
المخدرات خطر يهدد نسيج المجتمع، حالات التعاطي في ازدياد، ولا توجد إحصائيات لمعرفة حجم المشكلة الحقيقي، وهو ما عمل على تعقيدها بصورة كبيرة، خاصة أنها أصبحت أزمة مستفحلة وسط الفتيات، في تطور خطير اخترق نسيج المجتمع السوداني المحافظ.
(الديمقراطي) في المساحة التالية تعكس قصصاً من الواقع، وتستمع للأطراف ذات الصلة..
تحقيق – نسيبة فرحان
وزارة الصحة: زيادة التعاطي وسط البنات مقلقة .. ولا توجد ميزانيات للمكافحة
قصص واقعية
بلاغ بالرقم (12548) تحت المادة (130) ق ج، مدون بتاريخ 20/12/2022م، عن وجود روائح كريهة لدماء تسيل من إحدى أبواب الشقق. كانت تلك الدماء لجثة فتاة توفي والدها وهي صغيرة، وعاشت طفولتها بدون أب. وعندما كبرت التحقت للعمل بمركز تجميل، وأصبحت تغيب ساعات طويلة من البيت، كانت تعيش حالة من الضياع، انتهت بإدمانها للمخدرات، وهي في سن (25) عاماً.
عندما اكتشفت والدتها أن ابنتها مدمنة مخدرات، أدخلتها مصحة للعلاج، واصطحبتها إلى جمهورية مصر العربية لذات الغرض، العلاج. وعقب علاجها وتحسن حالتها، عادت الأم وابنتها إلى السودان، لكن الابنة انتكست بعد فترة قصيرة، وعادت للتعاطي مرة أخرى.
وفي شهر 12 من العام الماضي، تم العثور على جثتها داخل إحدى الشقق بمحلية بحري. وتقول والدتها، إنها تغيبت من البيت لمدة (10) أيام بغرض معاودة صديقتها المريضة، والتي قالت لها ابنتها إنها تحتاج لعملية في العين.
وعند استجواب المتهم بقتلها، أفاد بأنه قام بضرب الابنة برجل طاولة خشبية في رأسها ووجهها، وعقب وفاتها قام بتشغيل المكيف، وأغلق الشقة عليها.
وذكر أنه قام بضربها لأنها أساءت إليه بألفاظ نابية، إثر مشاجرة حدثت بينهما.
قصة وقصة
كانت (فرحة) ذات العشرين ربيعاً تعمل في السوق العربي، في مساحة صغيرة لبيع الساندوتشات بإحدى البنايات التي تضج بحركة المترددين للتسوق. كانت تقابل الجميع بابتسامتها المعهودة، وفي آخر مرة في وجودي بتلك البناية لصيانة جهاز لابتوب، رأيت أن كشك الساندوتشات الصغير مغلق، فسألت أحد أصحاب محلات صيانة الموبايل عن (فرحة) بائعة الساندوتشات، قال لي بحسرة إن (فرحة) توفيت. فداهمته بسؤال: “مالها، عيانة؟”، سكت برهة، وقال لي: “أخدت جرعة مخدر زائدة، لكن أسرتها أنكرت سبب وفاتها”.
وزارة الصحة تؤكد
مديرة إدارة مكافحة المخدرات “لبنى يحيى”، أكدت، عبر تصريحات صحفية، أن المخدرات وصلت مرحلة الانفجار، وأن التعاطي زاد وسط البنات من الأعمار الصغيرة بصورة كبيرة، وأن الميزانيات المخصصة لمكافحتها ضعيفة، ولا توجد ميزانيات مخصصة لملف المخدرات الخاص بالتوعية وتدريب الكوادر وإنشاء مراكز للعلاج.
وقالت لبنى، إنه لا تخلو أسرة من وجود مدمن، وإن حجم المشكلة كبير تخطى الجامعات إلى المدارس الثانوية والأساس، ولا تخلو صفوف الفصل الثامن سابقاً والثاني المتوسط حالياً من المتعاطين.
