أخبار السودان

إحياء التعاونيات.. هل سيكون طوق نجاة

الارتفاع الجنوني في اسعار السلع والخدمات احد مظاهر المشكلة الاقتصادية التي أقضت مضاجع الساسة والمواطنين في السودان وتعددت الفتاوى في مناهح حلها دون أن تظهر ثمارها على الحياة العامة حتى اللحظة، ومن أبرز تلك الحلول  العودة للجمعيات التعاونية التي صارت الآن سياسة متخذة من قبل الحكومة الانتقالية والتي كانت موجودة في فترة من تاريخ السودان القريب  فماذا اعدت لها وكيف كانت تجربتها في السودان وهل ستحقق اهدافها؟

تقول الخبيرة في مجال التعاونيات استاذة مها محجوب ان التعاونيات نظام شعبي طوعي يعمل على تجميع وتحريك الطاقات والموارد المحدودة للمجتمعات لخلق كيانات فاعلة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية تستطيع توفير السلع وتقديم الخدمات فيمكن للتعاونيات أن تعمل مطاحن كبيرة للغلال ومصانع للزيوت وللنسيج اضافة للصناعات التحويلية والتعاون لا يهدف للربح بقدر ما يهدف لخدمة المواطن.

وتضيف الأستاذة مها أن الجمعيات التعاونية تقوم على مبادئ أهمها أن باب العضوية مفتوح  والمساهمة متساوية للعضوية في تكوين رأس المال،  والإدارة فيها ذاتية وديمقراطية اي ان السلطة العليا هي سلطة الاعضاء المساهمين في الجمعية التعاونية على قدم المساواة فيما بينهم ولهم حق قيادة جمعيتهم وتقرير مصيرها دون اي سلطة خارجية تفرض عليهم كيفية ادارتها.وتعتبر هذه المبادئ بمثابة دستور للحركة التعاونية في العالم.

وتؤكد الأستاذة مها أن النشاط التعاوني له دور فعال في تنمية المجتمع فهو اداة من ادوات التأثير والتغيير الاجتماعي لانه يعمل علي تغيير نوعية الحياة لدى المواطنين فهو يتميز بأنه لا يتحرك بدافع الربح مثل المشروع الخاص او بأوامر فوقية من السلطات مثل المشروع الحكومي لكن النشاط التعاوني يتحرك بدافع اشباع الاحتياجات (حاجة المستهلك للسلعة او الخدمة ) إذ يحرك الجمهور للتصرف بإيجابية لحل مشكلاتهم بانفسهم  فهو تنمية الانسان بالانسان للانسان، ويمكن تكوين جمعيات تعاونية خدمية في مجالات مختلفة لم يخضها التعاون التقليدي مثل البيئة والسياحة وغير ذلك من الخدمات التي من شأنها فتح فرص عمل للشباب و الحد من مشكلة البطالة كما تساعد على رفع مستوى دخل الفرد من خلال النشاط الانتاجي والحرفي والزراعي.

وعن تجارب التعاونيات سابقا في السودان تروي مها أنه في عهد الرئيس النميري زاد عدد الجمعيات التعاونية بصورة واضحة جدا والحكومة في ذلك الوقت استعملتها لحل مشاكل الندرة في بعض السلع مثل سلعة السكر، وفي بداية الثمانينات ايضا تم اعلان التعاون كوزارة مستقلة،
وبعد انقلاب 1989 حدثت هجمة شرسة من نظام عمر البشير

وبعد انقلاب 1989 حدثت هجمة شرسة من نظام عمر البشير البائد على التعاون وإجيز قانون لا مركزية الحركة التعاونية فصدرت قوانين للتعاون في عدد من الولايات غير متسقة مع القانون الاتحادي للتعاون وحاولت افراغ التعاون من أهدافه.

وتوضح مها ان هذا التباين في تعامل الحكومات مع قضية التعاون بسبب ان هنالك دول تعمل على حماية السواد الاعظم من الشعب وبالتالي لا خلاف لها مع الحركة التعاونية  فتحتضن الحركة التعاونية وتقدم لها الدعم وهذه الدول تعتبر النشاط التعاوني نشاط مساعد ومكمل ومتماشي مع الخطة الاقتصادية والسياسية للدولة بل هو جزء لايتجزء من تلك الخطة. ولكن هناك دول يستولى فيها على وسائل الانتاج طبقة من الافراد ويتحكمون في دفة الحكم وهذه الطبقة لاتتماشى مصالحها مع مصالح السواد الاعظم من الشعب .لانها تسيطر على الانتاج وتحرم المنتجين الحقيقيين ،فهي التي تمتلك وسائل الانتاج وتضع القوانين والنظم وتحدد علاقات الانتاج بصورة كفيلة بأن تضمن لها الاستيلاء على مجهودات المنتجين الحقيقيين .ولما كانت الجمعيات التعاونية تأتي لتلغي ذلك الاستغلال ،فمما لاشك فيه انها لن تجد ترحيبا في مثل هذه الدول للتعارض الواضح في المصالح والاهداف.

التعاون الأن سياسية متخذة من قبل الحكومة لمعالجة احد جوانب الازمة الاقتصادية وهو الغلاء فماذا اعدت له وكيف تسير العملية التعاونية بعد غياب؟

يجيبنا هنا الأستاذ عبد المجيد محمد أحمد مدير قطاع الاقتصاد بوزارة الصناعةو التجارة ولاية الخرطوم ومسجل التعاون المكلف
ابتدر الأستاذ حديثه عن اضمحلال الحركة التعاونية قائلا: النظام البائد بقصد كان متوجها لتجريف العمل التعاوني بالكامل في الدولة، فمنذ بداية العهد البائد الى سقوطه كان النظام التعاوني مستهدف ولم يؤدي دوره الريادي في الاقتصاد الكلي والمحلي والأن الدولة بتوجهها في دعم المواطن وتوجيه الطاقات الشبابية نحو الانتاج سعت لإحياء القطاعات الحيوية التي يمكن أن يجتمع حولها الناس في جماعات اقتصادية تستطيع أن تكون نواة لشكل الكيانات الاقتصادية المتكاملة.

