نظرة سريعة على مسيرةالحركة الإسلامية في السودان

مرت الحركة الإسلامية السودانية( الإخوان المسلمين) عبر طرق لا أصفها بالوعرة ولكن المتتبع لتاريخها يرى أن الظروف المحيطة بها قد ساعدتها كثيرا في الانطلاق إلى الأمام كمَّاً وليس كيفاً . مع هذا كانت الحركة في تغيير مستمر وتحول من حال إلى حال . ولقد استفادت من عشوائية الكيانات السياسية السودانية و سقوط أعظم منافس لها في ساحة الاستقطاب في هوة التاريخ وهو الحزب الشيوعي السوداني . كما أنها نشأت وترعرعت في كنف العهد المايوي بقيادة نخبة من الميكافلية الانتهازية مما أفادها فائدة كبيرة في بناء نفسها ماديا وهيكليا و أصبحت القوى السياسية و الحركية الأقوى. بينما القوى الأخرى المترهلة تعرضت لنكبات وضربات هدت بنيانها الهش أصلا وأضعفت تماسكها الهلامي .هكذا ترعرعت الحركة الإسلامية و توسعت في ظل الدكتاتورية المايوية .و وضح هذا جليا بعد انتفاضة ابريل كانت الجبهة القومية الإسلامية مولودا بأسنانه و الأقوى ماديا والأكثر تنظيما و الاكبر آمالا و طموحا .
طموح الحركة والبيئة المحيطة
رغم خروج قيادات مؤثرة من الحركة وانسلاخ الحركة عن التنظيم العالمي الاخواني كانت في قوة و عنفوان ،مما جعل بعض قياداتها المعروفين بحب السلطة و الزعامة يدفعونها نحو الانقلاب على حكم الشعب وتحطيم آلية التبادل السلمي للسلطة لفرض رؤيتهم في حكم البلاد . كانوا يرون أن الأحزاب فاشلة, وأن النظام الديمقراطي لا ينفع ,وأنهم هم من يملكون الحل لكل مشاكل البلد . لذا استغلوا بعض ضباط الجيش الطامعين في السلطة و بعض المرتزقة للسيطرة على البلاد بالقوة ؛ ولقد منوا الشعب بالتغيير و حل معضلات السودان .وبُعيْد الانقلاب العسكري بدأ أبناء الحركة الإسلامية يتسابقون علي الكراسي و المناصب متخلين عن الحركة لأنهم رأوا فيها عبء ثقيل عليهم ؛وفي نهاية الامر تم حلها و نحروها قربانا لصنم السلطة و الهيمنة . وقاموا بتأسيس وعاء سياسي و أسموه المؤتمر الوطني الذي فتح أبوابه للجميع ؛ولقد ولجت من خلاله العشائرية و القبلية وكذلك وجد فيه الوصوليون والانتهازيون و طلاب الحاجات مسلكاً سهلاً. هكذا ذابـت الحركة الإسلامية في منظومة فشلت في تحقيق آمال الحركة في تربية المجتمع ونشر الفضيلة وإقامة أبسط قيم العدل و المساواة بين أبناء ملة الإسلام . كانت أخطاء و إخفاقات حكومات الإنقاذ والمؤتمر الوطني المتعاقبة تحسب على الحركة الإسلامية ,لان أبرز قياداتها من رجال الدولة . لقد قدموا أنموذجا قبيحا و صورة مشوهة للعالم عن الإسلام السياسي ؛حتى رموز الحركة الإسلامية في العالم غسلوا أيديهم منها وحتى العقلاء منهم في السودان اعترفوا بالجرم الذي ارتكبوه في حق الإسلام .