ودعت لبنى يحيى، الأسر للاهتمام بمراقبة أبنائهم، وقالت إنه نسبة للأوضاع الاقتصادية المتردية، وخروج جميع أفراد الأسرة للعمل، غاب الدور الرقابي، وأن المجتمع السوداني لم يعد متماسكاً كما كان في السابق، فضلاً عن عدم فعالية القوانين والرقابة من قبل الدولة، والتي أدت بدورها لانتشار المخدرات.
وذكرت أن التعاطي لم يعد مقصوراً على فئة معينة، وأوضحت أنه منتشر وسط الأغنياء والأكاديميين وأسر على درجة عالية من المحافظة، ولكن يقع أبناؤهم ضحايا لشبكات الاتجار بالمخدرات.
في مراكز العلاج
تقول (س)، تعمل طباخة في أحد مراكز العلاج الخاصة بالإدمان: “كنت أعمل في إعداد الطعام لقاصدي المركز التأهيلي، والمختص بعلاج الإدمان في الخرطوم. المركز في بداية نشأته، ووظيفتي هي توفير الوجبات للمرضى والعاملين. كنت أعد ما بين 45 إلى 50 طبقَ وجبة، في البداية كان عدد الأطباق قليلاً”.
أضافت: “بعد عام، زاد عدد الأطباق بصورة كبيرة، كان أغلب المرضى على ما يبدو، من الطبقات الثرية، ظهر ذلك في شكل الخدمات التي تقدم في المركز بمبالغ باهظة، ولا يستطيع الفقراء تحمل كل نفقات العلاج فيه. كنت أعمل في المطبخ لإعداد الوجبات لطاقم المركز والمرضى على حد سواء، وكانت الأعباء في تزايد نسبة للتردد العالي للمرضى من المدمنين بصورة كبيرة، وأصبح المركز يضج بالحركة، وصار أشبه بالمراكز الصحية العادية التي يقصدها الناس لمعاينة الطبيب”.
زادت: “أعداد الأطباق وصلت إلى 300 طبق، بعدها تركتُ العمل في المركز نسبة للضغط الكبير الذي كنتُ أواجهه، حيث اكتظ المركز بالمدمنين، وتم توظيف مساعدتين لي، لكنني لم أقوَ على التحمل أكثر”.
وقالت (س) مناشدة الجهات المختصة، بحماية الشباب من خطر المخدرات، لجهة أن الأمر وصل حداً صعباً، وعلى القائمين على هذا الأمر حماية الأجيال القادمة من هذه المخاطر التي تدمر الشعب بأكمله”.
في إحدى المدارس
(الديمقراطي) قابلت إحدى المعلمات في إحدى المدارس، والتي قالت: “نكتشف بين الحين والآخر وجود مجموعة من الطلاب في المدرسة يتعاطون المخدرات”. وعزت ذلك إلى أن أولياء الأمور لا يراقبون أبناءهم فيما يخص الجوانب المادية، خاصة الأسر ميسورة الحال التي تغدق الصرف على أبنائها. ومن هنا يبدأ مشوار الإدمان، ويصطحبون معهم أصدقاءهم من الطبقات الفقيرة، وتبدأ دائرة الخطر تتسع، وتتفشى حالات السرقة بين الطلاب، هذا بالإضافة إلى انتشار ظاهرة الإدمان بين طالبات المدارس بصورة كبيرة”.
وذكرت المعلمة أن هنالك شكاوى سرقة ومفقودات وسط الطلاب، قد يكون مردها للتعاطي.
أولياء الأمور على الخط
تقول نماء محمد، إن أبناءها يدرسون في مدرسة حكومية بالكلاكلة. وقبل عامين، تم القبض على مجموعة من الطلاب بالصفين السابع والثامن يتعاطون المخدرات والسيلسيون وأنواعاً أخرى في حرم المدرسة”. أضافت: “ما كان عقاب هؤلاء الطلاب سوى نقلهم إلى مدارس أخرى، وهذا ليس حلاً”.
