إستفتاء أبيي مع سبق الإصرار

في غمرة نزالات الشعب ضد نظام الإنقاذ بعد حزمة الزيادات التي أطلقها كإستجابة طبيعية لمطلوبات صندوق النقد الدولي بتحرير الإقتصاد وتعويم الجنيه وفتح الطريق أمام الإرتفاع الجنوني للأسعار وكنتيجة طبيعية لعدم قدرته العملية علة معالجة الإختلالات الإقتصادية ودون مقابلة ذلك برفع الأجور وحماية محدودي الدخل ، مع ماصاحب ذلك من صور الإستفزاز والتحدي لإرادة الشعب الأمر الذي لم يقف عند حد الرفض فحسب وإنما تعدى ذلك الى المطالبة برحيل النظام في أروع ملاحمه البطولية التي قدم فيها أكثر من مائتين وعشره شهيد والمئات من الجرحى والمعتقلين
ضمن هذه الظروف التي يحتضر فيها النظام ويتحفز فيها الشعب للإجهاز عليه أطلت مشكلة أبيي عبر بوابة اللإستفتاء ، في سياق جديد عمدت الجهات المنظمة والداعمه له على إجراء عملية الإستفتاء من طرف واحد لمجموعات ( دينكا نوك ) في خطوة تعبر عن جملة من الدوافع والغايات لعل من أبرزها أن رحيل هذا النظام ربما يفقدهم فرصة ماسمحت به إتفاقات نيفاشا ومابعدها من حقوق وأن الضامن الوحيد هو النظام وإلتزاماته ومايقدمه من تنازلات أمام الضغوط الدولية ، الى جانب ضلوعه مع جهات عديدة لديها المصلحة في نزع أبيي وإلحاقها بالجنوب .
رغم الخطورة في السعي عبر هذا الإتجاه الذي طرح في وقت سابق ثبت عملياً عدم القدرة على إجرائه على أرض الواقع ، وذلك للتعقيدات المحيطه به ، الامر الذي فتح الطريق أمام المبادرات ومشاريع الحل من جهات عديدة وبإستمرار ولكن دون الوصول للصيغه المرضيه لتجاوز هذه الازمه ، ولكن المفارقه هو في إصرار هذه الجماعات على إجراء الإستفتاء من طرف واحد تحت مزاعم أنهم قد سأمو من نظامي الخرطوم وجوبا وبالتالي فهم وحدهم من يقرر مصير أبيي ، وهكذا جرى الإستفتاء الفبلي لأبيي بشكل علني وفق حشد وترتيب تم إعلان نتائجه في 31 أكتوبر 2013 وبنسبة 99.9% وإعلان تبعيتها لجنوب السودان في تحدي تنقصه الحكمه والهم الغالب لأهل السودان .
إن هذا الإستفتاء الذي يفتقد للأرضية والمشروعيه القانونية مردود عليه بدلالة تجاوز جملة من الحقائق والمعطيات الموضوعيه مثل :
? أن هذا الإستفتاء نظم من طرف واحد أي عدم إشراك المجموعات السكانية الأخرى لاسيما المسيرية ووفقاً للنصوص الوارده في الإتفاق
? تجاوز الإستفتاء لبرتكول أبيي وقانونه المنظم لعمليات الإستفتاء وطرفي النزاع ( المؤتمر الوطني والحركة الشعبية ) الذين أوجدا هذا النزاع وهندسٌا أزمته
? عدم الإكتراث للترتيبات التي تسبق عملية الإستفتاء من تهيئة المكان والإجراءات العملية من تسجيلات ومفوضية ورقابه وحماية أمنيه ….إلخ
? تجاوز الآليات الدوليه والإقليمية الراعيه للإستفتاء ، لاسيما الإتحاد الأفريقي واللجنه رفيعة المستوى في القيام بواجباتهم كشهود على هذا الإجراء و، وقد عبرت معظم هذه الجهات عن إدانة ورفض لهذا الإستفتاء وبالطريقة التي تمت بموجبها
يذكر أن إتفاق مشاكوس الإطاري كان في حدد جغرافية ومجالات حسم هذه القضايا ضمن الخارطة السياسية والإدارية التي كان عليها السودان بعد الإستقلال في 1/1/1956 لكن الإشارت والتفسيرات التي حواها برتكول أبيي كانت مثاراً للجدل والخلاف مما جعل هذه القضية تأخذ أكثر من منحنى ومنعطف قادت في أوقات عديدة الى الإقتتال والمواجهه ودخول المنطقه الى أروقة الدوائر الإقليمية والدولية حتى قفزت الى مستوى أستصدار القرارات الدولية بشأنها وتشكيل قوة دولية بإسم ( اليونسيفا) للحمايه والترتيبات الأمنيه واللوجستيه لمنطقة أبيي قوامها من الجنود الأثيوبيين .
