تماثيل من جماجم وعذابات الضحايا

خالد فضل
التماثيل تلك التصماميم المعمارية التي ينجزها فنانون من ذوي المواهب الرفيعة والأرواح الشفيفة والقيم الرفيعة لتخليد لحظة شعورية دفّاقة بالحب والخير والجمال ؛ تعتبر بهذه المعايير لوحات فنيّة خالدة , وإرث إنساني باذخ تجسّد سمو الفن وتوقه الأبدي نحو عالم أجمل . لذلك لا يقتصر نحتها وتصميمها على هيئة إنسان فقط ؛ بل أحيانا تجسّد الطبيعة بما تحوي من كائنات . كذلك يتم نحتها لتخليد أثر اناس أثروا الحياة بفكرهم وإبداعهم في كل مضمار من أوجه النشاط البشري , ويتم النظر السوي لها من هذه الجوانب ,ولكن هناك تماثيل تنصب لقتلة ومجرمين من الحكام الديكتاتوريين بأمر منهم وإذعان من بعض الفنانين . أمّا الذين منحوا بسطة في الغباء , وبراحا في الهوس الإسلامي , ومرتعا في الفساد والإفساد لكل قيمة نبيلة فإنّهم يحملون معاول الهدم والتكسير للتماثيل كما حدث في صحن كلية الفنون الجميلة والتطبيقية بالخرطوم ؛ ليحطموها بزعم أنّها (أصنام) مثلما فعل رصفاء لهم في أفغانستان طالبان حين هدموا إرثا فنيا إنسانيا سابقا لظهور الديانات السماوية كلها , بوهم يغلّف نفوسهم المريضة وأرواحهم السقيمة .
الآن تأتي دعوة لصاحبها الهندي عزالدين ؛ رئيس تحرير وناشر صحيفة المجهر ؛ والمفكّر السوداني الكبير _حسبما وصفته صحيفة مصرية قبل سنوات_ وفحوى دعواه للشعب السوداني أن ينحت تماثيلا للسادة علي كرتي وأحمد هرون ونافع علي نافع (مع حفظ الألقاب) أمام دار الإذاعة والتلفزيون وبوابة المدرعات . لأنّ الشعب السوداني لو علم ما قدّمه الإسلاميون في معركة الكرامة من مهج وأرواح ومال ورجال وعلاقات خارجية وعرق ودموع ودماء في مواجهة تتار الصحراء لأيقن أنّ الفرق بين الإسلاميين الوطنيين والعملاء هو ذاته الفرق بين الجيش والجنجويد هو ذاته الفرق بين السماء والأرض . ولأنّهم ظلوا منذ الطلقة الأولى (أمام) الجيش و عن (يساره) وعن (يمينه) !!!! وتتمة الرواية عند عبدالحي يوسف (يحيطون بالبرهان في داخل مكتبه, ولن يستطع منهم فكاكا إنْ حاول التخلّص منهم) .
لكن ياسر عرمان _وهو ممن يوصفون بالعملاء _ يقول في شهر سبتمبر 2022م قبل سبعة أشهر بالضبط من طلقة الإسلاميين الأولى في الحرب , وعلى شاشة الجزيرة مباشر ( إنّ مشروع الدستور الإنتقالي ومدته 24 شهرا موجه لجميع القوى السياسية التي تؤمن بالحل المدني وترفض العودة بالسودان إلى نمط الحكم السياسي القديم , وأنّ ترحيب المكون العسكري به يؤكد وجود موقف موحد لدى ذلك المكون ورغبة الفريق البرهان ورفاقه في الخروج من المشهد السياسي لصالح المكون المدني . وقد قدّم مشروع الدستور الإنتقالي المقترح إجابة وافية عن دور المؤسسة العسكرية في السودان من خلال الدفاع عن وحدته وضمان حماية ابنائه . نحترم القوات النظامية كما نحترم القوات المسلحة وجميعها أكبر من أن تدخل في مواجهات مسلحة من طرف واحد ضد أبناء الشعب السوداني وتقتل المتظاهرين , لا نريد الإنتقاص من دور القوات المسلّحة أو تفكيكها لكن نتطلّع إلى جيش مهني يقوم بواجباته بعيدا عن السياسة )
بالله عليكم من يستحق أنْ تنصب له التماثيل إحتفاء , من ينشد الكرامة لكل أبناء شعبه عبر بناء مؤسسات دولته وسلطته وخياراته الحرة , ويطالب بإلزام كل مؤسسة دورها المهني فقط ؛ فلا تصبح مطيّة لمن يشعلون الحرب من أجل عودتهم للحكم , أم التماثيل أولى بها من ينتقمون من الشعب الذي أطاح بعهدهم الفاسد الباطش . الشعب السوداني بالفعل يعرف من هو المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بتهم جرائم الحرب والإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية ووصفه القانوني (متهم هارب) كل تلك الجرائم ضد من ؟ ضد الشعب السوداني في دارفور , فهل مطلوب من أؤلئك الضحايا المشاركة في صنع التمثال ؟ يجمعون جماجم قتلاهم ليشيدوا بها برجا على هيئة (هرون) أمام بوابة المدرعات وقبالة شاطئ النيل بأم درمان وفاءا وعرفانا لمن أرسلهم أفواجا إلى أعلى الجنان ! أم المطلوب من أستاذنا فاروق محمد إبراهيم أنْ يبرّ طالبه وزميله لاحقا في جامعة الخرطوم (نافع) برسم مخطط تصميمي لتمثاله المنشود عرفانا بدوره في زنازين التعذيب ! أم المطلوب من الشعب السوداني أن يعمل نفير شعبي عظيم لتشييد تمثال يليق (بكرتي) مساحته مائة قطعة أرض سكنية فقط في ضاحية الحلفايا !! وقد قال الفريق ياسر العطا في لحظة صدق نادرة وعبر قناة طيبة 5يونيو2022م (إنّ محمد الفكي سليمان و وجدي صالح وطه عثمان وبابكر فيصل من أشرف وأطهر من عمل معهم طيلة حياته , بل فكر هؤلاء الشباب أساسا لا يقترب من المساس بالمال العام , وقد تكون هناك بعض الأخطاء الإجرائية حدثت في المستويات الدنيا من عمل اللجنة وليس خيانة أمانة بأي حال من الأحوال) هؤلاء هم الخونة العملاء الذين يتندر صاحبنا الهندي بالفرق بينهم وبين الإسلاميين ؛ ولعله صدق في هذه المقارنة من حيث أراد التدليس , وإرشيف لجنة إزالة التمكين حاضر وشاهد وكفى .
أما آن للشعب السوداني أنْ يفيق من غيبوبة الكذبة الكبرى , وفي كل يوم تترى أمامه الإعترافات والشواهد بألسنة سدنة وفلول نظام الإسلاميين من عناصر المؤتمر الوطني المحظور تحديدا . ويحدثونك عن حرب الكراامة!.