سلفاكير ونبؤة مشار

عند حدوث الأنفصال الحديث بين شمال السودان وجنوبه تنبأ الكثيرين بفشل الدولة الجديدة علي تكوينها ..فكل الشواهد كانت كفيلة بالتنبؤ الصادق ..نظرا لأنها تعوزها مقومات الدولة التي تتيح لها النمو والنهوض .ولكن جسم الدولة المترهلة بالقبلية والتنازع المستمر وتعدد الأثنيات اضف الي ذلك مرحلة الأنتقال من الغابة الي الدولة كانت كفيلة بالتمسك بالتنبؤ علي وضوحه فأفرزت النبوة صدقا لقرائن المستقبل ومايعتوره من غموض وضبابية .
ولعل الشرارة قد بدأت بتجريد نائب الرئيس من كل صلاحياته التنفيذية والحزبية ..أضف الي ذلك أنفراد الرئيس بجل السلطات والأمور ماعدها رفقاء الغابة والسلاح تحللا من مشروع الحركة الشعبية ومبادئها التي قامت علي يد الزعيم قرنق ..ولعل ضيق سلفاكير بتكاليف قديمة مردها لمشروع الحركة قد عجلت بتصفية كل خصومه الذين يري في أزاحتهم له مطلبا مشروعا نظرا لأن سلفاكير إنما جاء بمقتضي الحال وشرعية الدستور التي تكون للمصادفة أقرب والرجل لايملك فكرا ولا رفدا سوي مرتبة رفيعة في العسكرية جعلت منه الرجل الثاني بلا منازع في وجود قامات مديدة ذات فكر ورجحان .جعلت الرجل يتوهم خيالا بالأسوأ له وهو السقوط ولو بعد حين .فبادر جائعا بألتهام الخصوم .ثم أعقب ذلك الأنقلاب الشهير الذي أدانهم في صريح النهار وأعطاه الضوء للزج بهم في السجون والمعتقلات فشمل الأعتقال أسماء ذات حجم ووزن كان لها نصيب الأسد في المناداة بالأنفصال وأعلان الأستقلال ..
الوضع الآن علي المحك تماما في ظل تحول الحرب الي الأهلية وأستجارة كل طرف بقبيلته للنصرة والتمكين .فقد أجبرت الحرب السكان علي النزوح وأمام صراع أولئك الفيلة في جنوب السودان فأن المواطنين هم الضحية ..فقد صوتوا بأختيارهم علي أستقلال يتيح لهم العيش الآمن والمساواة المفقودة والتنمية المطلوبة ولكن تخاصم الأصدقاء أعاد بلادهم الي مربع الفوضي فاباتوا يرزحون تحت هدير المدافع خائفين وناقمين ..
هي بلاشك حرب لها مابعدها ..فقد خابت الوساطات في مسعاها ..نظرا للأحتكام العنيف للسلاح .فمابين أولئك مايفرق أكثر مما يجمع ولو أمتدت بينهما صداقة النضال والتحرير ..انه صراع السلطة القبلي الذي لأيهنأ صاحبةه بمركزه الا علي جثة أخيه ..فهو صراع الطموح الي الرئاسة ..ولعل مشار قد أدرك النبوة المنتظرة فبات سلفاكير يقطع الطريق أمام تحقيقها ..فالجنوبيون يحفظون عن ظهر قلب نبوة مجسدة في شخص مشار بأنه هو (المنقذ) ولهم في ذلك أيمان ومعتقد ..وسلفاكير في سبيل أجتثاث ذلك (الطموح) يبادر بأقالة مشار عن مناصبه كافة ..ولكن طموح الرجل ونبوةالقوم تدفعه الي الأنقلاب والأستيلاء علي المدن الهامة ..
هو صراع بغيض الضحية فيه المواطنين الذين أبصروا من الداء ماجعلهم يلجأون للنزوح فقد أدركوا الفشل بأنفسهم أمام صراع تلك النخبة والتي حملتهم بأمانيها الي الأنفصال وذات النخبة بصراعها تدفعهم اليوم دفعا الي الجوؤ والنزوح ..فقد أستنفذوا أفكارهم لتنمية الدولة الوليدة فباتت لغة السلاح هي السائدة لتمكين أحد الأطراف علي الآخر والأنفراد بالحكم والسلطة المطلقة ..
بات الكل يلتفت الي تنبؤاته فقد صدقها الواقع تماما فقد قامت الدولة الوليدة بعجلة نخبتها الذين قطفوا ثمرتها ولم يستوي نضجها فقد نشأت في غياب الحدود وتسوية القضايا العالقة مع الشمال اضف لذلك تنازع نخبتها و وطموحهم للوصول الي السلطة وتعدد قبائلها الذي جنح بالدولة الي مزالق الحرب الأهلية كل ذلك جعل من الدولة الوليدة علي شفا جرف هار من التقاتل .كان كفيلا بالولايات المتحدة ان تهدد بفرض الوصاية وأستخام القوة لأعادة الأستقرار المفقود ..