“الهجرة الخفية” تصاعد في أعداد المتسللين غير الشرعيين في البلاد يقابله ضعف في الرقابة مع قلة إمكانيات أتيام التعقب.. معضلة اجتماعية وأمنية جديدة

الخرطوم – حيدر عبد الحفيظ

حتى لحظة اتفاقية السلام الشامل وقبيل فقد الشطر الثاني من الوطن (جنوب السودان) وتقريباً في منتصف عقد الألفية الأول؛ شهدت البلاد – المعتمدة في اقتصادها بصورة كبيرة على النفط – هجرة متزايدة للعاملة الوافدة في بلد يتلمس خطاه نحو الرفاه. وبعد تبدل حال البلاد اقتصادياً بفعل الانفصال عادت أعداد مقدرة من المهاجرين أدراجها إلى أوطانها؛ بيد أن البلاد ظلت ـ رغم تراجع أوضاعها الاقتصادية ـ مقصداً للوافدين عبر التسلل غير المشروع أو عبر الإقامة غير القانونية لجهة دخولها بصورة مخالفة لقانون الهجرة ببقائها غير الشرعي نظيراً لأوضاع كثير من دول الجوار التي تعتبر السودان أفضل حالاً منها لظروفها الأمنية أو السياسية أو الاقتصادية غير المواتية للعيش فيها كما يرون ذلك..

الهجرة غير الشرعية مهدد أمني واجتماعي واقتصادي يشكل أزمة جديدة إضافة لأزمات البلاد المعاشة في هذه الأيام.

ظل السودان في فترة ما بعد الاستقلال قبلة اللجوء والنزوح لكثير من الدول الأفريقية وبالأخص الدول المجاورة التي تمر بأزمات سياسية أو اقتصادية أو أمنية، وحسب إحصائيات مفوضية اللاجئين فإن عدد اللاجئين في السودان بلغ مليون لاجئ من جنسيات مختلفة.

وقد بدأت هجرات الوافدين تترى على السودان منذ الستينيات، بحوالي 5000 لاجئ وارتفع العدد بنهاية السبعينيات إلى 40,000 لاجئ ليصل في منتصف الثمانينيات إلى حوالي مليون لاجئ يتلقى العون منهم حوالي 637,000 لاجئ..

وتشير تقارير رسمية إلى أن اللاجئين التشاديين منذ صراعات الثمانينيات بلغ عددهم حوالي 712.250 وذكرت الجهات المعنية أن فرصة عودتهم ضيقة رغم استقرار الأوضاع هناك، أما المتخلفون من لاجئي يوغندا المتوافدين نتيجة الحروب هناك فبلغوا 6,000 لاجئ، أما لاجئو الكنغو بعد الحروب فيقدرون بحوالي 9,000 لاجئ تخلف منهم حوالي 200 لاجئ.

* من هم المتسللون؟

لجهات الهجرة تعريفاتها وتسمياتها للمهاجرين غير الشرعيين الذين يقيمون في دولة غير موطنهم الأصل؛ وتعرف تلك الجهات الإقامة غير الشرعية لأي لاجئ بأنها (دخول عبر طريق غير مشروع سواء كان فردا أو جماعة خلسة كان أو تسللا أو عبر الحدود دون المرور بالمناطق المحددة لجهات الرقابة الموجودة في المعابر والحدود؛ وقد يكون اللاجئ في كثير من الأحيان حاملاً إذن دخول ووثيقة رسمية غير صالحتين ويظل مختفياً في البلاد بعد انقضاء المدة القانوينة دون أن يسلم نفسه للسلطات).

* ولايات تعج بالهجرة غير الشرعية

في ولاية القضارف باعتبارها من الولايات الحدودية تضاعفت بلاغات التسلل والهجرة غير الشرعية في السنوات الأخيرة، وتشير تقارير الجوازات والهجرة بالولاية إلى تصاعد أعداد المتسللين بصورة غير شرعية من العام 2005 حتى 2009م. حيث بلغ عدد المتسللين في العام 2005 م 232 متسللا ووصلت أعدادهم في العام 2009 إلى 3042 متسللاً، أما إحصائية بلاغات الإيواء في الولاية كانت في العام 2006 بواقع 6 بلاغات فيما ظلت بلاغات الإبعاد مرتفعة في السنوات الأخيرة. وفي العام 2005 تم إبعاد 357 متسللاً وتضاعف الإبعاد إلى 3250 مبعداً.