انقلاب يونيو والحجج
بعد أن سيطروا على دفة الحكم في البلاد قالوا الكثير ليبرروا للانقلاب ؛ من ضمن الحجج الشريعة الإسلامية التي زعموا أنها في خطر محدق . ولقد طرحوا الكثير من الأطروحات في شتى المجالات ولكن بعضها فشل في الحال وبعضها لم يطبق أصلا و بعضها فشل فيما بعد . من تلك المشاريع المشروع الإسلامي الحضاري المزعوم الذي لم يرى النور طيلة الربع القرن من عمر الإنقاذ. يعلم الجميع أن الدولة السودانية الإنقاذية الإسلامية تعاني من أزمة ضمير مزمنة .طفحت بعد استخراج النفط الذي صارت عائداته غنائما و آلية لاستقطاب الزعامات و الحركات المسلحة وتفتيت الأحزاب السياسية وشراء الذمم وضعاف النفوس من قوى المعارضة .هكذا أصبحت قوة المال و السلطان في يد الشيطان . صار النظام السوداني كارثة على الإسلام فهو في حاجة للتطهير والتنظيف الذي بات من المستحيل .
الصراع وما بعد الانفصال
دبَّ الصراع بين الإخوة الأعداء و ظهرت التيارات الساخنة على السطح ؛و بدأ الخروج العلني على دولة الإسلام و على الجماعة (المؤتمر الوطني) مما أدى إلى أرباك الحركة الإسلامية التي كانت خطاً وهمياَ بين خطوط الشهوة الجامحة للسلطة والسلطان . بين هذا وذاك ، اتسعت الهوة بين الحكومة و الشعب الذي ابتلعه وحش الفقر والاقتصاد المتدهور . حدث كل هذا عقب انفصال الجنوب الذي لن ينساه التاريخ ،و استمرار التخبط في السياسات الداخلية والخارجية ، و العجز في إدارة العجز الذي أصاب البلاد اقتصاديا و سياسيا واجتماعيا .
هل حققت ما جاءت بسببه؟
(في البر عوّام) هكذا يقول الناس؛عندما كانوا في البر عابوا على حكومات الديمقراطية كثيرا من الأمور منها العجز في حسم حرب الجنوب و هوية الدولة . ولكن عندما جاءوا للسلطة وانفردوا بها شرعوا في حسم الحرب بالقوة وألبسوها لباس الجهاد و عبئوا الشارع ضد أعداء السلام وقالوا أن السودان وجنوبه جسر للإسلام إلى إفريقيا و لن يتخلوا عنه. الكل يعرف جيدا ان حرب الجنوب كانت نتيجة لأسباب سياسية مسنودة باحتقانات الماضي العرقية و الاجتماعية. هذا النظام الانتهازي صوّرها في عقول الشباب بأنها صراع ديني و أن الجنوب دار حرب . فلبّ شباب الحركة الإسلامية و الاتجاه الإسلامي وغيرهم النداء و تركوا التربية والدعوة و انخرطوا في القتال العقيم الذي انتهى بانفصال ثلث السودان عن طريق صفقة غربية – انقاذية ذات أجندة معلنة وخفية .فأصبح الذين قضوا نحبهم (الشهداء) ضحية لهذا النظام الكهنوتي الذي ألبس كل حيله و ألاعيبه عباءة الاسلام الحنيف . هكذا خلت المساجد و أصبحت فقط للصلاة ومنبرا للتعبئة وتمجيد الحكومة المنقذة و القائد الملهم.وزعموا أن إرشاد وتوجيه المجتمع أصبح من شأن الدولة التي صار فيما بعد مثلا وقدوة سيئة فتعلم الناس منها أكل المال العام و الكذب و الغش والرشوة و الاختلاس والمحسوبية وعدم المحاسبة و التسيب و خيانة الأمانة.
