على أعتاب المأساة

زمان مثل هذا
على أعتاب المأساة
الصادق الشريف
? تابع الشعب السوداني.. قصة الطائرة الحرون.. التي رفض أحد إطاراتها الخروج من مكمنه.. المقيمون بالخرطوم تابعوها على (الهبوب).. وأولئك الذين يشاهدون القنوات الفضائية تابعوها على (الهواء).. بصيغة (بث مباشر). ? العابرون بشارع المطار توقفوا عن السير.. أوقفوا مركباتهم.. ودوابهم.. وترجلوا من حافلات النقل العام.. وتعلقوا بسور المطار.. يشاهدون تفاصيل مأساة على وشك الحدوث.. كان من الممكن أن تفجع أسراً كثيرة.. لولا لطف الله (والله لطيفٌ بعباده..). ? الدفاع المدني استطاع أن يقدِّم عرضاً جيداً.. بالاستعداد المُبكِّر للحادثة قبل أن تتحول إلى طورها النهائي. ? وقد لا يقلل من مجهوداتهم قولنا إنّ سبب الاستعداد المبكر هنا هو عدم وجود مفاجأة.. فالطائرة لم تستطع الهبوط في مطار جوبا.. لذات السبب (الإطار الحرون).. فرجعت إلى الخرطوم.. وبهذا كان هناك وقتٌ كافٍ لتبادل الاتصال.. والاستعداد. ? وكلما تأزمت طائرة في الأجواء.. أعيد تكرار قصة طائرة الحاج يوسف والتي كانت مثالاً لتردي العمل في (الخدمة المدنية). ? فالموظف الذي تحدث المآسي في خارج دوامه الرسمي يعتبر أنّ الأمر لا يعنيه.. مثلما فعل مهندس أمن وسلامة بإحدى شركات توزيع المواد البترولية حينما احترق مخزن غاز في خارج دوامه الرسميّ.. أغلق جواله وقال: (الواحد ما يرتاح كلو كلو؟؟). ? وعلى عكس هذا المفهوم الغرائبي.. فلو نادى المنادي (يا أبو مُرُوَّة).. تجده (بي فرارو ينط من جوّه).. باحثاً في شجاعة عن المستغيث. ? ما أعقد الشخصية السودانية (؟!؟!؟!؟!). ? كُنّا بنقول في شنو؟؟؟. ? نعم.. في العام 1997م سقطت طائرة تابعة للخطوط الفدرالية (ولا أدري هل ما زالت تلك الشركة موجودة أم اندثرت مع ما اندثر؟؟؟). ? الطائرة سقطت مساءً.. في مدينة الحاج يوسف بالخرطوم بحري.. ومات جميع ركابها (لهم الرحمة جميعاً). ? يومها سأل أحد المذيعين التابعين لتلفزيون السودان (وبحمد الله لم يكن في ذلك الوقت.. فضائياً).. المذيع سأل مدير هيئة الطيران المدني وقتها: (لماذا لم تسرعوا بآلياتكم الثقيلة لإنقاذ الركاب؟؟)، أجاب مدير الطيران المدني: (لقد كان الوقت متأخراً.. فالحادث وقع بعد نهاية الدوام.. ومعظم سائقي الآليات الثقيلة قد انصرفوا إلى منازلهم). ? صمت الرجل برهةً، وأضاف بصورة درامية: (ثمَّ أنّه ليست لدينا آليات ثقيلة؟؟).. وأجاب بذات الطريقة الدرامية التي قال بها عادل إمام في مسرحية شاهد ما شافش حاجة: (ثمّ أنا ما عنديش تلفون!!).. رغم أنّه كان (خايف على العدّة). ? المفهوم الخطير هو أنّ حادث الحاج يوسف وقع بعد الدوام الرسمي لسائقي الآليات الثقيلة (الذين لا يملكون آليات). ? ولا أدري.. هل كان الوضع سيكونُ مماثلاً لما حدث بالحاج يوسف.. لو أنّ طائرة الأمس المأزومة.. رفض إطارها الاستجابة لتعليمات الكابتن.. بعد منتصف الليل.. بعد نهاية الدوام؟؟.
التيار