أما مكتب جوازات ولاية شمال دارفور الولاية الحدودية فشهد في السنوات الأخيرة كثيرا من حالات الهجرة غير الشرعية وسجلت إحصائية الولاية لعامي 2009 و2010، 137 بلاغاً و137 محاكمة و931 إبعادا، والمبعدون حسب جنسياتهم: من نيجيريا 305، النيجر 285، ليبيريا 52، الكاميرون 170، ساحل العاج 40، تشاد 43، وغانا 36.

* ضعف إمكانيات مكافحة التسلل

الخبراء والمعنيون بأمر الهجر يرون أن سبب انتشار الظاهرة هو كلفة المكافحة والمتابعة للتسلل المرتفعة؛ لكونها نشاطات حركية تتطلب رصد موازنات وأتيام على الحدود، وكذا متابعات داخل الدولة.

عقيد شرطة عوض الله الحسين، في بحث عن آثار الهجرة على ولاية القضارف يؤكد أن هنالك تصاعدا واضحا في الهجرة غير الشرعية، وأن أعداد المتسللين في تزايد، وأن أعمال المكافحة اصطدمت بقلة الإمكانيات حيال الأعداد الكبيرة من المتسللين داخل البلاد، مع ضعف الرقابة وطبيعة الأرض الحدودية إضافة لضعف ميزانيات الإعاشة وترحيل المتسللين وتوفير الخدمات الطبية لهم مما يلقي عبئاً كبيراً على الشرطة.

* تسلل لا يكلف القادمين شيئاً

الهجرة المتسللة وغير الشرعية بالطبع، واقع اجتماعي له تداعياته ومثالبه الحقيقية على واقع المجتمع في الحاضر والمستقبل؛ القضية طرحتها على دكتورة هند القسين رئيسة قسم البحوث الاجتماعية بوزارة العلوم والتقانة، التي شرحت القضية من وجهة نظر اجتماعية وبدأت في حديثها لـ(اليوم التالي) بتناول بواعث هجرة المتسللين الذين قدموا إلى البلاد بعد أن أتوا من بيئات ومجتمعات فقيرة ومعدمة؛ آملين أن يجدوا وضعاً معيشياً مغايراً لما ألفوه في بلدانهم، لما يرونه في مهاجرين من بلدانهم تحسنت أوضاعهم بفضل الاغتراب، فكان قرار الهجرة بأي وسيلة وإن كانت غير شرعية ساعدتهم الحدود المفتوحة مع وجود المهربين والأدلاء بأجر، في هجرة لا تتطلب مؤهلا ولا أوراقا ثبوتية ولا ملفا أمنيا يدقق فيه على المهاجر القادم للبلاد؛ أكثر ما فيها من مخاطر هو السفر ليالي معدودة وبعدها يجد المتسلل نفسه في بلاد يستقبله أهلها وتوفر له فرصة عمل على الفور دون أن يُسأل عن هويته وعن أوراقه الثبوتية، وهذا أحد أخطاء المجتمع السوداني التي تفاقم الظاهرة وتصعب من محاربتها.

* خطأ استراتيجي فادح

وتقول هند: المتسللون عادة ما يكونون حاملين لمكون ثقافي جديد ومختلف عن ثقافتنا وربما يكونون حاملين لأمراض جسدية ونفسية لأنهم دخلوا بصورة غير شرعية لم يفحص عنهم ولا يعرف عنهم أحد شيئا، وأخطر ما في الوجود الأجنبي غير الشرعي هو التأثير الاجتماعي على الأطفال والمراهقين من قبل عمالة الأجنبيات في المنازل وإطلالتهن على أكثر أسرار المنازل السودانية خصوصية، مما يشكل خطرا استراتيجيا واجتماعيا كبيرا على المجتمع السوداني بأكمله، وتأثيرات ذلك مؤكدة سواء أكانت عاجلة أو في المستقبل البعيد.

وتعتبر هند عدم إجراء كشف طبي على الوجود الأجنبي غير الشرعي خطرا مركبا، خاصة لمن يعمل منهم في المطاعم والبوفيهات ومزارع الدواجن والبيوت مما يؤدي لنقل الأمراض في حالة إصابتهم بأوبئة وأمراض معدية مستعصية ليكون عملهم في هذه المجالات الحساسة سببا لجر البلاد إلى مشاكل صحية جديدة تؤثر على اقتصاد البلاد تأثيراً كبيراً.

