حراس الأعباء الاجتماعية المنهكة

بسم الله الرحمن الرحيم

عاملان هما مصدر كثير من الاجتماعيات.عامل ديني ..مثل الأجر في اتباع الجنازة وعيادة المريض ..إضافة إلى قيم التآذر..وبعد ينشأ من حاجة المجتمعات الصغيرة عامة والقبلية خاصة إلى تكاتف المجموعة لتحمل تبعات بعض المناسبات التي تجمع الناس مثل الزواج والوفيات وما إلى ذلك.. بيد ان كثيراً من بعض هذه الاجتماعيات ..قد فقدت مبررات وجودها..أو ضعفت على الأقل..لكن هنالك إصرار غريب على مواصلتها بنفس شكلها..بل وفقدت مراميها ..فقد تحول البحث عن الأجر عند الله تعالى من عيادة المريض واتباع الجنازة مثلاً ..دون الحديث عن جدل المشروعية الدينية في إقامة مراسم العزاء..إلى واجب لا يغفر للمتاخر فيه ..ويواجه بالعتاب واللوم الشديد الممزوج بالاستياء إلى درجة اثارة الخلاف والمقاطعة ..فتحول الغرض من طلب الثواب إلى خوف اللوم.. فضاع الأجر المطلوب وبيت التعامل بالمثل..وصار الناس يتجمعون بالعشرات مثلاً أما المستشفيات وباحاتها ..في انتظار مريض حتى ولو كانت الزيارة ممنوعة.. وهذا تطور مؤسف لواجب انتظار المريض المتأخرة حالته في الريف للقيام بواجبات ما بعد الوفاة في مجتمع صغير..إلا أن انتقال الأمر إلى المدن..أصبح يشكل عبئاً كبيراً يجتهد الناس في القيام به خوف الملامة..فتجد أسراً بكاملها يفترشون الأرضيات والأرصفة في زحام يضر بالمستشفيات..أو بحالات مزرية في شوارع المستشفيات الخاصة..دون السؤال عما يفيد المريض من هذا..والوجود بالمقابر كذلك منشغلين بامور اخري ..فالذين يقومون بالدفن عدد محدود.
لقد كان بعض الرجال وكثير من النساء المسنات حراساً لهذه العادات باعتبارها أصولاً..وانتقلت الحراسة إلى متوسطي التعليم من الرجال والنساء غير العاملات خاصة من الجيل الثاني..وأول اساليب الحراسة..هو وضع الأشخاص أمام اتهام هم أنفسهم يمكنهم أن يقسموا بأنه غير صحيح..وهو عدم الاهتمام والاكتراث للمصيبة..ثم الختام بفرية أن اللائم هو المحب للملوم..وزاد تطور وسائل الاتصال الأمر تعقيداً ..علاوة على توسع المدن خاصة العاصمة..ثم تركز الخدمات العلاجية بالعاصمة القومية ..ما صار يكلف الناس رهقاً..
ولقد زاد الامر تعقيداً ..تسييس هذه الاشكال الاجتماعية خاصة التعازي..ففي ظل المعروف عن الزعيم الراحل الأزهري بالمشاركة الواسعة..فقد أصبح الولاة والوزراء والمعتمدون مأمورين عند تعيينهم بالاهتمام بذلك..حتى أن أحد أقربائي واجه معتمدا بسؤال ساخر..أمعتمد أنت أم حانوتي !!؟ أما مشاركات الرئيس فمعروفة..إلى درجة أن وضع مقام الرئاسة أمام اللوم الاجتماعي..كما ورد في تسجيل صوتي لعميد أسرة كبيرة بالجزيرة توفى ابنه الوزير الولائي المنتمي لحزب النظام ..فقال في التأبين مستنكراً ( لماذا لم يحضر الرئيس لعزائنا ؟)..في واقعة بالقطع تثير ضحك وسخرية غير السودانيين..
ومن طرائف أخرى مرتبطة بذلك ..أن زميل عمل من قرية في قرى العرب في حلفا الجديدة وضع كل مدخراته في قطيع صغير من الضأن..وعندما جاءت مناسبة زواجه ..فإذا بابن عمه يستلف من عادات وفرة القطعان وكبرها..يذبح من قطيعه دون علمه لكل مجموعة جديدة ليقدم الكبد والمرارة..لاثبات الكرم ..وعند عودته من شهر العسل ..كان قطيعه قد قضي عليه..
لا أحد يدعو لترك الاجتماعيات..ولكن ترشيدها والتفكير في موائمتها للظروف الاقتصادية والاجتماعية أمر أصبح ملحاً.
[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..