مقالات سياسية

تسرب برعاية الحكومة

في العام 2014 صدر تقرير لمنظمة اليونسيف قالت فيه إن هناك 3 ملايين طفل سوداني خارج أسوار المدارس (مرحلتي الأساس والثانوي)- أي أن أعمارهم تتراوح بين 6 سنوات و16 سنة- طبعاً- الأسباب معروفة لدى الجميع، وتنحصر في الفقر، وبيئة المدارس، وأسلوب التدريس، ونوعية المناهج، وتهميش المعلمين المحبطين- دائماً- منذ ذلك الوقت حتى الآن ونحن متابعون عن كثب لأحوال التعليم والمدارس خاصة الحكومية منها ليس هناك تغيير حدث، بل هناك المزيد من التردي نتيجة الظروف التي يعيشها السودان، وتجاهل الحكومة لقطاع التعليم، وعليه فليس هناك دليل واحد يؤكد تحسن الأوضاع، ويكفي أن خصصت الحكومة للتعليم والصحة معاً ميزانية قدرها 5 مليارات جنيه للعام 2017، وعليه كيف ينقص عدد المتسربين من المدارس إذا كانت الحكومة لا توقف أسبابه؟.

في الاجتماع التنسيقي لمديري تعليم الكبار بالولايات كشف الأمين العام للمجلس القومي لمحو الأمية وتعليم الكبار وجود 2.4 مليون طفل خارج المدرسة، وزير الدولة بالتربية والتعليم عبد الحفيظ الصادق قال (نسعى) لسن قوانين تلزم بالتعليم لكل الأطفال، و(شدد) على قيام دراسة لأسباب تسرب الأطفال من المدارس؛ لمعالجتها، وإعادة دمجهم في التعليم، والاهتمام بالإحصائيات؛ باعتبارها تساعد في الوقوف على حقيقية الأوضاع، الأمين العام للمجلس القومي لتعليم الكبار قال: إن مشروع علِّم طفلاً نجح في ضم 500 ألف إلى التعليم من جملة 600، بعد 28 سنة هذا ما زالت الحكومة تفكر في خطوة تجازوها السودان منذ عهد الإنجليز.

أولاً نشك في حقيقية تلك الأرقام- وإن كانت حقيقية لشعرنا بها- فالآن السودان كله يشكو من ترك الأطفال مدارسهم، وانضمامهم إلى الشارع، ولا أعتقد إن الأمر يحتاج إلى إحصائيات؛ فالشوارع والأسواق مكتظة بالأطفال في عمر الأساس والثانوي بل والروضة- أيضاً- هرباً من مدارس توفر لهم كل المقومات اللازمة؛ ليكرهونها، والحكومة لا تسمع ولا ترى إلا ما تريد، تتكلم عن حقائق وأرقام غير موجودة، وكيف تكون موجودة وهي ليس لديها سياسات ولا أهداف ولا رؤى؟!، بل وصلت مرحلة من العجز أن أصبحت تعالج تسرب الأطفال بمشاريع ما هي إلا طريق للفساد، كيف يكون هناك مشروع تتبناه الدولة اسمه علِّم طفلاً، هذا برنامج تقوم به منظمات، وجمعيات خيرية، ومبادرات أهلية، لكن أن تقوم به الحكومة- نفسها- فهذا ما يدلّ على خيبتها وخزيها.

بسبب إهمال الحكومة للتعليم العام- عموماً- غذت المجتمع بشباب جاهل، وضعيف فكرياً، عرضة إلى الاستغلال، والتطرف، والإجرام، والظواهر السالبة، وأعتقد أن سجونها التي تعج بالشباب دون سن الثلاثين خير دليل، هذا- طبعاً- غير العدد الذي تؤهل فيه كل يوم ليقع في نفس المصيبة، بعضهم أطفال على أعتاب سن الشباب.

تسرب الأطفال من المدارس لا يعالج بسياسة (قدر ظروفك)، ولا من خلال وجه وشدد وشكا الوزير فلان، ولا من خلال (الطبطبة) على الجراح والمسكنات، المشكلة لا تعالجها إلا سياسية واضحة تخصص لها ميزانية مقدرة، توجه مباشرة إلى التعليم العام؛ لتعالج قضاياه- بصورة كلية، وفي وقت واحد- أما ما تقوم به الحكومة اليوم لا يثبت سوى أنها ضد التعليم، تهيئ للشباب البيئة المثالية للإجرام، والتطرف، والإلحاد، وفي النهاية تقرّ بوجود اختراق للشباب، وجهات تجرهم إلى الاستلاب، ومسخ الهوية، والتحلل من ثوابت الدين، وفي الحقيقية هي الجهة الوحيدة التي تفعل ذلك.

أسماء محمد جمعة
التيار

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..