الرحلة إلى جوبا… (8) ساعات في بلاد الأماتونج ..!

جوبا: مها التلب
زخات المطر شكلت رفيق رحلتنا الخاطفة إلى عاصمة جمهورية جنوب السودان، في معية وزير الخارجية الدرديري محمد أحمد صبيحة أمس (الجمعة)، فعندما حلقت بنا الطائرة فوق سماء الخرطوم كانت قد اغتسلت طرقاتها للتو بماء المطر الذي فاض حتى أغرق بعض أحيائها، في المقابل كان انهمار المطر قد توقف وعجلات طائرتنا الصغيرة تكاد تلامس مدرج مطار جوبا الدولي. رحلة شاقة التفاصيل امتدت لأكثر من (8) ساعات من العمل الدءوب لم يتوقف إلا قليلاً لأداء الصلاة. أجواء المفاوضات وإن بدت حميمة للمراقبين، لكنها أظهرت أنَّ شيئاً ما يجتهدون لإنقاذه بالسرعة المطلوبة، فهل يكون اتفاق السلام النهائي الذي لا يفصلنا من مراسم توقيعه سوى ساعات قليلة..؟!
فارهات المرسيدس الرئاسية..!
زيارة الوفد السوداني إلى جوبا كانت حاسمة للغاية لاعتبارات كثيرة، على رأسها أن توقيع الاتفاق النهائي لملف تقاسم السلطة الشائك والأكثر إثارة للجدل بين الفرقاء المتنازعين بجمهورية جنوب السودان، لم يتبقَّ عليه سوى (48) ساعة فقط لا غير.
الوفد تحرك من مطار جوبا إلى القصر الرئاسي الشهير (جي ون) بضاحية العمارات الفخيمة بوسط العاصمة الجنوب سودانية (جوبا) في سيارات المراسم الرئاسية، رحلة فارهات المرسيدس السوداء لم تتجاوز (3) دقائق فقط من المطار حتى القصر لخلو الشوارع من المارة والسيارات، حيث صادف اليوم الجمعة حيث الاستعداد لعطلة نهاية الأسبوع (ويك اند) التي تمتد ليومين السبت والأحد.
رجل (جي ون) القوي..
لم نكد نستوي على المقاعد الوثيرة داخل الفسيحة بالقصر الرئاسي حتى أطل رئيس جمهورية جنوب السودان سلفاكير، يرتدي حلة أنيقة قوامها بدلة سوداء وقميص ناصع البياض مع رباط عنق حمراء، وبدت سمات الارتياح على محيا سلفا وكان يتحدث بشكل هادئ وظل يتبادل القفشات والضحكات مع أعضاء الوفد، لكن بين حين وآخر كانت تتوهج نظراته ببريق غامض على نسق رجال الأمن والمخابرات من ذوي السطوة، وبدا الرجل معتداً كثيراً بقدرته على قيادة دفة سفينة بلاده وسط تلك الأمواج العاتية التي تعترض طريقها من الداخل والخارج.
رحلة الشتاء والصيف …!
زرت جوبا في يناير الماضي في عز الشتاء والبرد وقد زرتها بالأمس في أوج الطقس الاستوائي الذي تتقاسم حرارة الطقس وهطول الأمطار ساعاته بالليل والنهار، بدت جوبا مختلفة للغاية بين ثنايا رحلتي (الشتاء) و(الصيف) فجوبا في ذلك الوقت كان السلام صدى نشيد بعيد وغاية صعبة المنال، كانت تبحث بدأب عن الطمأنينة لكنها ظهرت اليوم وقد امتلأت بالأمل والسلام، بدأت أنسامها تداعب رئتيها، رصدت شعبها وكأن لسان حاله يقول “وداعاً للسلاح”.
وقريباً من تلك الآمال كانت البشاشة والابتسامات المفعمة بالود والترحاب السمة الغالبة للاستقبال، وقد استفسرت وثيقي الصلة بدوائر صنع القرار هناك فذهبت تحليلاتهم، إلى دخول الخرطوم في وساطة للسلام بين الفرقاء قد ألقى ظلالاً إيجابية على المشهد هناك.
سلفا ينفرد بالدرديري ..!
سلفا توجه بحديثه إلى الوفد السوداني قائلاً :” أنا هنا لأستمع إليكم ولديكم الكثير لي”. هذا الحديث كأنما قصد به الرسالة التي يحملها وزير الخارجية السوداني، وماهي إلا ثواني حتى طلب منا رجال المراسم مغادرة المكان لعقد لقاء منفرد بين سلفاكير والدرديري، اللقاء استغرق ساعة تقريباً، وانفض دون أن يصرح أحد من الحاضرين بشيء بتفاصيل ما جرى في ذلك اللقاء، أو فحوى الرسالة التي حملها الدرديري من البشير إلى سلفا لوسائل الإعلام.
