هجرة المزراعين والرعاة إلى مناطق التعدين.. ليس كل ما يلمع ذهباً

الخرطوم – محمد عبد الباقي
لم يكن أحد يفكر مطلقاً أن يشهد الفضاء الواقع شرق قرية الصباغ الواقعة وسط البطانة التابعة بولاية القضارف تغييرات جذرية خلال ستة أشهر فقط من بداية ظهور التعدين الأهلي فيها. المنطقة التي كانت فلاة يفد إليها الرعاة من كل حدب تحولت إلى سوق جماهيرى يتجاوز عدد العاملين فيه ثلاثة آلاف مواطن، ويزوره خلال الأسبوع أكثر من عشرة آلاف معدن أهلي يعملون في نحو ثلاثة عشر موقعاً للتعدين، جميعها تقع في نطاق دائرة محلية البطانة. تبعاً لتلك التغيرات نهضت أسواق عديدة بالمنطقة أبرزها سوق الخياري الذي صار معلماً مهماً يضم نحو أربعة آلاف عامل في شتى المجالات ويدر أموالاً معتبرة في خزينة المحلية التي تحولت لأغنى محليات ولاية القضارف رغم حداثة سنواتها التي لا تتجاوز العشر سنوات.
سوق الصدفة
ازدياد عدد مناجم الذهب بالمنطقة تبعه ازدياد مضطرد في أعداد المعدنين الذين وجدوا تشجيع كبير من السكان المحليين الذين شرعوا لهم قانوناً أهلياً تعارفوا عليه محلياً يمنح صاحب الأرض التي يوجد بها منجم نصف الذهب المستخرج منه والنصف الآخر يتقاسمه المستثمر للمنجم وبقية العمال الذين أصبحت أعدادهم تتضاعف كلما أشرقت شمس يوم جديد، مما جعل الحاجة ملحة لقيام سوق يتوفر فيه الأكل والشراب والملبس، وبقية متطلبات الحياة اليومية لأولئك العمال الذين يعملون في عدة مناجم، كما سلف الذكر، مثل منج البرص وأم قدرة والرمام والسليم والبريسي والدهمانية، ولهذا نشأ بالصدفة المحضة سوق الخياري الذي لم تلتفت إليه السلطات الرسمية في بدايته، فأنشأه العمال دون ضوابط أو تخطيط معين يراعي السلامة العامة وإصحاح البيئة، وبعد أكثر من عامين كان لزاماً على السلطات بمحلية البطانة الالتفات إليه – على حد وصف أحمد عثمان – فقامت السلطات بحملة قوية لإزالة المظاهر السالبة به وعملت على تخطيطه مجدداً بوضع كل أصحاب عمل معين في منطقة مناسبة، فتم الفصل بين الصاغة والمطاعم والمتاجر الأخرى وأحواض الغسيل وطواحين الحجر. ويشير أحمد عثمان إلى أن هذه الخطة رفعت أسعار الأرض والمحلات التجارية وفقاً لزيادة الطلب عليها من قبل السكان والمعدنين القادمين من ولايات أخرى.
تحولات اجتماعية
تميزت منطقة البطانة عامة بالرعي والزراعة، ولم يكن لسكانها نشاط آخر مطلقاً، لكن بظهور التعدين فيها حدثت بها تحولات مجتمعية هائلة – على حد وصف أحمد عثمان – فترك الكثير من الرعاة مهنتهم الأولى وكذلك المزارعون، وانخرطوا جميعاً في مهن جديدة لم تكن رائجة قبل التعدين على رأسها التعدين نفسه بجانب التجارة في المواد التموينية وأغراض التعدين الأخرى كشراء الذهب وبيع الزئبق وأدوات الحدادة وغيرها من الأشياء التي يحتاجها المعدنون. ويصف أحمد عثمان ذهاب سكان المنطقة نحو هذا الاتجاه بالتحول النهائي في حياتهم السابقة، خاصة بعد ظهور مناجم عديدة في مشاريع زراعية أو في مناطق رعي كانت معروفة في السابق، لم يمتد تأثير الذهب إلى الرعاة والمزارعين فحسب، بل شمل التعليم أيضاً، فغادر مئات الطلاب مقاعد الدرس واتجهوا للتعدين، مما جعل الكثير من المدارس أصبحت تعمل بنصف طاقتها الكلية. وهذا ما يؤثر على المنطقة بأكملها في المستقبل القريب إذا لم يتم تداركه – على حد وصفه – بوضع تشريعات تمنع عمل التلاميذ في التعدين.
مشاركة في: Post on Facebook Facebo
اليوم التالي