تضيف نماء، أن ما فعلته إدارة المدرسة يعد أسلوباً غير تربوي في حق طلاب لم تتجاوز أعمارهم الخامسة عشر، وتابعت: “كان من الممكن أن يقوموا بإخضاعهم للعلاج، وحرمانهم من الدراسة بشكل جزئي حتى يقلعوا عن المخدرات، ولا يدخل معهم طلاب في ذات الاتجاه”.
السياق النفسي
يقول استشاري الأمراض العقلية والنفسية وعلاج الإدمان، د.علي بلدو، إن المخدات اخترقت (25%) من الشباب، حيث يوجد أمام كل أربعة شباب مدمن واحد.
واعتبر بلدو أن المخدرات أصبحت في ازدياد مضطرد هذه الأيام، وتوجد يومياً حالة من الشباب والشابات من متعاطي (الكريستال ميس) تتردد للعلاج في المستشفيات الحكومية والمراكز التأهيلية الخاصة.
وقال بلدو إن الحالات التي تقدم على تلقي العلاج، ما هي إلا النذر اليسير من حالات أخرى كثيرة لم يتم عرضها خوفاً من الملاحقة القانونية.
انتشار المخدرات وسط الفتيات
كشف استشاري الطب النفسي والعصبي وعلاج الإدمان، علي بلدو، أن انتشار المخدرات وسط الفتيات زاد بنسبة كبيرة في المجتمع السوداني في الآونة الأخيرة، بأشكال مختلفة، وبصورة مخيفة.
وعزا بلدو ذلك إلى ارتفاع معدلات القلق والتوتر وسط الفتيات والشابات في ظل العنف الذكوري الذي يمارس في المجتمع ضدهن، بالإضافة إلى عدم الاستقرار الأسري والأكاديمي نتيجة ما يحدث في الساحة السياسية، إضافة للضغط الاقتصادي والمعيشي، بجانب الخلافات الأسرية الزوجية.
وأشار بلدو إلى أن المعالجات تشمل الاعتراف بواقع المشكلة، وهي الخطوة الأهم في مراحل العلاج، ثم اللجوء إلى الأطباء المختصين، والإقلاع عن التدخين بمختلف أشكاله. ومن ثم يبدأ العلاج عن طريق التأهيل النفسي، وسحب المخدر من الجسم تدريجياً، بالإضافة إلى معالجة أعراض السحب بعقاقير طبية للتخفيف من أعراض سحب المخدر من الجسم عبر أطباء مختصين في المجال، والأهم مناصرة الأسر للمدمنين في الإقلاع عن التدخين والتعاطي، والوقوف معهم وتشجيعهم، من أجل بناء مجتمع معافى.
وذكر بلدو أن علاج الإدمان ذو تكلفة باهظة، يجب أن تقوم الدولة بتوفيره ودعم الأطباء المختصين في المجال بالمعينات اللازمة، حتى يتمكنوا من مواجهة المشكلة المؤرقة اجتماعياً وأمنياً، بالإضافة إلى وضع ضوابط مشددة على بعض أدوية الصرع، وأدوية الأمراض النفسية والعصبية، وأدوية أمراض الحركة، حتى لا تتفاقم وتتوسع دائرة الإدمان. إذ إن هناك شباباً يستخدمون هذه الأودية بصورة خاطئة، ويتعاملون معها كمخدر.
وقال بلدو إنه آن الأوان للتوسع في إنشاء المزيد من مراكز التأهيل، وتبني المبادرات من الأطباء المختصين لانتشال الشباب والشابات من براثن الإدمان الذي أصبح يطرق باب كل بيت سوداني.