من سفينة الإيمان إلى سفينة الإنقاذ
تركوا أهل الحركة الإسلامية سفينة الإيمان وركبوا سفينة الإنقاذ وأعجبتهم كثرتهم الغثائية ؛ وظنوا أن الليل ولّى وجاء صباحهم .ولكن هيهات لقد جرفت رياح التخبط سفينتهم إلى دياجير الفشل و الضياع . تعرض المجتمع بأكمله لمشاكل سلوكية و ردة في الأخلاق وبدأ جليا فقدانه للقيم الإسلامية السمحة التي كان يتحلى بها ؛ذلك لعدة أسباب متداخلة منها ما تفرزه وسائل الإعلام من بث مباشر و انترنيت وأنشطة التبشير العقدي و المذهبي و الفكري وغيرها.أين جنود الحركة الإسلامية حامية الدين و الأخلاق ؟ لقد صاروا رجال دولة وسياسة وصاروا تجاراً وصاروا وصاروا…….!
في الثمانينات من القرن المنصرم كانت مظاهر التدين و الرجوع إلى الفضيلة تملأ شوارع السودان خاصة الخرطوم ,. كان أهل الدعوة و التربية يقومون بدورهم في توجيه المجتمع وتحصينه من الرزيلة و الأفكار الهدامة . لا أحد ينكر الدور العظيم الذي قامت به الحركة السلفية في توجيه وتوعية المجتمع. ولكن لكل هذا الجماعات أوجه من القصور و أخطاء منها تقليدية الخطاب الديني ونمطية الاسلوب و الاعتماد على الدعم المادي الخارجي. لقد تعرضت جماعة أنصار السنة لهزة في كيانها لانسلاخ بعض إفرادها و انضمامهم للمؤتمر الوطني أو إنشاء جماعة جديدة .حدث هذا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر التي حجّمت الدعم المادي السعودي و الخليجي . رغم ذلك استمر السلفيون و بدءوا في بناء هيكلهم التنظيمي الذي كان غير موجود أصلاً واستفادوا من بعض أخطاء الماضي .
الظهور الخجول
أدرك الانقاذيون أن دولتهم مهما طال الزمان زائلة ويبقى التاريخ شاهداً كما كان شاهداً على مسلسل انتحار الشيوعيين الذين أتوا بمايو .كما أنهم أدركوا أخطاءهم الجسيمة التي وقعوا فيها طيلة الخمسة و العشرون عاما ؛ لذا نادوا بالعودة إلى حركة تجمع صفوفهم بعد أن فشلوا في إقامة حكم رشيد .فهم يدركون تماما أن دولة الظلم لن تدوم مهما مكثت . قال أحد قادة الإسلاميين أن الإنقاذ في السودان فشلت في فقه القبول.كما رآها الكثير من المفكرين الإسلاميين أن تجربة الإسلام السياسي في السودان فاشلة بكل المقاييس .
هل ستنجح ؟
رغم الظهور الخجول لما يسمى بالحركة الإسلامية ، دبّ الخلاف فيها ؛لأنها مولودة خديجة جاءت بعد فترة حمل عان فيها رحم الوطن الضعف والهوان . هل يعود الدعاة و فقهاءها و رجالها إلى المسجد والمجتمع الذي أصبح في الحضيض؟ كلا جميعهم صاروا من ذوي الأموال و الجاه و السلطان و سكنوا البروج العاجية وشغلتهم استثماراتهم في الداخل و الخارج . مازال أمينها الحالي يكرر قوله لأصحابه بأن يعترفوا بأخطاء الماضي و أن يهاجروا إلى الله . و الله لن يهاجروا معك يا زبير! إن المال العام أثقل بطونهم وبلّد إحساسهم وأعمى بصيرتهم . و كذلك لا أظن أن جيل اليوم ، جيل الحرمان، جيل الانترنيت، جيل( الخرشة) ،الجيل الضائع أن يستجيب لدعوات الحركة المنهكة الخجولة التي كانت المسئولة عن تجربة الخمسة والعشرون عاما المريرة التي أساءت للسودان و الإسلام . ماذا ستقدم لهم الحركة العاجزة التي فقدت التجرد و الإخلاص و الرجال ؟ فاقد الشئ لا يعطيه.