لكن ثمة همس دار بأنَّ الخرطوم طلبت من سلفا تقديم تنازلات في بعض القضايا لتسهيل عملية الوصول إلى سلام نهائي، وأن سلفا وعد بدراسة طلب الخرطوم بالجدية المطلوبة.
مع سلفا مرة أخرى ..!
بعد انتهاء اللقاء المنفرد جاء الرئيس سلفا كير إلى الجلوس مع الوفد السوداني في قاعة المؤتمرات الصغرى بالقصر، وهي القاعة المخصصة لعقد لقاءاته ومؤتمراته الصحفية، وقال :”مرحب بكم في بلدكم الثاني، ساخراً مما يتردد عن الأوضاع في بلاده و ردد ” كم عدد الجثث التي وجدتموها في شوارع جوبا واستدرك لا توجد جثث قد انتهت الشكلة في ٨ يوليو ٢٠١٦م .
علاقات راسخة .!
حول العلاقات السودانية والجنوب سودانية قطع سلفاكير بتطور العلاقات بطريقة مائزة وأضاف منذ البداية جيدة وما تزال، مؤكداً أنه في بعض الأحيان ما يحدث سوء تفاهم واستدرك لكننا نعمل على حل المشكلات .
لا ندعم التمرد .!
صرخ سلفا بأن بلاده لا تدعم أي تمرد في السودان لجهة أنها تعجز عن سداد مرتبات بعثاتها، مشيراً إلى أنه بخصوص الحركة الشعبية شمال ” لا ننكر أنهم كانوا معنا ويمكن أن نتحدث معهم لإحلال السلام في السودان، لكن أولاً يجب أن نجدهم فالخرطوم رفضت لهم أن يأتوا إلى الجنوب بالتالي فأين سنجدهم، فكل واحد منهم ذهب إلى دولة عليه إذا سمحت الخرطوم لجوبا يمكنها أن تقوم بالتوسط .
سقوط نظام .!
وحول الأطراف التي لم توقع قال “فكروا بأن الحكومة ستسقط وأنهم سيكونون البديل، لكن حالياً عليهم أن يوقعوا أولاً ثم ينظموا أنفسهم، ومن يصوت له الشعب سنسلم له الحكم ولن نفعل كما تفعل العديد من الدول الأفريقية .
أولاد البشير .!
سخر سلفا بمن يعترض أو غير راضٍ عن وساطة الخرطوم، وأضاف هؤلاء كانوا يأتون بالسلاح من هناك، والخرطوم هي من قالت لهم أن توقفوا عن الحرب واعملوا على تحقيق سلام، بالتالي إذا لم يوقعوا فمن أين سيأتوا بالسلاح، بالتالي نسأل البشير ديل أولادك إذا لم يسمعوا الكلام ماذا سأفعل .
لا تفاوض .!
سلفاكير قال إنه لن يذهب للخرطوم للنقاش أو التفاوض بل للتوقيع. وأضاف وما لم يحدث عليه اتفاق من قضايا سيتم حسمه للوصول إلى الوثيقة النهائية، وقطع سلفا أن الولايات أساس العاصمة وأنه بلا ولايات لا توجد عاصمة، بالتالي الخدمات يجب أن تذهب إلى الولايات خصوصاً وأن سكان العاصمة أقل من الولايات، بالتالي فإن الخدمات بالضرورة ستوجه إليها. وأوضح الرئيس سلفا أنه لا يوجد اتفاق ١٠٠٪ ففي الحكومة هناك متخوفون على مناصبهم إذا اكتمل الاتفاق، وعليهم أن يفقدوا مناصبهم إلى أن يفتح عليهم ربنا تاني .
أبيي حاضرة .!
سلفاكير قال إن أبيي ليست منسية وأنها موجودة في اتفاقية السلام الشامل “صندوق أبيي من الأفضل أن يظل مغلقاً لكن سنفتحه؛ ولكن لن نحمل السلاح مرة أخرى”. وأضاف بعد أن أنتهي من مشاكلي سأتحدث عن أبيي، منوهاً إلى أن ثمة تقاسم لعائدات نفطية .
اعترافات سلفا .!
قال الرئيس سلفا إن لجوبا (6) جيران تحرص على استقرارهم، بالتالي فهي لا تحاول أن تُمارس ضغوطاً لمنع التوقيع، لجهة أن عدم استقرار الجنوب يعني انتقال عدم الاستقرار إلى هؤلاء الجيران وبالتالي إلى أفريقيا جميعها. سلفا اعترف بوجود ضغوط على بلده وقال المجتمع الدولي يفرض شروطه في كل شيء، ويضغط لصالح مصالحه” نحن لم نوقع بسبب الضغوط علينا بل لقناعة.