* جملة مخاطر أمنية

وتنطوي الهجرة غير الشرعية والإقامة غير المقننة على مخاطر أمنية عديدة، تشكل هذه المخاطر مؤثرا حقيقيا على اقتصاد وتنمية الدول؛ وفي الصدد يرى دكتور زايد عثمان (خبير استراتيجي) في حديثه لـ(اليوم التالي) أن الوجود المتسلل للبلاد بصورة غير شرعية في كثير من الأحيان يكون من بين أفراده معتادو إجرام في أوطانهم أو ربما يتم استغلالهم في أعمال إجرامية من قبل عصابات منظمة هربتهم إلى الداخل، والأخطر في إقامة المهاجرين غير الشرعيين ـ بحسب زايد ـ أنه: “في أحيان كثيرة حينما يطيب المقام بالوافدين غير الشرعيين يعمدون لإثارة القلاقل في الدولة المضيفة من خلال تظاهرات يطالبون فيها بحقوقهم في الاعتراف بهم ومساواتهم بالمواطنين الأصليين في جميع الحقوق”.

* مزاحمة في المعاش

أما الأثر الاقتصادي الذي يخلفه المهاجرون غير الشرعيين – بحسب اقتصاديين – فإنه يبدو في مزاحمة السكان الأصليين في أعمال القطاع الخاص من المهن البسيطة التي يرتضي هؤلاء المتسللون امتهانها مقابل أجر زهيد وبالتالي يحرم المواطن الأصيل من هذه الفرصة مما يخلق عطالة داخل البلاد. بجانب تشكيل الهجرة الوافدة بصورة غير شرعية ضغطا جديدا على خدمات مصممة أساساً على المواطن، ما يعني أن الوافد غير محسوب للاستفادة من خدمات العلاج والغذاء والتنقل والسكن، والأخير ارتفعت أسعاره في السودان وبالأخص في الخرطوم بصورة مضاعفة؛ نظراً لطلب الأجانب على إيجار السكن سواء أكانوا مقيمين بصورة شرعية أو غير شرعية، مما يعني أن واقعا جديداً طرأ على الخدمات بعد أن ظهر هذا النوع من الهجرة غير الشرعية.

* تشريعات جماعات التسلل

التشريعات القانونية المنظمة للهجرة كفيلة بضبط حركة المتسللين، ومن القوانين والتشريعات الخاصة بالهجرة: قانون جوازات السفر والهجرة السودانية لسنة 1994م، ونصت المادة (9) منه على أنه “لا يجوز لأي شخص أن يدخل إلى السودان أو يخرج منه إلا عبر الأماكن المخصصة للدخول والخروج التي يحددها الوزير بأمر منه من وقت لآخر”.

أما المادة (10) من ذات القانون فقد نصت على أنه “لا يجوز لأجنبي أن يدخل السودان ما لم يكن يحمل تأشيرة سارية المفعول”.

عقيد عوض الله يرى أن هناك وسائل عديدة يمكن أن تحد من التهريب والإقامة غير الشرعية بالبلاد منها إجراء تعديل في قانون الجوازات والهجرة لعام 1994م المادة (30) لتشمل العقوبة مصادرة الوسيلة التي تساعد في تهريب الأجانب وتجارة البشر وتشديد السجن والغرامة للمهربين، بجانب تفعيل نقاط المراقبة والتنسيق مع اللجان الشعبية في المحليات لمساعدة السلطات الرسمية على ضبط حالات التسلل للأجانب.

اليوم التالي

تعليق واحد

  1. الاخ حيدر

    تحية طيبة بلدنا دي سبلوقة من زمان كتير من الارتريين والاثيوبين بسافروا تركيا وليبيا ومنها لاوربا بجوازات سودانية ومسولي الجوازات ضباط ورتب صغيره بيبيعوا الدفتر بتاع الجوازات ب 7 مليون وبنوا قصور في كافوري وجبرة والنصر ووو منهم العقيد والرقيب وووالبلد دي سبلوقة والكيزان ضبحوها وماسموا عليها ناهيك عن بعض التشاديين العاملين فيها اسياد بلد واتجنسوا وماتنسي ان نظام المجرم البشير خلي الناس تمشي للموت جري انت ماسمعت قصص ولاشنو ..السنة دي 2014 الموكد قريب 100 شاب سوداني من كل الولايات ماتوا غرقا من دمياط والاسكندرية وطرابلس وبنغازي ماتوا في البحر اووووووووووو اههه اه اه اه اه اههه اخي حيدر لاحكومة ولامعارضة بلدنا الله يصلحها …عالم تفتقد للتربية الوطنية وحب الوطن.

  2. هسه يجيك واحد من ناس قريعتي راحت واقول ليك نحنا اسياد بلد ، اصلا البلد دي عباره عن لحم راس ماعندها سيد،و لامه جميع الاشكال والالوان ، البلد واسعه ولو اتصافت النفوس بتشيل الناس كلهم ، بس نبطل عنصريه وجهويه وقبليه كفاية اننا سودانين وبس وبس وبس .

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..