف إلى إقامة حوارٍ بين الأم والمراهق، فينصحون الأم الغاضبة بتناول ورقة وقلم لتدوين المشاكل التي تواجهها في تربيتها لابنها المراهق على أن تبتعد عن الأسلوب العام (أعجز عن فرض حدود)، وأن تعتمد أسلوبًا دقيقًا (لا يبذل أي جهد في المدرسة، يكلمني بطريقة سيئة جدًا…). يؤكد الاختصاصيون أن الأم ستستفيد من أسلوب مماثل في أمرين: الابتعاد بعض الشيء ومناقشة الأمر مع أمهات أخريات بطريقة أكثر جدية، وفتح المجال أمام نقاش مريح يعتمد على نصائح موجهة.
✩ فرض ممنوعات غير قابلة للنقاش: حين تقيم الأم حوارًا مع المراهق، وتتخذ قرارات جديدة معه ويبدأ الأخير بتطبيق مبدأ العقد، لا بدّ من تطبيق العقوبات المنصوص عليها، في حال لم يلتزم المراهق بقواعده وشروطه.
✩ أما في ما يتعلق بالعنف الجسدي، فيمكن تطبيق الأمر عينه، تحرم الأم المراهق من مصروفه أو من حاسوبه أو من الخروج إن لجأ إلى العدائية أو العنف. يمكن للأم أن تحدد مع المراهق نتائج أعماله ومدة هذه النتائج أو أن تستعين بشخصٍ ثالث أو بالوالد، إن بدا الأمر ضروريًا، لإعادة تحديد أطر تصرفاته بفاعلية.
علاج عائلي جهازي
تتعدد أنواع العلاجات العائلية وتختلف الأساليب التي يعتمدها كلّ نوع. في حين يسعى العلاج العائلي النفسي التحليلي، بشكلٍ أساسي، إلى فهم مشاكل كلّ فرد ومعالجتها عبر التأثير على أسبابها، يركز العلاج العائلي الجهازي على طريقة تعبير كلّ واحد من العائلة.
على سبيل المثال، يسدّ هذا العلاج الخروقات التي تشوب تقدير الأم لذاتها، من خلال تشجيعها على أخذ محيطها العائلي في الاعتبار ونظام العلاقات اليومية التي تربطها بالمراهق، ويساعدها بالتالي على إيجاد حلول للمشاكل من خلال وضعها ضمن إطارها وليس عن طريق العودة إلى جذورها.
يتطلب العلاج في إحدى جلساته وجود أفراد العائلة (الأهل والأولاد)، علمًا أنه لا يُعتبر علاجًا طويلا، إذ لا يتطلب أكثر من 20 جلسة تستمر الواحدة ساعة، كمعدل متوسط كلّ أسبوعين.
الجريدة