باعوا الشهادة.!

?وقالت إن وزارتها لن تتهاون في حالات التلاعب بالامتحانات من أية جهة كانت?.. هذه التصريحات التي تبدو حديثة ومواكبة لمجريات الأحداث، هي قبل عام من الآن، بل في مثل هذه الأيام من العام الماضي.

هل تذكرون حينما قامت الدنيا في الأردن في مثل هذه الأيام، فيما اكتفت وزارة التربية والتعليم ببيان.. أصل الحكاية أن تسريباً طال امتحانات الشهادة السودانية للعام 2016م ووصل أيدي طالب أردني ومن ثم تسرب الأمر وعم القرى والحضر.. السلطات إعتقلت طلاباً أردنيين، جدل هنا وجدل هناك، ثم أُغلق الملف يبدو للأسباب التي جرت عليها العادة وهي ?عدم كفاية الأدلة?.

الطلاب وأسرهم التي سهرت الليالي طيلة العام واستقطعت من وجبتها لتتحمل تكلفة حصص التركيز، كُتب عليها أن تعيد جهدها وتتحمل فاتورة جديدة لأن امتحان مادة الكيمياء سوف يُعاد بعد ثبوت تسريبه.

شهادتنا السودانية ظلت محافظة على سمعة نظيفة لسنوات طويلة رغم إن كل شيء تبدل، وكما علق أحدهم: ?إنضرب آخر معاقل فخرنا?.

كثيرون يقولون أن التسريب لم يعد بالأمر الغريب، فقد طالت الشهادة خلال السنوات الماضية بعض الحالات، لكن اللافت أن التسريب هذه المرة لم يقتصر على مجموعات سرية محددة ?تُحظى? بكشف الامتحان، الأمر متاح للجميع إلا من أبى، والمؤسف والذي سوف يصعب التحقق والتحقيق فيه أن الحديث المتداول بين الطلاب والأسر يتجاوز تسريب مادة واحدة.

تسريب مادة واحدة، يفتح الباب أمام السؤال، (وما الذي يمنع تسرب الأخريات؟).. وهو سؤال أكثر من منطقي، ما الذي يضمن أن بقية المواد لم يطالها التسريب؟، أياً كان فتسريب مادة واحدة يضرب مصداقية الشهادة السودانية.

الموجع أكثر، هذا المشهد الفوضوي الذي صاحب العملية، تُنشر المادة قبل الجلسة بساعات في وسائل التواصل الاجتماعي، ثم تُوزع على أوسع نطاق، كأنه عمل طوعي يُراد به الخير.

هذا المشهد الذي صاحب كل الجلسات والتي صاب بعضها وخاب الآخر، يُصوّر بجدارة حالة الفوضى المملوءة بالتحدي مع غياب الرقابة والمحاسبة والثقة الزائدة في أن لا عقاب سيطال الجناة.

صحيح أن لجنة تشكلت للتحقق فيما حدث، وصحيح أنها أدت القسم حسب ما هو منشور من صور.. لكن هل حوسب الذين من قبلهم؟ لا، لم يحدث، وأكاد أجزم إن وزعنا استبياناً على المواطنين سوف تخلص نتائجه إلى نتائج اللجان التي سبقت هذه اللجنة.. صدقوني، لم يترك الفساد مثقال ذرة من الثقة.
التيار