وتعتبر هذه القضية من المسائل التي كانت من أولويات شركاء نيفاشا لكن المسارات التي سارت عليها والمقترحات التي طرحت لحلها ذادتها تعقيداً على تعقيدها وباعدت الخطى نحو الحل الأمثل والتي كان من أخطرها ماقدمته ماسمي بلجنة الخبراء التي لم تتجاوز مهامها فحسب وإنما تقدمت بمقترحات وإعتمدت مناطق لاعلاقة لها بإدارة أبيي ، الأمر الذي قاد الى التصعيد والتصعيد المضاد والوصول في نهاية المطاف لتدويل القضية بعرضها على محكمة التحكيم الدولية والتي بدورها كرست الأزمه رغم رفضها لجملة من المقترحات التي طرحتها لجنة الخبراء والتي هددت الحركة الشعبية في وقتها بأن تجاوزها يعتبر خط أحمر ، الإ أن الواقع وصعوبات تنفيذ قرارات محكمة لاهاي على أرض الواقع بات أشبه بالمستحيل في ظل التوترات التي صاحبت تصريحات التكوينات القبلية في المنطقه من هنا وهناك ، الأمر الذي أدى الى تدخلات إقليمية بعد أن ذهبت القضيه نحو الحسم العسكري والإقتتال الأهلي ومازاد الطين بله هو تسارع إستفتاء الجنوب قبل حسم قضايا الصراع الأساسية سيما المرتبطة بالإستفتاء نفسه كتحديد الحدود بين الشمال والجنوب وحسم قضية أبيي وقد أعتبر ذلك بمثابة إسدال الستار على نيفاشا والقضايا المرتبطه بها حتى أصبحت القضايا العالقه وكأنها تخضع لتفاهمات وترتيبات جديده بعد ميلاد دولة الجنوب وتبعية أبيي عملياً للشمال وهذا مابدأ يظهر للعيان من منفاوضات وفق القواعد الدوليه بين دولة وأخرى ، ودخول الإتحاد الإفريقي ولجنة رفيعة المستوى كأطراف لتسوية القضايا العالقه وقد شهدت هذه الفترة جولات مكوكيه وطرح عدد من الصيغ خاصة بعد إندلاع الحرب فيأعقاب إحتلال الجنوب لحقول هجليج وتمدده في أكثر من نقطة إرتكاز إلا أن هذه المحاولات لم تحرز أي تقدم يذكر رغم الإتفاق على جدولة بعض القضايا والشروع في تنفيذ بعضها على مستوى العلاقات الثنائيه ولكن الملاحظة الجديرة بالإهتمام خاصة في الآونه الأخيره وفي إطار الزيارات المتبادله وإنعقاد مؤتمرات مباشره بين الخرطوم وجوبا هو غياب الوسيط الإقليمي أو الدولي في تناول القضايا الخلافيه وربما كان هذا هو الطريق المفقود منذ نشوء هذه الأزمات . ولكن الملاحظه الأخرى في ذات السياق هو إجراء ترتيبات الإستفتاء لمنطقة أبيي من قبائل دينكا نوك في ظل كافة المحاذير والإحتمالات التي من الممكن أن تجر المنطقة الى حريق واسع خاصة أن المسيرية الذين يقفون في الضفه الأخرى لم يقفوا حد الإدانه والرفض فحسب وإنما شرعوا في عمل إستفتاء مماثل بدلالة أحقيتهم في الإستفتاء ضمن مكونات منطقة أبيي ولكن الغريب في الأمر هو أن هذه الخطوة التي تم الترتيب لها زمنياً بالتوافق مع ماطرحته لجنة أمبيكي بتحديد شهر أكتوبر كموعد لإجراء الإستفتاء ولكن بعد تهيئة المناخ والقيام بالترتيبات الإدارية والأمنية وضوابط ولوائح الإستفتاء وهذا مالم يجري ويتم الإتفاق عليه ولكن مع ذلك تمت التعبئة والحشد والتنظيم لدينكا نوك بصورة لافته للنظر من حيث العدد والتنظيم المصاحب لذلك والعمليات الإجرائية والدعم الواضح والتغطية الإعلامية الواسعه ممايدل على وجود أجندات خفيه وترتيبات سابقة ، هذا الى جانب تزامن هذه الحاله مع طلب قدم من مجلس السلم والأمن الأفريقي لزيارة أبيي ضمن هذه الظروف ولكن الخرطوم رفضت هذا الطلب وتم تأجيل الزيارة لوقت لاحق لإعتبارات أمنية من جهة وسيادية من جهة أخرى وبالمقابل فإن جوبا التي كانت في مقدورها إيقاف هذا الإستفتاء لزمت الصمت .