فالتعاون أحد القطاعات التي تتوجه الدولة الأن لإحيائها بغرض التشبيك بين المنتجين والمستهلكين وتجميع طاقات الشباب للعمل الانتاجي، وعندما نجد أن الدولة بكامل طاقاتها وإمكانياتها متوجهة لإحياء التعاون وخلق فرص عمل للشباب عبر تعاونيات زراعية انتاجية وحرفية تتوسع رغبتهم في عمل جمعياتهم التعاونية، كما ان الجمعيات التعاونية متعددة الأنواع فهناك استهلاكية وانتاجية زراعية وتعاونية للحرفيين وتعاونية إئتمان.
إدارة التعاون قامت بتوزيع فرق على المحليات والأحياء للتوعية بالعمل التعاوني وإجراءات التسجيل والجمعيات العمومية حتى عمليات المراجعة للعمليات التعاونية.

” الأن هنالك إقبال كبير جدا على تسجيل الجمعيات التعاونية ففتحنا منافذ في كل المحليات بالخرطوم وعيينا في كل محلية موظف من التعاون مهمته الأساسية هي جمع الملفات لتأسيس جمعية تعاونية لتجنب المواطن عبء الحركة من مناطق بعيدة، وقد اكتملت إجراءات عدد من الجمعيات الاستهلاكية وبدات تقديم خدماتها للأعضاء “.

وفي احد أحياء ضاحية الحاج يوسف بولاية الخرطوم قالت عائشة أحمد لسوداناو بعد ان استلمت احتياجاتها من التعاونية” شيء لا يصدق، كل سلعة بحوالي نصف سعرها في السوق فمثلا جوال السكر زنة 10 كيلو يباع ب 800جتيه بينما في دكاكين الحي ب 1500 جركانة الزيت سعة 4 وربع لتر ب 920 مقابل 1600 في الدكان، كيلو الارز 135 وفي الدكان 300، كيلو العدس 210 وفي الدكان 360 وهكذا في بقية السلع بل ان رطل الشاي بلغ في السوق 600 جنيه مما دفع بعض الاسر لترك تناول الشاي والان يباع في التعاونية ب225 فقط.

وتضيف عائشة مزية اخرى للتعاونية انها وفرت كل المواد التي لا غنى للاسرة عنها مثل دقيق القمح والذرة خاصة مع ازمة الخبز المزمنة.
والسبب في هذا الفارق الايجابي الذي تحدثه التعاونيات على الحياة الاقتصادية يرده بروفيسور حسن بشير أستاذ الاقتصاد ومدير جامعة البحر الأحمر ،لربط التعاونية بمشروع سلعتي الذي اطلقته الحكومة وهو شركة شراكة بين وزارة التجارة والصناعة ووزارة المالية تعنى بتوفير السلع للمواطنين بتكاليف أقل منعا للمضاربات، والتعاونيات هي منفذ هذه الشركة للتعامل مع المواطنين ويعتبر سوق للمنتجين بأن تصل السلع مباشرة من المنتج الى المستهلك دون وسطاء ويشمل السلع الضرورية وهو تجربة موجودة في كل العالم وتساعد في حل مشكلة غلاء المعيشة بالتحديد فيما يتعلق بالسلع الاستهلاكية و توفرها لشريحة معتبرة من الناس خاصة اصحاب الدخل المحدود. اما حل المشكلة الاقتصادية برمتها هو مسألة تعنى بالسياسات الاقتصادية الكلية بالنسبة للدولة ودور الدولة في النشاط الاقتصادي بشكل عام.

على ان هنالك بعض العقبات التي تبطئ من وتيرة تكوين الجمعيات التعاونية. يقول محمد مبارك من إحدى اللجان المساعدة في تكوين الجمعيات بمنطقة البراري بالخرطوم : ” اجراءات معقدة تواجه اللجان وتاخذ كثير من وقتهم ومشكلة الاسهم أنها حددت سابقا بقيمة معينة وحاليا أصبحت لا تناسب الوضع الإ برفع سعر السهم، الأمر الذي يتطلب أن يجاز من جمعية عمومية إضافة الى أن احد شروط قيام الجمعية هي المقر  ولا اعتقد أن كل الاحياء لديها قدرة على هذا الشيء.

غير ان المنافع الكبيرة التي تحققت للمواطنين من قيام التعاونيات مثلما شهدت عليها الست عائشة اعلاه كفيلة بدفع المواطنين لتذليل هذه العقبات.

تعليق واحد

  1. التعاونيات ليست الحل. الحل هو كما عندنا هنا في هولندا السلع كلها متوفرة في كل مكان سوق حر بضوابط لا تقبل الفساد. ومشكلة السودان أيضاً الكل من دول الجوار يستطيع ان يصبح سوداني الحدود مفتوحة ليل نهار فالعدد الحقيقي للسكان داءما اكبر من كمية السلع التي توفرها الحكومة فالحل الأنسب هو ادخال نظام تسجيل لكل مواطن سوداني حيثما وجد في كل قرية و مدينة وحتي من ولد اليوم يسجل . تسجل الولادة في الستشفي والتسجيل في الكمبيوتر . فهي مساءلة امن و حل جزري لمعالجة شح السلع. فمعرفة الحكومة للعدد الحقيقي للسكان تستطيع وضع الخطط المبنية علي حقايق و ارقام و هذا هو انجع الحلول.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..