هل سيقتل الصبر ..الورل ؟

هل سيقتل الصبر ..الورل ؟

محمد عبد الله برقاوي..
[email][email protected][/email]

يحكى أن جماعة من البشر تجمعهم قرية وادعة على تنوعهم المتسامح الى حد كبيرفي تجانس نمط حياتهم الزارعية الرعوية وهم هانئون في مساكنهم البسيطة التى تتوزع بين ضفتي ترعة كبيرة في تنافر أقرب الى لونية وفوضى اللوحة التشكيلية خضرة يتخللها غبش وشوارع تتلوى في اتجاهات عدة تتعانق حينا وتتباعد أحيانا اخرى!
يبدأ يومهم كالعادة بصلاة الفجر جماعة و التي لا يتخلف عنها حتى من يتعاطون منتجات الانداية البعيدة ليلا ، فتجدهم و هم يخلعون أسمال أحذيتهم البالية عند بوابة الزاوية ، يحوقلون ويستغفرون !

قبل طلوع الشمس تذهب النساء لورود الماء من ذلك المجرى الثر ، بينما يسقي الرجال الدواب استعدادا لرحلة الحقول والرعي والكل يتبادل تحيات الصباح باصوات ملؤها الصفاء وهي تعبيء فراغات المسافة بين الضفتين وتنسكب في المسامع ثم تذهب مع مجرى السيل مثلما تمضي حياتهم في هدوء طوال يومهم برتابة وايقاع واحد لتنتهي بعد صلاة العشاء فيعم القرية السكون ويبتلعها الظلام وتغط في سبات عميق وهكذا دواليك منذ الأزل !
الا من أصوات غناء هنا وهناك في أوقات الحصاد ومواسم الأعراس أو صرخة مولود جديد أو نواح على فقد عزيز !
وفجاة ظهرت مجموعة من زواحف ( الورل ) في الترعة ، فأستغرب السكان هجمة ذلك المخلوق الغريب المباغتة !
ولكنهم أذعنوا و استبشروا خيرا بتلك النعمة الربانية ، حيث شرح لهم الفكي امام المسجد صاحب السطوة عليهم والتأثير فيهم وأقنعهم بعظمة الفوائد الجمة من تكاثر ذلك المخلوق المسالم ، فيمكنهم أكل لحمه فهو حلال ومن ثم استخدام جلده في عدة منافع ، فضلا عن بيعه حيا أو مسلوخا!
انتعشت الحياة في القرية وكانت بهجة الناس تشتعل كلما زادت أعداد الورل ، فالكل يأكل منه حتى يشبع وتبدل شكل الأحذية من الباتا الى المراكيب القوية !
وفي يوم من الأيام كان فكي القرية وامام مسجدها الذي أفتى بترك جيوش الورل تتكاثر ، وبينما هو يسير على ظهر حماره بمحاذاة الترعة ، قفزت مجموعة كبيرة من ( الورالة ) تركض خائفة ، فأجفلت حمار الشيخ وكان عاليا يقع حجمه مابين البغل والحصان ، فسقط الفكي من ذلك العلو ، وأحتسبته القرية وشيعته في موكب مهيب الى مثواه الأخير!
ومن هنا بدأت فصول قصة جديدة وطويلة بين أهل القرية وجيوش الورل التي باتت مشكلة لابد من التخلص منها ، ولكّن كيف !
فتلك الجيوش صارت ترضع غنم القرية ، فانعدم الحليب وهزل الأطفال الذين أصبحوا يخافون ارتياد الترعة للحمام فانتشر الوسخ وتراكمت الكشكة في الأجساد ، وتفشى المرض بينهم وانقطعوا عن عبور المسافة الى الخلوة في الجانب الشرقي للترعة !
النساء اعتزلت ورود السقيا من ترعتهن الأثيرة وبات نشل الماء وجلبه من البئر الوحيدة في القرية المجاورة والبعيدة عن الترعة مشقة كبيرة على قلته وقرب نضوبه !
سكان القرى المجاورةالقريبة والبعيدة لم يخفوا جفوتهم وانقطاع أرجلهم عن أهل قرية وباء الورل خشية انتقاله اليهم ، وابتعدوا بأغنامهم ، وسوروا مزارعهم ونشروا حولها الكلاب لحراستها ، بعد أن علموا أن الورل قد أتى على الزرع والضرع في تلك القرية المنكوبة !
حتى الحمير أصبحت تتمرد عن عبور السقالة التي تربط بين شقي القرية !
اجتمع القوم لتلمس الحلول ، استعانوا بأصحاب الحل والعقد من البلدات المجاورة ، اجتماعات تعقد وتنفض ، الاقتراحات تترى من هناك وهناك ومن هذا وذاك !