تدهور خدمات الصحة النفسية
وفي ذات السياق، أكدت د. ندى حليم، اختصاصي نفسي، وجود مشكلة حقيقية في علاج الإدمان بالسودان في مرا كز التأهيل والأمراض العصبية والنفسية، حيث إن خدمات الصحة النفسية متدهورة بصورة كبيرة، والموجودة أقل بنسبة (90٪) من الحاجة الفعلية في مجال الصحة النفسية بصورة عامة.
أضافت د. ندى، بالنسبة للمخدرات، فإن هناك مجهودات جيدة من الأفراد، أما من الحكومة فإن المجهودات المبذولة ضعيفة للغاية، حسب وصفها. وتابعت أن الخدمات المادية المقدمة من الدولة والموجهة للصحة النفسية قليلة جداً، وتكاد تكون معدومة وفقاً لبروتوكولات الصحة العالمية.
وقالت ندى حليم إن المراكز الموجودة لعلاج الإدمان ذات تكلفة باهظة، ولا يستطيع الجميع العلاج. وأضافت: “في المقابل، هناك نفور من المستشفيات الحكومية، خوفاً من الوصمة، وفقر وتردي البيئة”، وأرجعت هذا العجز لقصور مسؤولية الدولة.
وأشارت ندى إلى أن إحدى المشاكل التي تواجه المعالجين النفسيين المختصين في علاج الإدمان، عدم توفر مجالات متخصصة لعلاج الإدمان في الجامعات السودانية، وقالت إن التخصص يتم عبر مجهودات فردية خارج الوطن. وناشدت الدكتورة، وزارة التعليم العالي ووزارة الصحة بمعالجة موضوع علاج الإدمان في الجامعات السودانية، باعتبار أن السودان من دول العالم الثالث، وشبابه معرض لخطر الإدمان، كما يجب توفير كوادر توازي حجم المشكلة من الناحية التخصصية لمكافحة المخدرات.
وأشادت ندى بالعاملين في العلاج الذين يبذلون مجهودات فردية لخدمة البلاد، وقالت إن الأعداد التي تصل إلى مراكز التأهيل كبيرة للغاية، تختلف أعمارهم، تبدأ من (14) سنة إلى (40) سنة، وإن نسبة البنات من ضمن الحالات تحت العلاج في زيادة واضحة، وأغلب الحالات الموجودة في المراكز حالات تعاطي لم تصل مرحلة الإدمان بعد، وإن العنابر مكتظة بالمرضى.
وأضافت أن السودان تنتشر فيه حالات الإدمان لنوعين مختلفين، هما: المخدرات، والعقارات الطبية المستخدمة بطريقة خاطئة. حيث إن هنالك أدوية معالجة يتم تعاطيها من قبل الشباب مثل (الترامادول) والتعود عليها، والوصول إلى مرحلة الإدمان. وإن هنالك المخدرات مثل: (الكريستال ميس)، و(الهيروين)، و(البنقو) و(الكوكايين)، وإن نسبة الانتشار عالية في النوعين.
وعزت الدكتورة الانتشار الواسع للمخدرات وسط الشباب لسببين رئيسيين، هما: الحراك الثوري، والفقد الكبير لأرواح أصدقائهم، وجائحة كورونا.
وأضافت أن أهم سبب للانتشار هو عبور كميات هائلة من المخدرات الحدود السودانية، وطالبت بضرورة تشديد الرقابة على كل الواردات براً وجواً وبحراً، وناشدت الجهات المختصة بتأمين البلاد، وطالبت وزارة الصحة بالمراقبة الدوائية المشددة على الأدوية التي تؤدي للإدمان. كما خصت بالمناشدة زملاءها في المهنة بتفعيل التوعية عبر الندوات والحلقات التلفزيونية، والتوعية عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
الديمقراطي
المخدرات دي قدر ما فتشتها عشان اجربا ما لقيتا فقط بنقو في كل مكان لكن رائخة البنقو العفنة ما بتنفع معاي.
شكلهم قايلني بوليس بكرة بخلق شنبي واجرب. ان متأكد المخدرات دي منتشرة لانو قابلت المدمنين حايمين كتار زي الجراد زمان.