مقالات وآراء سياسية

اللغة و القرآن و التاريخ (4)

زين العابدين حسن

نعرف من علم المخطوطات ، و المخطوطات القرآنية بالذات ، أن المختصين عند فحصهم لأي مخطوطة لتحديد تاريخها ، يهتمون اول ما يهتمون بالخط و نوعية الكتابة و ما يصاحبها من زخرفة أو تزيين أو عدمه . يمكن القول إن أول المصاحف المكتوبة و الشبيهة بمصحف صنعاء المذكور تكون خالية من التنقيط و التشكيل و ألف المد و ترقيم الآيات ، بعد ذلك تظهر المصاحف التي تحتوي على النقاط ثم تلك التي فيها التشكيل و تتدرج حتى تصل إلى الزخرفة ، لذا يمكن القول إن الخط الكوفي ظهر متاخرا من الخط الحجازي بمدة طويلة . طبعا هناك عوامل أخرى يضعها المختصون في الحسبان منها نوع الرقعة المكتوب عليها و الفحص الإشعاعي و فحص الكربون 14 (عادة الكربون 14 لا يعطي تاريخا دقيقا) و غيرها من العوامل .
نرجع لمصحف صنعاء ، باختصار المصحف مكتوب على رقائق من الجلد أظهر الفحص الإشعاعي ان هناك نصا مكتوبا تمت إزالته و كُتب فوقه نص آخر (قال بعضهم إن ذلك كان بغرض التعليم ، لكن يصعب تصديق ذلك ، للتكلفة العالية و الجهد الذي يُبذل لإعداد الرقائق و لوجود وسائل أخرى سهلة الاعداد و رخيصة التكلفة للتعليم و المحو و إعادة الكتابة) ، النص الممحو به اختلافات عن النص القياسي متفق عليها (أكثر من ثمانين اختلافا طفيفا ، بعضها اختلاف حروف و بعضها كلمات و بعضها جمل) .
انظر
https://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%85%D8%AE%D8%B7%D9%88%D8%B7%D8%A7%D8%AA_%D8%B5%D9%86%D8%B9%D8%A7%D8%A1

هناك بعض الاشكاليات في فهم بعض ألفاظ القرآن ، و هناك اجتهادات جديدة (لا أستحسن الخوض فيها هنا ، لكن لمن يريد يمكنه الرجوع للآراء التي تتناول بعض الآيات من حيث شبهة الأخطاء النحوية في القرآن ، للطبري ” جامع البيان ” (9/397) أو للسيوطي “الإتقان في علوم القرآن” أو للزمخشري في “الكشاف” أو غيرها من المراجع) . ظهرت مقولات جديدة تدّعي وصولها لقراءات جديدة بمعرفة اللغة السريانية و تطرح إشكاليات جديدة .  الحقيقة كثير من الإشكاليات نابعة من اشكالية التاريخ الإسلامي كله و الذي وصلنا أول تدوين له بعد اكثر من 120 عاما على الأقل من وفاة النبي (ص) و في أماكن تبعد آلاف الكيلومترات من موقع أحداثه الأولى ، و سنتعرض في مكان آخر خارج هذه المقالة ، لمقولة راسخة لكنها غير علمية و هي أن القرآن ظل محفوظا في الصدور و ليس السطور و منقول شفاهة بالتواتر جيلا عبر جيل …

لنبدأ بكيفية معرفتنا لأحداث التاريخ الإسلامي . لكي نعرف عن نبي الرسالة : اسمه ، وصفه و صفاته ، أهله ، طفولته و صباه ، شبابه ، كيف جاءته الرسالة ، الفترة المكية ثم الهجرة و ما جرى في المدينة حتى وفاته ، عند بحثنا عن ذلك فإننا سنجد مصدرا إسلاميا أساسيا ستعتمد عليه بقية المصادر الإسلامية الأخرى و هو (السيرة النبوية لابن هشام المتوفى سنة 218 هجرية) و هي السيرة المنقحة لسيرة ابن اسحاق (85 هـ / 703 م ـ 151 هـ /768 م) و كما قيل ” كل رواة السيرة عيال على ابن اسحاق” … فابن اسحاق قال عنه الذهبي (إنه أول من دون العلم بالمدينة ، وذلك قبل مالك) ،  و هو ما يتفق مع رأي كل المؤرخين تقريبا ، و اتفق جمهور العلماء والمحدثين على توثيقه (أي اعتباره ثقة) ، إلا ما روي عن مالك ، وهشام بن عروة بن الزبير من تجريحهما له ، وقد حمل كثير من العلماء المحققين تجريح هذين العالمين الكبيرين له بعداوات شخصية كانت قائمة بينهما وبين ابن إسحاق ، و هناك من ينكر عليه أخذه من اهل الكتاب (اليهود) كالمديني . اتفق المؤرخون على أن ابن اسحاق بدأ بجمع الروايات المختلفة من مختلف المصادر الشفهية التي كانت متوفرة آنذاك (يذكر البعض أنه نظر في كتابات عروة بن الزبير التي لم تصلنا ، عروة أخ عبد الله بن الزبير و بايع عبد الملك بن مروان بعد مقتل أخيه عبد الله و يروي الرواة انه كتب الكثير من السيرة لعبد الملك) ولم يكن أهتمام ابن اسحاق الرئيسي منصبا على تدقيق صحة الروايات وإنما كان غرضه جمع كل مايمكن جمعه من معلومات عن الرسول (ص) و قد ذكر ابن اسحاق نفسه في مقدمة كتابه إن “الله وحده عليم أي الروايات صحيحة”…

 

زين العابدين حسن

[email protected]

‫2 تعليقات

  1. ملاحظة : رابط الاختلافات بين النسخة المزالة من مصحف صنعاء و المصحف القياسي المضمنة في الجزء الرابع أعلاه غير موجودة حاليا ، لكن ستجد الاختلافات في الرابط أدناه :
    https://ar.m.wikipedia.org/wiki/مخطوطات_صنعاء
    هذا هو الرابط الموجود الآن باللغة العربية .. راجع عنوان الاختلافات .

  2. لا توجد اشكاليات فيما يتعلق بالقرءان الكريم و قول كاتب المقال ( ظهرت مقولات جديدة تدّعي وصولها لقراءات جديدة بمعرفة اللغة السريانية ) لا يتفق مع الواقع حيث ان القرءان الكريم نزل بلسان عربي مبين و بالتالي لا اثر لاي لغة اخرى على النص القرءاني .ايضا يأخذ المتعلم القرءان الكريم مشافهة من شيخه بل و يسمع عليه ربما اكثر من مرة حتى يتقن الحفظ و بالتالي فان القراءات ثابتة و موثقة و هناك كتب مختصة في ذلك مثل كتاب النشر في القرءات العشر.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..