المنشورات تجد ترحيبا واسعا من العاملين في هذا القطاع، لكنهم يخشون من حيل (تجار العملة)

الخرطوم ? خالدة ود المدني
في محاولة لمحاصرة تجارة العملة والسيطرة على أسعار العملات الأجنبية مقابل الجنيه السودان، اتخذ بنك السوداني العديد من السياسات الجديدة، وأصدر منشورات في هذا الصدد من بينها ما يخص قطاع الصادرات، ورغم أن هذه الإجراءات الاقتصادية قوبلت باستحسان المصدرين، واعتبروها خطوة في الاتجاه الصحيح، بيد أن مصدرين يطالبون بإجراءات مشددة ورقابة لصيقة حتى لا يلجأ (تجار العملة) إلى صيغ مصرفية أخرى للتحايل على المنشورات الجديدة.
وأصدر البنك المركزي منشورا بحصر كل حصائل الصادر بما فيها صادرات الذهب، عن طريق الجهاز المصرفي، وليس عن طريق السوق الموازي، وترشيد الصرف وتوجيه للسلع الأساسية عن طريق الجهاز المصرفي، وفي ما يتعلق بسلع الصادر قال بدر الدين قرشي نائب محافظ بنك السودان المركزي: ?ستكون هناك أسعار محفزة ومشجعة للمصدرين لضمان دخول عائدات الصادر للقنوات الرسمية والتعامل بها داخل السوق?.
(1)
ولأن الثروة الحيوانية ما تزال هي أكبر صادرات السودان، فقد خصص بنك السودان سياساته النقدية لهذا القطاع، وأضاف منشورا جديدا يتعلق بخصم (25 %) لصالح بنك السودان من جملة عائدات الصادر بالعملات الأجنبية، مع اللجوء إلى استمرار الصيغ المصرفية المتعامل بها والتي تشمل التعاقدات الخارجية المتمثلة في الدفع المقدم، ومنشورا (C.A.D ) و .(D. A.
وفي هذا الصدد، يشير خالد محمد خير، الأمين السابق لشعبة مصدري الماشية إلى أن منشورات بنك السودان الخاصة بقطاع الصادرات بصورة عامة وصادرات الثروة الحيوانية بصورة تحديدا، تحتاج لمزيد من الإجراءات، واعتبر سياسة الدفع المقدم وخصم (25 %) من حصائل الصادر لبنك السودان، وسيلة ممتازة لإخراج تجار العملة، بجانب ضبط ما يسود في السوق الخارجي.
ويرى محمد خير، وهو من كبار المصدرين، أن ضعف مراقبة بنك السودان للبنوك التجارية سابقا، أفرز الكثير من الممارسات السالبة في قطاع الصادر ككل، وبالتالي يعد إجراء الدفع المقدم أفضل وسيلة عالمية للتعامل.
بيد أن خير يشير إلى أن عدم وجود ضوابط ترافق هذه الإجراءات يتسبب في عجز هذه السياسات من تحقيق أهدافها، ويمضي قائلا: ?الآن إصدار منشور يتضمن إجراء خصم (25 %) من الحصائل، سيدفع بكثير من تجار العملة الذين يعملون في بيع مستندات الصادر للمصدرين إلى التوقف عن التعامل في سوق العملات، وبالتالي تعيد الأمور إلى مجراها الطبيعي?.
ويفسر خير هذا التطور، قائلا: ?تجار العملة لا يعملون أصلا في الصادر وإنما يستخدمون الأموال في استخراج استمارة الصادر من أجل الاستفادة من تحويلها إلى عملات أجنبية، وتُستثمر هذه المعاملة المصرفية لأغراض غير متعلقة بالصادر?، ويردف: ?كانت عبارة عن مبالغ داخلة وخارجة في ظل غياب كامل لمراقبة هذه الأموال، ونحن نعلم أن بنك السودان من خلال المنشور رتب المسالة بصورة جيدة، لكنه يحتاج مزيدا من المراقبة للمبالغ التي تدخل في المصارف لإجراء معاملات الصادر، والاستمارات التي يتم إصدارها في الفترة المقبلة، وأن تتم متابعة الحصائل بدقة?.