سلفا يتبرأ .!
سلفا رافعاً يديه وملوحاً بأن تجربة (5) نواب من الوساطة ” أن كثيرين يبحثون عن لقمة لذا أصبح النواب خمسة وهو مقترح الوساطة، مبرراً قبوله بأنه يريد حلاً لمشكلته”. وأضاف طالما لم نجرب تطبيق المقترح بعد فإنني لا يمكن أن أقول للبشير جربه وأضاف ومع ذلك إذا نجح فإنه سيعتبر نموذجاً .
لن أترشح .!
في ختام حديثه أعلن سلفا بأنه لن يترشح وأن الأمر برمته سابق لأوانه، مؤكداً أن تنفيذ الاتفاقية هو الذي يحدد ما يعمل خلال الفترة ما قبل الانتقالية .
الدرديري يتقرب ..
رغم سهام النقد التي صوبت لوزير الخارجية الدرديري محمد أحمد بشأن إدارته لملف الوساطة بين فرقاء جنوب السودان التي دفعت، كما يتهمه منتقدوه لحافة الانهيار، لكن ذلك لم يثنِ من عزيمة الرجل الذي ظهر بشخصية رجل دولة يمتلك القدرة على إدارة الملفات الشائكة باحترافية وثقة، ويبدو أن الدرديري لا يرغب مطلقاً في إفلات الفرصة التاريخية من بين يديه بإحراز نصر خارجي، يحسب لسجله في المئة يوم الأولى لتوليه مقاليد الدبلوماسية السودانية.
التيار
نتمنى ان تصمد اتفاقية السلام في جنوب السودان ان هي وقعت رغم ان بنودها قد تولد الكثير من الاعباء الاقتصادية على الدولة الوليدة بسبب كثرة الولايات وعوية المؤسسات التنفيذية والتشريعية لارضاء كل الاطراف وبالتالي يكثر الصرف عليها من دولة مرهقة في اقتصادها .. لقد قالت المعارضة التي نشأت حديثاً بسبب السأم والملل من التقاتل بين الحكومة والمتردين بانها لا توقع على الاتفاقية وهنا تبدو انها غير راضية عن تجاوزها وغير واثقة لتكرار فشل التجارب كما حدث في السابق . لكن هذه المعارضة التي بدأت تنظم نفسها في كل اقاليم الجنوب يبدو انها سوف تكون هي من يصنع التوازنات في المستقبل اذا سادت شوية سلام بعد هذا التوقيع في السنتين المقبلتين . المعارضة التي يبدو انها نشأت عازمة في مواجهة مقاومة حكم الفرد والقبيلة اي الدينكا الذين يريدون ان يكونوا موجودين في كل مفاصل الحكم والادارة الشئ الذي رأته القبائل الأخرى نوع من التهميش والتكميم محروس بقوة وببطش السلطة والسلاح.. فهل تفوز المعارضة في الانتخابات في المستقبل القريب وتنمو أول بذرة للديمقراطية هناك .
نتمنى ان تصمد اتفاقية السلام في جنوب السودان ان هي وقعت رغم ان بنودها قد تولد الكثير من الاعباء الاقتصادية على الدولة الوليدة بسبب كثرة الولايات وعوية المؤسسات التنفيذية والتشريعية لارضاء كل الاطراف وبالتالي يكثر الصرف عليها من دولة مرهقة في اقتصادها .. لقد قالت المعارضة التي نشأت حديثاً بسبب السأم والملل من التقاتل بين الحكومة والمتردين بانها لا توقع على الاتفاقية وهنا تبدو انها غير راضية عن تجاوزها وغير واثقة لتكرار فشل التجارب كما حدث في السابق . لكن هذه المعارضة التي بدأت تنظم نفسها في كل اقاليم الجنوب يبدو انها سوف تكون هي من يصنع التوازنات في المستقبل اذا سادت شوية سلام بعد هذا التوقيع في السنتين المقبلتين . المعارضة التي يبدو انها نشأت عازمة في مواجهة مقاومة حكم الفرد والقبيلة اي الدينكا الذين يريدون ان يكونوا موجودين في كل مفاصل الحكم والادارة الشئ الذي رأته القبائل الأخرى نوع من التهميش والتكميم محروس بقوة وببطش السلطة والسلاح.. فهل تفوز المعارضة في الانتخابات في المستقبل القريب وتنمو أول بذرة للديمقراطية هناك .