تدوينة على حائط “الحركة” قرارات رفع الدعم.. الجماهير تطوِّر أدوات الاحتجاج

الخرطوم: جمعة عبد الله
ليس بدعاً أن تجد قرارات وزارة المالية بزيادة أسعار الكهرباء والمشتقات البترولية والدواء، مناهضة شعبية وحزبية، فتلك سنة العمل السياسي. وليس غريباً أن تنشط جماعات سياسية ومجتمعية لرفضها، ذلك أنها جاءت ضد رغبة الجميع، بما فيها الأحزاب التي شاركت في الحوار الوطني. ولكن الغريب في القصة كلها، أن أشكال المناهضة تنوعت بصورة لم تكن مألوفة في المشهد السياسي والاجتماعي السوداني، ببساطة لأن القرارات المعنية مسّت بشكل مباشر أهم ما يشغل المجتمع ألا وهو قضية “معاش الناس”، خاصة أن القرارات صبّت المزيد من الزيت على نار المعاناة.
احتجاج على طريقتهم
تنوعت طرائق رفض القرارات الإقتصادية مؤخرا، ففي حين عمدت الكيانات والقوى السياسية التقليدية إلى استصدار بيانات جماهيرية أعلنت فيها موقفها الرافض للقرارات. وهذه طريقة مألوفة في ردهات السياسة حيث يبين كل حزب موقفه من الأمر، معدداً سلبياته وأثره على المواطن، وذلك ما تم بالفعل حيث أصدرت الأحزاب بياناتها وأبانت عن رأيها بوضوح.
لكن اللافت في شأن هذه الاحتجاجات أنها ? وعلى غير العادة ? أفرزت أساليب لم تكن مألوفة، ولعل أشهر ما يقال في هذه النقطة، وهو احتجاج النائب البرلماني السابق بمجلس تشريعي ولاية جنوب دارفور، القيادي بصفوف حزب التحرير والعدالة، أحمد إبراهيم، فالرجل سلّم قيادة المجلس مذكرة احتجاجية رفضاً للزيادة الأخيرة في أسعار المحروقات، ولكنه اجترح أسلوباً ربما لم يكن موجودًا ومألوفاً في السودان، وهو يأتي إلى مباني المجلس تزيا بكامل هندامه وربطة العنق وينتعل حذاء لامعاً وهو يمتطي صهوة “حمار” دارفوري، والرجل أراد بذلك التصرف إيصال رسالة واضحة مفادها، أن زيادة أسعار المحروقات تباعدت بين الشعب وعامة المواطنين واستقلال وسائل النقل العامة، وذلك عطفًا على ارتفاع تعرفة النقل بالمركبات العامة.
وليس بعيداً عن ذلك، فقد برزت طريقة احتجاج أثارت قدراً من الدهشة والاستغراب بولاية القضارف، حيث عمد بعض المواطنين إلى تثبيت رفضهم لزيادة الإعسار، من خلال عبارة “لا للغلاء” التي كتبوها على أبواب دار الحركة الإسلامية بالولاية، كتعبير صامت على مناهضتهم قرارات الحكومة. ومعلوم أن الحركة الإسلامية هي الحاضنة الفكرية والدينية للمؤتمر الوطني، وبالتالي هي مسؤولة عن تلك القرارات في نظر الكثيرين.