(2)
أما بالنسبة للمنشور الثاني الخاص بصيغة (C.A.D) الدفع ضد المستندات و(D.A) صيغة الكمبيالة، وحصرها في فترة شهر من استلام المستندات، فإن المُصدّر خالد محمد خير، يرى أن الفترة قصيرة لاستلام المستندات لأن الصادر مرتبط بتعقيدات أخرى في الأسواق الخارجية، كما أن العمل بصيغة (C.A.D) الدفع ضد المستندات ضيع كثير من العائدات على البلاد، ويضيف: ?من المؤسف أن الخطأ ليس في السياسات الكلية لبنك السودان بل نتيجة ممارسات تصدر من قبل الجهات التي تنفذ هذه القرارات، وهو يرتبط بأكثر من جهة منوطة بهدا العمل، وبنك السودان جعل مسؤولية استرداد الحصيلة على البنك الذي يستخرج المستندات، لكن في ظل عدم ضبط المصدرين ومعرفة هويتهم وطالما توجد سجلات تجارية يتم استغلالها من اجل التهرب الضريبي بجانب ارجاع الحصائل، سوف يظل الوضع حرجا?.
ويشير محمد خير إلى أن المصدرين ناشدوا الجهات المختصة وضع ضوابط إضافية لتلافي الإفرازات السلبية، إذ يشتكي المصدرون من إغراق وتكدس في الأسواق الخارجية وخاصة الماشية، ويستطرد: ?حاليا توجد دول تكلفتها أقل من تكلفة إنتاج السودان، لذلك حازت واستولت على الأسواق?.
ويوضح أن الهدف الاساسي من دخول (تجار العملة) لهذه القطاعات (الصادر) هو الحصول على عائد ربح سريع ووسيلة لتعظيم الأموال بصورة غير شرعية، مشددا على ضرورة مشاركة العديد من الجهات في تنفيذ منشورات البنك المركزي الخاصة بالصادر، من أجل سد الثغرات التي يعلمها كثير من المتعاملين في مجال الصادر، موضحا أن تطبيق هذه المنشورات من دون مشاركة كافة الأطراف سيلقي بالعبء في استرداد الحصائل على عاتق الجهات الأمنية، داعيا إلى عدم تنفيذ سياسات معينة وإهمال أخرى يمكنها أن تحقق الفائدة، كون الأثر يقع مباشرة على تفاصيل حياة المواطن المعيشية.
وفي ما يخص الشق الآخر من القرار بخصوص تجار العملة، يقول خير: ?تاجر العملة ليس بمصدر، فهو مضخ للأموال، وجاء دخول هذه الشريحة لقطاع صادر الثروة الحيوانية كونها القطاع الحيوي والمستمر طوال العام سواء أن كانت لحوما أو صادرا حيا، مقارنة بالمحاصيل وغيرها، وبالتالي تعتبر وسيلة ميسرة في تجارة العملة وكذلك غسل الأموال، وجل هذه الممارسات الخاطئة تقع نتائجها على كاهل المواطن مباشرة?، مبينا أن ?كل المبالغ التي تظهر في البنوك من عمليات صادر ثروة حيوانية أو أي مبالغ أخرى يتم تبييضها في قطاع الثروة كونه القطاع الوحيد المتحرك، مما يضر بالبلد داخليا وخارجيا، وهنا لا نقصد الحيوان الصادر بل نقصد العائد منه، لأنه كاد يفقد قيمته السابقة كونه مكلفا وكثير منها يصدر دون مواصفات مطابقة ما أفقد السودان سمة المنافسة الخارجية?. ويرى أن قرار خصم (25 %) سوف يحد من هذه الظواهر السالبة، وشرح موضحا: ? هذه المبالغ كان يتم تدويرها من خارج البلد وفق عملية (داخل/ خارج)، والآن يتم خصم جزء منها لصالح البنك المركزي إذ سيفقد (تاجر العملة) هذه الفائدة التي ستؤول إلى بنك السودان، لذلك من الطبيعي أن يلجأ لوسيلة الدفع ضد المستندات ( C.A.D) والمتوفرة سابقا?