الى أن وجدو الحل في اغلاق الترعة من على مسافة عدة كليومترات حتى يقطعوا الطريق على جيوش الورل من السباحة ناحية قريتهم كليا !
وقد كان أن نفذوا تلك الفكرة بسرعة فائقة ، فتنفسوا الصعداء ، ظنا منهم أن المشكلة قد انتهت !
و لكنّهم ويا للحسرة لم ينتبهوا الى أن الورل حيوان بر مائي !
فما لبث أن انتشر ت جيوشه من جديد وبكثافة أكثرفي المزارع ووسط المراعي وحتى داخل البيوت والمتاجر المتواضعة في القرية ، وبات يعيث فسادا ويتكاثر وهو أكثر مرحا في ظل ذلك الحل ، فزادت حيرة الناس وأضحوا ، أمام خيارين لاثالث لهما!
اما فتح مجرى الترعة ثانية وذلك لم يعد سهلا اذ أنها ردمت تماما وسيكلفهم الأمر جهدا وزمنا ومالا لا قبل لهم به ، واما ترك الورل يأتي على البقية الباقية من حياتهم البائسة !
اجتمعوا ثم انفضوا وتشاوروا وتفاكروا وتبادلوا السباب والشتائم والاتهامات وأحتربوا وتقاتلوا ، وثاروا وهاجوا وماجوا ثم جلسوا يضعون الأيد على الخدود ، بعد أن وقف حمار شيخهم الجديد ، عند محطة التهدئة ، وهو يخاطبهم في صلاة الجمعة ، بعضهم وجد له طرفا من ظل الزاوية القديمة والطينية البناء والبعض تدثر بالشمس الحارقة ، ينتظرون ، رأيا من الفكي وهو خليفة شيخهم الراحل المطاع الذي ورطهم في الافتاء بفوائد الورل تلك !
الكل ينظر الى الفكي شاخصا من هم في الداخل بكلتا العينين ومن هم في الخارج بعين مصرورة تقاوم الأشعة وأخرى تتعثر رموشها المجهدة وتكابد عنت المتابعة وقسوة الترقب !
أطال الفكي في خطبته متحدثا للجموع عن الابتلاءات و حضهم على تقبل مضارها بعد زوال النعم و انقضاء الفوائد منها ، ولكنه تبسم وهمهم بالشكر لله وقال لهم في زهو وثقة ، انه بعد أن نام لهم بالخيرة في ليلته البارحة التي قضاها متهجدا رافعا كفه للسماء ، سائلا المولى الكريم أن يلهمه الصواب ويفتح عليه بالحل ، فوجده قبل الآذان الأول للفجر بوقت قليل !
فعلا التكبير والتهليل وطارت العمائم الهزيلة والطواقي الرثة في الفضاء وزغردت المصليات العجائز من خلف الصريف الفاصل بينهن والرجال، ورقص من رقص و ضربت النوبات !
ثم عاد الصمت على صوت الفكي وقد قام لمواصلة خطبته في جزئها الثاني ، فشكر الله ثانية وحمده وترحم على أموات المسلمين وشهداء النكبة ودعا للأحياء منهم بالفرج !
والكل ينتظر الحل السحري بقلق وتململ !
فحانت اللحظة وأمسك الشيخ بعصاه وهو يهم بالنزول من على المحراب المتهالك ، وقبل أن يطلب من المأموم ، اقامة الصلاة !
قال للجموع المتلهفة للحل !
أن حلهم في الصبر ثم الصبر ثم الصبر ،وهو الخيار الذي أو صيكم به على الورل وان تكاثرت جيوشه
فثمرة صبركم احدي الحسنيين ، فاتركوا للورل الدنيا وهو بصبركم سيموت فيها لامحاله من شبعه وجشعة، أما أنتم فلكم الجنة وأنتم الكاسبون ، قوموا الى صلاتكم ، يرحمني ويرحمكم الله أحياْء ومحتسبون ورفع يديه طويلا بالدعاء في سره وهم يرددون ، آمين ، آمين ، آمين ،غير سامعين لما يقول!
فصلى القوم وتفرقوا ، كل الى وجهته ، وفي حيرة كل منهم الكبيرة يجول السؤال الأكبر.. الجنة من شأن الخالق الرحيم !
ولكّن هل سيقتل الصبر وحده ..الورل ؟
فما رأيكم أنتم يا ( راكوبابنا ) الأعزاء أن تفيدوا أهل القرية التعيسة وتجيبوهم على سؤالهم الحائر أعلاه ؟
دام فضلكم !
******
ملاحظ للسادة ادارة الراكوبة مع التحيات والشكر .
يرجى الحرص على ارفاق صورة الورل رغم رمزيته في قصة المقال وذلك لتعميم الفائدة ، فالكثيرون من أبناء الأجيال الحديثة لم يروا الرول وربما لم يسمعوا عنه أو به ، لاسيما ابناء الشتات في أرض الله الواسعة !
مع خالص تقديري
برقاوي ..

