صفعة صفاء … فجّرت البكاء !!

إسماعيل عبدالله
من ظن أن واقع صحافتنا الیوم ھو ذلك الواقع الصحي المعافى ، وأن العمل الصحفي ینشط تحت ظروف طقس طبیعیة تجد فیھا المفردة المكتوبة والكلمة الملفوظة القبول والوصول الآمن لمكتب المسؤول ، یكون ھذا الظان صاحب النیّة الحسنة قد ضل طریق الرشاد ، لأن واقع الكتابة الصحفیة الیوم محفوف
بمخاطر تضییق الانقلابیین، ففي مثل ھذه الظروف الاستثنائیة التي تمر بھا بلادنا الحبیبة لا توجد وسیلة أخرى اكثر بلاغة وامضى سلاحاً من مواجھة الانقلابیین إلاّ القذف بالبیض الفاسد والحذاء المھتريء ، وھي
وسائل احتجاجیة تم استخدامھا في كثیر من المناسبات المشابھة ، خاصة في وجوه رموز الدكتاتوریات وزعماء الملیشیات والعصابات المافیویة ، الذین یسطون على سلطة الشعب ظلماً وعدواناً ، لقد الھمت
الاستاذة صفاء الفحل جیش من الاقلام الراصدة والمتابعة والتي من بینھا ھذا القلم ، وھي بذلك تكون قد قذفت حجراً كبیراً في عمق البركة الآسنة للمقالات المكررة والمملة ، فحرّكت ھذا الركود الآسن وسنّت
رؤوس الاقلام ، فانطلق الكتاب والصحفیون نحو تدبیج الصحف الیومیة بالموضوعات الثائرة والمقالات الحیویة الزاخرة جراء ھذه الصعقة الكھربائیة ذات الفولیتة العالیة.
إنّ ردة الفعل الرومانسیة التي جاءت من بعض الحالمین بعالم تكسوه الروح الطیبة والنوایا الحسنة ، لا یتناسب مع سوء طویة المتآمرین على سلطة الشعب ، ولا یجب أن تقابل استفزازاتھم المتكررة على الدوام
بسلوك الحمل الودیع ، فھي رسالة وجیھة موجھة للجمیع – ثوریین وصحفیین وسیاسیین ومھنیین وناشطین ،
إذ أنھ ما تزال بلادنا مختطفة من قبل عدد قلیل من العسكریین ، بتواطؤ واضح ممن تم رمي الحذاء في
وجوھھم في حادثة المنصة التي نحن بصددھا، فلم نصل بعد لمرحلة التداول السلمي للسلطة الذي لا یحتاج فیھا الصحفي لأن یستخدم مركوبھ بدیلاً للقلم ، فالتصریحات العرجاء والخطرفات الرعناء التي ظل یھرف بھا ذلك الرجل الانقلابي الداعم للدكتاتوریة الجدیدة والمستھدف بتلك (الجزمة) الطائرة ، لا یمكن لجمھا بالكلمات المنمقة ولا بالعبارات المنتقاة من قاموس الصحافة والاعلام، فما تلقاه ھذا الانقلابي من صاروخ ارض جو منطلق من تحت الاقدام ، ھو مردود من جنس نفس البضاعة التي ظل یروّجھا ویسوّقھا ویبیعھا
للناس ، فھاھي بضاعتھ ردت الیھ وعلیھ تقبلھا بصدر رحب ومعھ رفاق درب الانقلاب الناحر لحكومة الانتقال .
منصة السلطة سیطر علیھا امراء الحرب وزعماء الملیشیات وجنرالات النظام (البائد) ، واصبح السلاح ھو الظاھرة الأكثر شیوعاً في الاحیاء وداخل دھالیز مكاتب المؤسسات الحكومیة ، ومع ھذا الوضع الغریب والشائھ لا یمكن أن یمارس الصحفیون مھنتھم ، ولذلك یجب أن لا یستغرب الناقدون لثورة الحذاء لو اطل علیھم صحفي ممتشقاً للكلاشنكوف وھو یتحسس خطاه سعیاً للوصول الى المنبر لكي یدلي برأیھ ، فھذا الوضع الاستثنائي الذي تتلبد سماءه وراء سحب دخان الذخائر وخلف اغبرة المؤن المتفجرة ، لا یمكن أن ینتج صحافة ودیعة ومسالمة تخاطب الذئب الانقلابي بالمفردات المھنیة المتواءمة والمنسجمة ، فالوحش
الكاسر ذو الأنیاب المتقطرة دماً لا یمكن معھ اتباع تلك القاعدة الطیبة للسید المسیح ، الداعیة للتسامح الافلاطوني المستحیل وغیر الممكن الذي لن تجد لھ مثیل بین وحوش الانقلاب ، فالرومانسیون الداعون للتعاطي مع موجھات صاحبة الجلالة وتطبیق معاییرھا على ارض واقع مكتظ باسفاف الانقلابیین، لن یجدوا تلك السانحة المنطقیة التي تتیح لھم ذلك.
العنف لا یولد سوى العنف ، عندما تقذف بكلمات الاستفزاز على وجوه مستقبلیك ربما یمتنع غالبھم عن الرد علیك بالمثل ، ولكن من المؤكد أنك سوف تتلقى صفعات وركلات من آخرین غاضبین لیسوا من قبیلة
الكاظمین الغیظ ، وحینھا فقط سوف تعلم تمام العلم أن حدیثك المطلق على عواھنھ یجب أن یغربل و(یفلتر) .
لقد تعرض اكبر رمز من موز المؤتمر الوطني (المحلول) عندما كان مساعداً للرئیس المخلوع ، لضربة على الرأس سالت على إثرھا الدماء بعاصمة اكبر البلاد رعایة للدیمقراطیة – لندن ، لم یكن مساعد كرسي قدیم امام ناظریھ . الدكتاتور حینھا یتخیل وجود من یجرؤ على الوقوف أمامھ ناھیك عن مثول من یقوم بفج رأسھ باعقاب رسالة الحذاء عبارة عن عبوة ناسفة لغرور الشخصیات الكرتونیة التي اعتلت منصة السلطة على حین
انتھازیة غافلة ، وھذه الرسالة المباغتة حتماً سوف تتبعھا رسائل أخرى دافعھا الغبن وقلة الحیلة والھوان ، ولا یستطیع أن یتنبأ بحجم خطرھا احد لما لذاكرة الشعوب من مخزون كبیر من التجارب الانسانیة القادرة على رد الصاع صاعین.
انتوا فقط ارجعوا لدارفوركم وسنكون بالف خير .. أوكد لك لا أحد سوف يزوركم وستقتلون بعضكم البعض