مقالات وآراء

اعدام طفل . دفوع خارج محضر المحاكمة

لقد تابعت في الايام الماضية الحكم القضائي الصادر في مواجهة طفل عمره خمسة عشر عام و الذي ادانته المحكمة تحت طائلة المادة 130 من القانون الجنائي لسنة 1991 ووقعت عليه عقوبة الاعدام , و هذا بلا ريب كارثة كبري في ظل النظام الديمقراطي القائم حاليا , لكن بالرغم من عظمة الحدث مازال التفاعل الشعبي ضعيفا بالمقارنة بالتفاعلات التي حدثت سابقا مع بعض الاحكام الجائرة كالحكم القاضي باعدام المدانة مريم ابراهيم في قضية ردة و بموجب التفاعل الشعبي الواسع معها و ضغوط المنظمات الحقوقية تراجعت الحكومة السودانية انذاك عن الحكم عبر اجهزتها القضائية و اطلقت سراح المدانة
حاولت جاهدا معرفة اسباب ضعف تفاعل النشاطين بصفة خاصة و الشعب السوداني بصفة عامة مع الحكم الصادر بحق الطفل المذكور فلم اجد تفسيرا غير ان الاغلبية تربط مواقفها بمعارضة نظام الحكم او تاييده و ما ينبغي ان يكون الناشط الحقوقي هكذا حيث يجب عليه ان يسعي دائما نحو ترسيخ مبادئ حقوق الانسان و تعزيزها و حمايتها دون النظر الي النظام السياسي
انني علي قناعة بان الحكومة المدنية القائمة ورثت نظام قضائي بالي و منظومة قانونية متخلفة غير مواكبة للعصر و لا المعاهدات و الصكوك الدولية التي صادق عليها هذا بالاضافة للتعارض البين في التشريعات الوطنية بعضها البعض , لذا يجب علي الحكومة و علي جناح السرعة تنقيح القوانين الوطنية المتعارضة و المتنازعة مع بعضها لتتواءم مع المعاهدات و الصكوك الدولية التي صادق عليها السودان و لقد ظل ما ذكرته التوصية المركزية تقريبا لكافة ورش العمل حول حقوق الانسان التي عقدت في السودان خلال العقد الاخير من عمر النظام البائد و بالتاكيد هذه التوصيات ما زالت محفوظة بمضابط ديوان النائب , و معهد الاصلاح القانوني و برنامج الامم المتحدة الانمائي بالسودان
اذا كانت للحكومة السابقة حسنة واحدة , هي مصادقتها علي اتفاقية حقوق الطفل في العام 1990 دون تحفط , ثم اصدار قانون الطفل الذي يتواءم مع الاتفاقية المذكورة , و بالرجوع الي محاكمة الطفل موضوع المقال و النظر الي قانون الطفل لسنة 2010 المادة 3 التي تنص تسود احكام هذا القانون علي اي حكم في قانون اخر يتعارض معه تاويلا لمصلحة الطفل الي المدي الذي يزيل ذلك التعارض ) هذا بالاضافة الي نص المادة 5 من ذات القانون يسترشد في تطبيق احكام هذا القانون بالمبادئ و الاحكام الواردة في دستور جمهورية السودان لسنة 2005 و الاتفاقات و البرتكولات الدولية المصادق عليها .
لقد نصت المادة 37 من اتفاقية حقوق الطفل التي صادق عليها السودان لا تفرض عقوبة الاعدام او السجن مدي الحياة بسبب جرائم يرتكبها اشخاص تقل اعمارهم عن ثمانية عشر سنة دون وجود امكانية للافراج عنهم ) و عليه و استنادا الي الاتفاقية المذكورة انفا و قانون الطفل لسنة 2010 لا يجوز توقيع عقوبة الاعدام علي طفل و السؤال الذي يطرح نفسه علام استندت محكمة الموضوع في توقيع عقوبة الاعدام علي الطفل موضوع المقال , في تقديري ان العقبة التي واجهت المحكمة في عدم تطبيق القوانين المذكورة هي المادة 27 فقرة 2 من القانون الجنائي لسنة 1991 و التي تنص فيما عدا جرائم الحدود و القصاص لا يجوز الحكم بالاعدام علي من لم يبلغ الثامنة عشر , او تجاوز السبعين من عمره ) اي بمفهوم المخالفة كما يقول فقهاء القانون , يجوز محاكمة الشخص الذي لم يبلغ الثامنة عشر بالاعدام في جرائم الحدود و القصاص , وقد يكون الطفل المدان قدم للمحاكمة بجريمة قصاص
لما تقدم هنالك تعارضا واضحا بين القانون الجنائي المذكور انفا و قانون الطفل مسنودا باتفاقية حقوق , و هنا يثور تساؤل لماذا لم ترجح محكمة الموضوع قانون الطفل و اتفاقية حقوق الطفل علي القانون الجنائي و امامها عدد من من المبادئ والقواعد الذهبية ,كالخاص يقيد العام و الدستور يسمو علي القوانين الاخري , لا ادري حتي الان في ظل سريان اي دستور وقعت وقائع الجريمة التي ادين بها الطفل
في تقديري ان دوائر المراجعة بالمحكمة العليا قد تصل الي القرار السليم و الا سوف تكون اجراءات محاكمة الطفل المذكوراساسا لطعن ناجح امام المحكمة الدستورية .
حاصل ما تقدم الان السودان في حاجة ماسة و ملحة لثورة تشريعية شاملة تتطال كافة التشريعات الوطنية حتي تواكب العصر و تتواءم مع المعاهدات و الصكوك الدولية التي صادق عليها السودان .
ابوطالب حسن امام المحامي
و المدافع عن حقوق الانسان

ابو طالب حسن امام المحامي
[email protected]
سويسرا

‫2 تعليقات

  1. جميع القانونيون يفهمون السبب ولكنهم إنتقائيون. وجود الحدود أو القوانين الدينية يجعل الدفع بحقوق الإنسان والعلوم الحديثة بلا قيمة. الشريعة تستعين بعلامات البلوغ في تحديد التكليف ولهذا تم قتل كل من أنبت من أطفال بنو النضير وكذلك تحديد سن الزواج بعشرة سنوات للجارية.

    1. شكرا علي تعليقك الضافي انا اتفق معكم تماما ان العقبة في تنفيذ الاتفاقات الدولية لحقوق الانسان و منها اتفاقية حقوق الطفل هي مبادئ المسؤولية الجنائية الواردة في القانون الجنائي المستمدة من الشريعة الاسلامية و اشرت الي ضرورة تعديل التشريعات لتواكب الاتفاقات التي صادق عليها السودان , و بالاخص فيما يتعلق بالمسؤولية الجنائية بمجرد ظهور علامات البلوغ, و الان توجد دراسات علمية تشير الي ان بسبب التغذية و مشاهدة بعد الافلام ممكن تظهر علامات البلوغ عند الطفل في سن مبكرة جدا 11, 12,13 هذا من ناحية جسمانية لكن من حيث العقل و التفكير يظل الطفل طفلا في عمره الحقيقي و هنالك قاعدة شرعية فحواها ان العقل مناط التكليف لذلك راي المتواضع يجب ان يحدد سن المسؤولية الجنائية ب 18 عام كما هو وارد في المواثيق الدولية وقانون 1974و اغلب قوانين الدول و ليس بظهور علامات البلوغ

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..