مقالات وآراء

تداعيات الحرب

نهى محمد الأمين أحمد 

معادن الناس تظهر في أوقات الشدة ، هذه حكمة قديمة ومتداولة ، وبالتأكيد حقيقية لأبعد حد ، ففي أوقات اللين ، بإمكان الجميع أن يكونوا طيبين ولطفاء ، فذلك لا يتطلب مجهودا كبيرا ، ولكن تظهر الفروقات بين البشر عند المصائب والشدائد ، وكم من علاقات لنا استمرت طويلا ، وكنا نحسبها تدوم إلى الأبد ، ثم استجدت علينا ظروف وأدار الزمان وجهه ، لنكتشف أننا إنما كنا نحرث في البحر ، والثقة التي أوليناها للبعض كانت في غير محلها ، وربما انتبهنا بعد فوات الأوان أننا أفنينا عمرا في عطاء من طرف واحد وأخذ من طرف واحد أيضا ، العلاقات الحقيقية هي التي تصمد عند الشدائد ، ولا يساوم عليها في الأوقات الحالكة.
حرب رمضان في السودان هي مصاب جلل وكارثة حقيقية طالت بلدا بكلياته وشعبا بأجمعه ، وها هي كل يوم تخلف أرتالا من الدمار الذي طال كل شئ وقضى على الأخضر واليابس ، تضرر الناس فقدوا الأرواح والممتلكات ، فقدوا السلام والأمان ، وكان لزاما عليهم الفرار والهروب من سيل الرصاص ، المقذوفات والدانات التي تنسف ما تجده في طريقها دون رحمة ، وفي هذا الوقت العصيب وهذا المصاب الأليم ، ظهرت معادن الناس والفاجعة سلطت الضوء على الصورة الحقيقية ، فكم من بيوت في أرياف العاصمة وحضرها كانت تستقبل طوال العام ولا تخلو إطلاقا من وفود القادمين للخرطوم لأغراض عديدة ، كالعلاج ، الدراسة ، التجارة ، الواجبات الاجتماعية ومحطة يتم الانطلاق منها لخارج البلد ، عندما جاءت الحرب وأصبحت المسيرة عكسية نحو الولايات ، تفاجأ الكثيرون بأن أولئك الذين فتحت لهم البيوت ، لم يردوا الدين ولم يحفظوا الجميل ، ووسائل التواصل الاجتماعي مليئة بالشكاوي ممن خذلوا في أقاربهم عند الحوجة ، بين من أوصد بابه صراحة وبين من تقبل استضافة الوافدين على مضض ، وفي جانب آخر مختلف ومشرق ، فتح الكثيرون أبوابهم وقلوبهم لأناس لم يعرفوهم من قبل ، قاسموهم اللقمة واللحاف في تجرد رائع وتمثيل عظيم للآية الكريمة: (يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة) ،
وألقت تداعيات الحرب بظلالها على الحياة اليومية وسيطرت بقوة على تفاصيلها ، وكافة المشاكل تدور في هذا الفلك ،
فهناك من يتعرضون يوميا لمخاطر الدانات والرصاص ، وليس لديهم من النقود ما يمكنهم من مغادرة منازلهم ، وهناك من ليس لديهم أهل أو معارف يستضيفونهم بالولايات الآمنة .
وهناك من عانوا من التواجد في بيوت آخرين ، فهم لم يجدوا الترحيب المتوقع حتى من أقرب الأقربين ، وهناك الكثيرون ممن تمت سرقة مقتنياتهم وإلحاق الضرر ببيوتهم وممتلكاتهم ، وترهقهم حاليا الهواجس ، وكيف سيكون وضعهم وهم صفر اليدين ، حتى ولو انتهت الحرب،،
من زاوية أخرى امتلأت المجموعات الإسفيرية ، بالانتقاد المتبادل بين سكان العاصمة والولايات ، فبينما يرى العاصميون أن الحياة في الولايات بدائية ، وأنهم يضيعون وقتهم وجهدهم في الاهتمام بقضايا ثانوية ، ولا يلاحقون الإيقاع المتسارع للحياة ، يرى سكان الولايات ، أن العاصميين، مترفعون ، ولهم أحيانا نظرة استعلائية للولايات وساكنيها ، ولكن في نفس الوقت أتاحت هذه الهجرة القسرية الفرصة لتبادل المعارف ، وانخراط الفئتين في نمط جديد للحياة تتناغم فيه مزايا الفئتين بالتواصل اليومي،،،
ندعو الله سبحانه وتعالى أن يعم السلام ربوع بلادنا وأن تنتهي الحرب على خير لأبناء هذا الوطن جميعهم ، وأن نعمل يدا بيد لبناء وطن نتشرف به ويتشرف بنا بين الشعوب،،،

تعليق واحد

  1. وانخراط الفئتين في نمط جديد للحياة تتناغم فيه مزايا الفئتين بالتواصل اليومي،،،
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    استاذة نهى يبدو إنها نهاية المعركة او (فتروا خلاص ) ويطلعوا ببيان
    (إعلان السلطات إحباط محاولة للاستيلاء على السلطة)
    وإحتفالات والعساكر يكوركو ويكبرو , وينتهي العزاء بالواتساب

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..