أسباب الفشل
فشلت الحركة لعدة أسباب منها :
1. عدم التوازن بين التعاطي السياسي و البناء المادي من جهة و البناء التربوي من جهة أخرى.
2. استعجال النتائج و قطف الثمار .
3. التيارات الفكرية وصراع بين القيادات.
4. تغليب آلية الاستقطاب المادي علي الفكري.
5. التحوّل إلى دولة في بلدا يعج بالمشاكل و كذلك الانفتاح الأعظم أمام النفعية والوصوليين والاستعانة بمكونات المجتمع الأولية من عشيرة وقبيلة في بناء حزب المؤتمر .
6. خروج عدد كبير من شيب وشباب الحركة الإسلامية و فقدان الكثير منهم في محرق حرب الجنوب.

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. شركة للمقال الهام،،،

    الحركة الاسلاموية ليس لها برنامج سياسي واضح ولم تفهم فلسفة التاريخ ولا أدركت أن مفهوم الصراع المادي الجدلي يطغى على القيم الروحية كونها خصيصة انسانية من زمن هابيل وقابيل، كما أنها لم تضع اطراً تحدد حدود الروحي مقابل المادي للعمل به في ضبط المسارات الحياتية للإنسان لذلك لا تعجب بسبب هذا الخلط من تصريحات بعض المسؤولين الداعية الى انجاح المؤسم الزراعي ” بالدعاء” أو مواجهة ارتفاع الاسعار بـ ” التضرع الى الله” وهو لجؤ وإن كان من صحيح الدين مع توفير الالات ومعاملات الانتاج في كل لمحة وعدد ما خلق الله الا انه يفتقد للمصداقية من الاسلامويين في المقام الأول اذ انهم يأخذون في سبيل تحقيق مأربهم الحياتي كل مادي من حب للاندكروزرات والعمارات والبنايات والدولارات وحتى الركشات بينما يريدون من الاخرين أن يحتموا بالروحانيات التي لا علاقة لها بالكنجالات بل لا تحث عليها في أعلى الحالات الروحية لترقي الانسان العادي ،، كما أن استعانتهم بأفراد مثل بلة الغائب وشيخ الامين دلالة على تسخير الروحي الذي لنا فيه رأي ونظر من حيث المصداقية مقابل المادي وعائده دون نظر أو إعتبار للجماهير المنهكة حياتياً بسبب ماديتهم المذهلة،،، وإنه لمن الغريب أن مئات السودانيين الذين تبوأوا مناصب عليا منذ الاستقلال ولا زالوا من غير اهل الحركة الاسلاموية وفيهم الانصار والختمية والشيوعيين والبعثيين وغيرهم من رجالات الادارة الاهلية والخدمة المدنية ماتوا فقراء لايملكون بيوتا تأوي أبناءهم وعليه هؤلاء هم الاقرب الى روح القيمة الاسلامية أكثر من الاسلامويين خاصة المؤتمر الوطني الذي ظهرت فيه مجموعات كبيرة من الشباب الذين ليس لديهم قشة مرة في كافة النواحي والمناحي،،، الشعب السوداني هو الذي سيعيد صياغة الحركة الاسلاموية ومفاهيمها أو ينتهي منها أبداً ان اراد فهي ما جلبت عليه غير الهم والغم بل قتلت قيم هي من صميم الدين مارسها اغلبية السودانيون دون مغالاة أو إدعاء بعلامة صلاة نوع أبو قرش لذلك خرج بعض الافاضل منها لما علموا بأنها كارثة على دينهم،،،،

    لقد كان اسلام حبوباتنا وجدودنا زمان فطرياً دون دراسات في أصول الفقه لذلك كان الخير عميم والمطر تقيل والبهائم شبعانة والعين مليانة والامراض ما هالكانا ومافي زول باع ليهو مستشفى أو ما اشترى جلابية يوم الوقفة،،، فليرجعونا ليوم 30 يونيو 1989 ويخلو دينا لله هو البسألنا منو،،،

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..