رفض مبطن
الثابت أن كثيراً من المجالس التشريعية بالولايات باتت في موقف لا تحسد عليه، ذلك أن تلك القرارات قوبلت برفض شعبي عام، والراجح أنها ستلقي عليهم بالمزيد من الرهق في مكابدتهم لتوفير احتياجات المعاش اليومية، ولكنها ? أي القرارات- أيضاً هناك من يتحفظ عليها مبدئياً من قيادات برلمانات الولايات، حيث يرى رئيس المجلس التشريعي بولاية وسط دارفور أزهري الحاج آدم، أن الضمير الشعبي يتحفظ دومًا على مثل هذه القرارات، ذلك أنه يرى أن ثمة حساسية مفرطة للمواطنين تجاه مصطلح “رفع الدعم” من الأساس، وبهذا التبرير يري أن الإعلان عن القرارات كان يمكن أن يتم بعد التمهيد له ووضع المواطن في الصورة، وشرح أن هذه القرارات تأتي في سياق إصلاحات كلية لاقتصاد البلاد، وعاد ليقول إن خطوة المالية الأخيرة يمكن عدها كإجراء يأتي في سياق الوضع الاقتصادي العام للبلاد، مشيراً إلى أنها لا تعتبر حلاً لأدواء الاقتصاد بقدر ما هي معالجات مرحلية متدرجة، وكشف عن جهود للمجلس ومخاطبات رسمية من الجهات صاحبة الشأن اتحاديًا لتوفير سلع الغاز والجازولين الزراعي، ورهن عدم تأثير الزيادات على المواطن بتوفير المعالجات المطلوبة، وأشار إلى وضع المجلس لخطط احترازية قال إنها تأتي لامتصاص الآثار المتوقعة والجانبية لرفع الدعم، وقال إن خططهم تتعلق بدعم المشروعات التي تنفذ في إطار المشروعات المقدمة للمواطن، معلناً عن اتجاه لفتح مراكز لتثبيت أسعار للسلع الاستهلاكية وتوفيرها بأسعار مخفضة للمواطن، ولفت إلى أن الإجراءات الأخيرة بحسب خبراء اقتصاديين فهي تسهم في توجيه الدعم لجهات محددة تعتبر هي الأكثر حاجة له، مشيراً إلى أن تحقيق هذا المبدأ سيسهم في زيادة الإنتاج والإنتاجية، وأبدى شكوكًا حول مقدرة المنتجين على مقابلة تكاليف الجازولين الزراعي التي ارتفعت بعد رفع الدعم عن المحروقات، غير أنه عاد ليقول إن حجم التأثير سيكون طفيفاً، مفسراً قوله بأن الزيادة ليست كبيرة جداً، وبالتالي فلا خوف من خروج المنتجين من العمليات الزراعية، وقطع بسعيهم لمساعدة المنتجين لمواصلة الزراعة وعدم خروجهم من دائرة الإنتاج بسبب أسعار الجازولين، معتبرا أن الأسعار في حال كانت مشجعة فستتوفر السلع بأسعار مناسبة للمواطن.
قرارات اتحادية
ويذهب رئيس المجلس التشريعي للولاية الشمالية نصر الدين إبراهيم في اتجاه مختلف، وهو يشير إلى أن القرارات الاقتصادية صادرة عن الحكومة الاتحادية ولا تختص بإصدارها حكومات الولايات على مواطنيها بمعزل عن السياسات الكلية للدولة، وقال إن الولايات ستطبق بطبيعة الحال، مع عمل المعالجات اللازمة بحسب موارد وخصوصية كل ولاية، مقرًا بأن القرارات تؤثر على المواطن بالقطع، ولكن عند النظر إليها من زاوية كلية يجد أنها في صالح المواطن، ذلك أنها وبحسب ما يقول، تأتي في الأصل لدعم الشرائح الضعيفة، وكشف عن ترتيبات يقومون بها، تخفيفاً من أثرها، ومعالجة لاختلالات التطبيق الأولي، وقال إن المعالجات المقترحة تتمثل في المزارع الإنتاجية، وتنشيط المزيد من الجمعيات التعاونية، وتفعيل دور جمعيات المنتجين لزيادة الإنتاجية خاصة في القطاع الزراعي، وقلل نصر الدين الذي تحدث للصيحة أمس من تأثير زيادة أسعار المشتقات البترولية، وقال إن الزيادة ليست بالحد الذي يخرج المنتجين من الزراعة نهائياً، وكشف عن خطة لتوفير الجازولين الزراعي للمحليات، وتوزيعه على المزارعين في الموسم الشتوي المقبل، وخلص نصر الدين للقول بأن تأثير ارتفاع أسعار الجازولين الزراعي على الموسم الشتوي سيكون طفيفاً.
الصيحة