، موضحا أن هذه العملية تتضمن إرجاع الحصيلة بعد فترة أقصاها شهر، أما الكمبيالة (D. A) فترجع فيها الحصيلة بعد ستة أشهر، وهذه العملية إذا طبقت صحيحا عبر البنوك الأجنبية والمحلية فهى نوع من الانضباط إذ يتم استلام البضاعة وفق خطاب ضمان بحري عند تسليمها في الخارج، وجزم محمد خير بأن ?إصدار هذه القرارات وخاصة قرار خصم (25 %)، سيخرج جميع المضاربين والسماسرة الوالجين لهذا القطاع بصورة خطأ عن حلبته، وسيتجهون لجهة أخرى لاستخراج مستندات صادر عن طريق الدفع الآجل ومن ثم يتم ضخها في السوق وبيعها وحين انتهاء فترة إرجاع الحصيلة للأسف لن نجد المصدر ولا من استلم لذلك نشدد على ضرورة وجود ضوابط تتبع إصدار مثل القرارات باعتبارها وسائل ذات حدين ولابد أن يعقبها تطبيق ضوابط وشروط، لأن السياسات تخرج بشكل كلي ولكن التنفيذ تصاحبه كثير من الأخطاء الناتجة من قبل بعض الجهات المشاركة في عملية الصادر والتي تفوق الثلاث عشرة جهة، ولكل سياسات وضوابط تختلف عن نظيرتها، وفي هذا الجانب نقول إن السياسات بشكل عام لا غبار عليها ولكن تكمن المشكلة في التطبيق الذي تفرز نتائجه أضرارا البلد والمواطن باهدار العائدات، ومازلنا نقول لابد من متابعة الإجراءات عندما يصدر بنك السودان منشورا فعلى البنوك التجارية مراقبة المستندات ومعرفة ما هي الجهة المنفذة؟?.
(3)
في منحى ذي صلة، يرى خالد محمد خير الأمين السابق لشعبة مصدري الماشية أن غياب دور وزراة التجارة الخارجية في الفترة السابقة، عطل نشاط الصادر بالصورة المثلى، لأن كثيرا من الإجراءت المنوط بها الصادر كان يمكن أن تتم عبر وزارة فنية مثل التجارة الخارجية.
ويدعو محمد خير إلى أن تقوم وزارة الثروة الحيوانية بحساب خطوات الربح والخسارة في عملية التصدير وقال: ?قصة تجريب المجرب التي تنتهجها أصبحت مسألة غير ذات جدوى?، مناشدا وزارة الثروة الحيوانية بإفادة المصدرين عن البواخر التي يتم إرجاعها من قبل السلطات السعودية سواء صادر الأبقار أو صادر الأبل، وتساءل محمد خير قائلا: ?لماذا تتكتم عليها وزراة الثروة الحيوانية؟، خاصة بعد الرجوع الكثيف لبواخر الإبل والأكثف لصادر الأبقار، وبالتالي يجب على الوزراة أن تنتبه لصحة القطيع القومي?، ويقترح محمد خير إعادة هيكلة لوزارة الثروة الحيوانية لحماية القطيع القومي ومكافحة الأمراض بصورة صحيحة، وإبعاد الوزارة عن عمليات التصدير، وأن تكون هذه المهمة من صميم واجبات مؤسسات أخرى ذات وعي وصلة بقيمة الصادر.
وختم مقرر شعبة الماشية السابق إفاداته لـ(اليوم التالي) قائلا: ?الفاقد الضريبي خلال عشر سنين كان مليارا وسبعمائة وستين مليون دولار في قطاع الثروة الحيوانية، ويقابله فاقد نقد أجنبي أو عائد نقد أو فاقد ضريبي زكوي (150) مليار جنيه سوداني، من قبل شركات حاليا غير موجودة على أرض الواقع وحتى هذه اللحظة نتحدث عن عائدات مفقودة يجب على الدولة أن تعمل على إعادتها ومحاسبة المتهربين?.
اليوم التالي.