في غرب بارا يسير الزراعيون عكس التوجه!

تتحدث الدولة الآن عن زيادة الإنتاج والإنتاجية؛ خاصة في مجال الزراعة والثروة الحيوانية، باعتبارهما أهم المصادر التي يتميز بها السودان، من أجل تجاوز الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تجتاح البلاد حالياً، وفي محاولة لتوفير الغذاء اللازم وكبح جماح الغلاء وللسيطرة على أسعار العملات الصعبة التي بلغت حداً غير مسبوق! وعلى الرغم من ذلك كله، يتقاعس الزراعيون في محلية غرب بارا، بولاية شمال كردفان، عن القيام بالخدمة الفنية المطلوبة والمتوقعة منهم؛ للنهوض بالزراعة في هذه المحلية التي يمكن لها أن تتحول إلى منطقة إنتاج زراعي وحيواني عالي الجودة، تكفي لسد حاجة السوق المحلية وتزيد كثيراً، بحيث يمكن تصدير الفائض من الإنتاج. هذه المحلية تشمل منطقة الخيران التي تقع في إدارية دميرة، وهي منطقة غنية بمقومات زراعية لا تتوفر لغيرها من حيث جودة التربة والمياه العذبة الوفيرة والمرعى الطبيعي، والأيدي العاملة ذات الخبرة التراكمية في مجالي الزراعة والثروة الحيوانية. وبحسب التقرير، الذي قدمه الخبير الزراعي البروفسور محمد النصيح، المختص في الإنتاج الزراعي العضوي، الذي زار المنطقة مرتين، خلال العام المنصرم، فإن الخيران، بإدارية دميرة، يمكن أن تنتج كافة أنواع الخضر والفواكه والعلف، بالطريقة العضوية؛ نظراً لما تتمتع به من خصائص زراعية تؤهلها لذلك تماماً. وعلى ضوء هذا التقرير، اتفق بعض أهل المنطقة على القيام بتجارب زراعية رائدة تشمل زراعة منتجات غير تقليدية مثل البطاطس والفاصولية والكزبرة والحلبة والتوم والبرسيم وعلف الكلايتوريا الذي يحقق زيادة إنتاج الألبان ووزن الحيوان؛ لأنه بمثابة علف بقولي، يزرع لأول مرة في هذه المنطقة الواعدة، مع أدخال الحيوان؛ خاصة الضأن والماعز المحسن، في الدورة الزراعية، مسترشدين بالنصيحة الفنية لبعض كبار المختصين في هذا المجال من أمثال البروفسور التاج فضل الله، والبروفسور الصديق من كلية الزراعة بجامعة الخرطوم، والدكتورة نضال من الأبحاث الزراعية بشمبات في الخرطوم بحري، وبتشجيع ومتابعة من كثير من الإخوة المهندسين الزراعيين والبياطرة في بلاد المهجر بالمملكة العربية السعودية، وابن المنطقة المهندس الزراعي بريمة الشريف. وقد قمنا بتوفير مدخلات الإنتاج الضرورية واللازمة من تقاوي وبذور ووقود وأسمدة ومبيدات وغيرها على حسابنا دون اللجوء إلى أي جهة للتمويل! وبشكل عام نستطيع القول بأن التجربة قد أثبتت نجاحاً كبيراً حتى الآن، حسب تقديرات بعض المهتمين بها والمزارعين الذين شاركوا في تطبيقها على أرض الواقع. في الحقيقة، كنا نتوقع من إدارة الزراعة في محلية غرب أن تكون أكثر جهة متحمسة لإنفاذ هذا التوجه والإشراف عليه فنياً، من حيث الإرشاد ومكافحة الآفات، والوقاية النباتية، ومتابعة سير التجربة وتقديم المشورة الفنية للمزارعين الذين يتعاملون لأول مرة مع مثل هذه المنتجات، التي يتوقع لها أن تغير توجه المزارع وتكسبه خبرة جديدة في منطقة الخيران بإدارية دميرة، بحيث تعينه على تحقيق أعلى عائد ممكن من أرضه وتشجعه على الارتباط بها مستقبلاً، حتى لا يموت شبابنا بحثاً عن الذهب وجرياً وراء السراب والثراء السريع في صحاري شمال السودان. شخصياً، وحرصاً مني على نجاح التجربة، وسعياً لتحقيق تنمية زراعية مستدامة في هذه المنطقة، تشمل الإنتاج الزراعي والحيواني، على حد سواء، قابلت الأستاذ مبارك شمو، معتمد محلية غرب بارا، في الأبيض، بحضور النائب الشيخ إسماعيل أبو زيد، وطلبت من سعادة المعتمد تعيين مهندسين زراعيين من ذوي الكفاءة والخبرة للعمل بشكل دائم في إدارية دميرة التي هي في واقع الأمر المنطقة الوحيدة التي توجد بها “سواقي” في المحلية. وقد وافق سعادته مشكوراً على الطلب فوراً وسمى أثنين من خيرة المهندسين العاملين برئاسة المحلية. نحن بدورنا قمنا بتوفير السكن والمقر اللائق لإقامة هؤلاء الإخوة كما اتفقنا مع بعض المزارعين وبعلم العمدة التجاني عمر التجاني بأن يخصص كل صاحب ساقية مساحة زراعية معقولة مع توفير كل ما يلزم؛ حتى يجري هذان المهندسان التجارب، ويكون الإنتاج في تلك المساحة بمثابة حافز تشجيعي لهما، بنفس طيبة. وتواصلنا مع السيد مدير عام وزارة الزراعة في الأبيض، المهندس محمد سليمان الأصم، ووعد بتقديم كل الدعم وتوفير جميع المتطلبات اللوجستية الضرورية؛ لكي يقوم هذان المهندسان بواجبهما ويقدما الخدمة الفنية للمزارعين في الخيران بإدارية دميرة. قام المهندسان بزيارة خاطفة لقرية دميرة وعادا إلى أم كريدم دون أن يغبرا أقدامهما بزيارة مزرعة واحدة، للأسف. وحتى الآن، وبعدما شارفت العروة الشتوية على أن تؤتي ثمارها، لم يقم أي من القائمين على أمر الزراعة في محلية غرب بارا بزيارة إلى المنطقة المذكورة! وبصراحة، تتحدث المجالس وتشير إلى أن أحد مسؤولي الزراعة بمحلية غرب بارا غير متحمس ولا يرغب حتى في القيام بأي تحرك في هذا الصدد، ناهيك عن الإسهام في تحقيق تنمية زراعية مستدامة! وهل نسي هذا المسؤول قول الرسول صلى الله عليه وسلم: “اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به، ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فأشقق عليه”.

[email][email protected][/email]