تعليق واحد

  1. اجمل ما قرات لك ،،،،،قمة الرمزية و الابداع ،، فعلا سيقتلهم الشبع ،، كل أمراض العصر معهم ،،، سكر ،، ضغط ،،، شرايين ،،، سرطان ،،، العياذ بالله ،،، اللهم الهمنا الصبر .

  2. التحيه والاحترام لك يا استاذ ما اجمل الرمزيه حين شبهته بالورل لانه لقد ضقنا الامرين من الورل الكبير لان في هذا الزمان كثرت علينا الورلات ابتداء من الترابي والصادق وبشبش الرقاص وهو الان مصاب بالمرض العضال عقبال باقي الحشرات الضاره

  3. عزيزنا برقاوي
    ويكانك تجسد امامي لوحة فاخرة
    عزيزةعلي نفسي االا وهي لوحة عبد الرحيم الذي صلي علي عجل
    لحميد
    وهذه ايضا لم يستفد منها لا الراكوباب ولا غيرهم من الشعب السوداني
    فلندع الورل ياكل ما يقدر عليه
    حتي يموت من التخمة

  4. ا. برقاوي رمزية جميلة كأني برمزية بربارة نولوين في أصوات من أفريقيا و النسر الذي كاد أن يصبح دجاجة لكن تركتنا في حيرة من أمرنا كيف يترك الورل للصبر وحده دا زمان المعجزات و الطائرات بدون طيار و اليرموك بدون رادار والجمل البارك بقى هدار و شراب الموية من ضهر الحمار و الكضب أصبح شمار و الحقيقة هظار في هظار و الشيك و الدولار شالهم العصار و الهبوك قام ليه شوك و الورل يرضع!! و يرضع!! و يرضع!! لبن غنم و لبن ….. و لبن أبو لي بي !!أنا أقترح أن نبيع الترعة لي الصينين و يجوا كل و احد يقبض ورل يأكله على أن يتركوا لنا عضام الورل لنضعها في المتحف الورلي بالقرب من القاعة الورلية على شارع الترعة الورلية جوار جسر جزيرة الورل المطلة على ساحل الورل البحري الذي يقع في مدينة الورل الكافوري!!

  5. والله مبالغة …يا أستاذ

    اجتمعوا ثم انفضوا وتشاوروا وتفاكروا وتبادلوا السباب والشتائم والاتهامات وأحتربوا وتقاتلوا

    طيب ناس الحلة ديل..مافكروا يتجمعوا ويتسلحوا بى العكاكيز والفؤوس لييه عشان يكتلوا ( الأورال)

  6. الأورال دي عشان لقت التماسيح مافي بقت تقدل في البلد

    وبلد ما فيها تمساح يقدل فيها الورل

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..