على أن دلالات هذا الإجراء تذهب أبعد من كونها مجرد تمرين وعملية سبق مبكر في التسجيل ، وإنما تتعداها الى الإستحواذ على الأرض وتشكيل قاعدة ديمغرافية وإدارية وتعبويه تطل من خلالها على المجتمع الدولي الذي يمكن أن يمرر بعض الأشياء في ظل نظام يفتقر لعلاقات إيجابيه مع هذه المحافل
المهم أن الخطوة تعبر عن الإمعان في الذهاب الى طريق الحرب رغم فشل كل الصيغ السابقه التي تحاول تجنيب المنطقة من ذلك بما فيها إقتراح تشطير أبيي لنصفيين لكن الغائب في كل هذه الجولات هو دور الفعل الوطني وإشراك أصحاب الارض والمكون الشعبي فيها . ومعالجة الإفرازات الأخرى بالحكمه والحوار والتعايش السلمي لأن مشكلة أبيي هي نتاج وعملية تخليق لقضية لم تكن موجودة على أرض الواقع بهذه الأبعاد قبل نيفاشا ، والشاهد على ذلك هو أن هذه المنطقة لم تكن محل نزاع أو ساحه للإقتتال إلإ بعد صعود قيادات نافذه من أبيي لقيادة الحركة الشعبيه وظهور البترول كمتغير جيوستراتيجي
كما ظلت هذه المنطقه تشهد عمليات تصاهر وتعايش طويل وتشابه في أساليب العيش والكسب المشترك والإحتكام لأعراف وتقاليد تواثقت عليها المجموعات المتساكنه في هذه المنطقه منذ زمن بعيد الى جانب تبعية الإدارة الأهلية ونظارات دينكانوك والمسيريه لمديرية جنوب كردفان
على هذا الأساس فأن الأزمة في جوهرها مفتعله كجزء من ترتيبات تقسيم وتفتيت السودان عبر وسائط وضغوط دوليه تم تمرريها ضمن تسويات نيفاشا التي ذهبت بالجنوب وتركت القضايا الأخرى تنخر في جسد الوحده ، تطرح هي الاخرى محاور وتصورات ضمن حالة اللاسلم تطالب بالإنسلاخ والتمايز كما هو الحال بالنسبه للنيل الأزرق وجبال النوبه
لذلك عجزت كل الحلول والمقترحات لحلها لانها قد طرحت من خلال المعطيات والمتغيرات الإنتقالية التي فرضتها تطورات الأزمة وتداخلاتها الدوليه والإقليمية والمحلية
عموماً فإن مشكلات السودان هي من نوع المشكلات المتداخلة والمتشابكه وأن أي نظرة متجزأه للمعالجه بمعزل عن القضايا الأخرى سوف لاتكون خصماً على الوطن فحسب وإنما تقود الى تفريغ عناوين جديده للأزمة ولإن كان النظام هو أس البلوى في محاولة اللعب بالمتناقضات والقفز على الواقع والرهان على البندقية في أغلب حالاته إلإ أن ذلك لايبرر الإخلال بالتمسك بالثوابت الوطنية في مواجهة النظام نفسه والإنتصار لارادة الشعب وفي ذلك قد عبر الشعب ولايزال في أكثر من جولة للإجهاز عليه وتأسيس البديل الوطني الديمقراطي الذي يعيد الأمور الى نصابها بديلاً من سياسية التوزيع والمحاصصه لما تبقى من وطن ….!!

د.يوسف آدم الضي
31/أكتوبر /2013
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. Let you know that and mark my word Abyei is belong to Ngok dinka and your criminal missyeria will never never see the river kiir with their cows this year 100% dieth Missyeria

  2. My dear Free Abyei,looting people will never to understand you at all like Dr Yousif and Jalabay in sudantribune website comment Abu ayat satans in abig criminal liars country call Sudan satan,die to them and all coward Misseryia.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..