الفكر العربي الإسلامي والأزمة السودانية (2)

هويات الفكر العربي الإسلامي:
اجبنا على سؤال معني مفهوم الإسلام في الرسالة المحمدية في كتاب الإرشاد في الرسالات الإلهية ووجدناه يختلف عن ما يسوق له هذا الفكر ويحاول ان يؤطر له. ويجب علينا أولا أن نفرق بين لحظة بداية تكوين الفكر العربي الإسلامي وبين اللحظة الراهنة حتى لا نقع في نظرية المؤامرة، فلم تكن النخب العربية التي صاغت ذلك الفكر تدري إلي ان خلاصته ستكون في صورته التي نراها إلى الان، ولم يتكون ذلك الفكر بين ليلة وضحاها ولم تكن هنالك افكار مسبقة، فكان كل ما تمتلكه تلك النخب هو واقع متمثل في مجتمعات وتحولاتها وممارستها للحياة التي تدل على معني محدد ورسالة ومن خلال الجدل بين الواقع والرسالة وتم إسقاط ذلك الجدل على الرسالة، فكل ما يسمي بالعلوم الإسلامية من تفسير وفقه وغيرها إلى علوم اللغة كلها كانت تنطلق من الواقع المجتمعي أو يكون ذلك الواقع في مخيلة تلك النخب وهي تجتهد من اجل اجتراح بعض المفاهيم المتعلقة بالرسالة. وكان كل مفكر أو نخبوي عربي أو غيره يجتهد في مجاله ولكن ما يجمعهم هو واقع مجتمعي بكل قيه وتحولاته. فأنتجت تلك النخب في الأخر فلسفة تقوم على واقع ومجتمع محدد يحاول ان يوصل رؤيته للحياة لذاته وللمجتمعات الأخرى. وما نعيبه على الفكر العربي الإسلامي ليس فلسفته تلك، فلكل مجتمع الحق في إنتاج رؤيته للحياة انطلاقا من تحولاته الذاتية، ولكن ما نعيبه عليه هو ارتداء ثوب الإله والقول ان تلك رؤية الإله للحياة وان ما يقوله ذلك الفكر مطابق لما يقوله وما يريده الله.

وخلاف المجتمعات السودانية التي أتاح لها تاريخها الطويل مع التحولات الاجتماعية وحضارة ضاربة في القدم استطاعت من خلالها إدراك مفهوم الآخر كآخر إنساني وعدم التحكم في تحولاته وقيمه، فكل دارس للتاريخ السوداني يدرك التكامل الذي كان بين مجتمعات الشرق والشمال والوسط وحذفنا باقي أجزاء السودان لعدم توفر دراسات كافية ولكن من شواهد الحاضر نستطيع ان نشمل تلك المجتمعات مع مجتمعات الشرق والوسط والشمال. اما المجتمعات العربية فكما المجتمعات الأخرى كانت ترى في الاختلاف تهديد للذات وترى الآخر الإنساني كآخر ضد الذات وانعكست تلك القيم على المفاهيم التي قام على أساسها الفكر العربي الإسلامي عندما وضع الحدود للآخر المختلف، فكانت رؤيته تمثل الحد الإنساني ليس في الفكر العربي ولكن حسب قوله كان ذلك الحد عبارة عن مقولات الهية بتفسير عربي فقط.
وأول مفاهيم الهوية أو الحد الإنساني الذي أصبح كل من هو خارجه هو خارج الإنسانية هو مفهوم الإسلام أو الفرد المسلم، فعندما حاولت النخب العربية إدراك مفهوم الإسلام لم تذهب إلى الرسالة التي جمعت في داخل ذلك المفهوم مجتمعات مختلفة ورسالات مختلفة، ولم تحاول ان تدرك كيف تكون كل تلك المجتمعات مسلمة باختلاف لغتها وقيمها وتحولاتها الاجتماعية، ولكنها ذهبت مباشرة إلى المجتمعات العربية وقيمها في إدراك الحد الإنساني لتضع مفهوم الإسلام داخل تلك البؤرة، وحتى يتحول مفهوم الإسلام إلى هوية مجتمعية كان يجب ان يحمل قيم اجتماعية تدل عليه، فتمت الاستعانة بالمشترك من القيم بين المجتمعات العربية مثل العلاقات الاجتماعية ورؤية تلك المجتمعات لمكانة الرجل والمراة في المجتمع وغيره، بالإضافة إلى القيم التي اشارت لها الرسالة الإرشادية باعتبارها افضل القيم الإنسانية لتلك المجتمعات في ذلك الزمان، فتمت صياغة كل ذلك باعتباره يمثل مفهوم الاسلام المجتمعي، أي مفهوم الاسلام الذي يريد الله ان يوصله لكل المجتمعات، وهو ادعاء وشرك من قبل النخب العربية لذاتها مع الذات الإلهية. ومن هنا جاءت الهوية الاولى وهي الفرد المسلم، ونجدها تستحوذ على الفضاء الفكري للمجتمعات غير العربية باعتبارها تمثل الحد الفاصل للإنسانية للذين يعتنقون الفكر العربي الإسلامي.

اما ثاني الهويات داخل فضاء الفكر العربي الإسلامي فهي الهوية العربية، وجاءت تلك الهوية مرادفة لمفهوم الحد الإنساني عند المجتمعات العربية، وتحديدا عندما أصبح مفهوم الإسلام يشمل كثير من المجتمعات غير العربية داخل الفضاء العربي وقد احتدم ذلك الصراع في وقت من الأوقات. ومارست المجتمعات العربية الرفض للمجتمعات الأخرى من خلال مفهوم العروبة، ولان النخب العربية كانت تتابع مجتمعاتها لذلك نجدها قد حاولت ان توقف بين الهوية الإسلامية والهوية العربية ولكن بخلفية عربية، فجاءت بكثير من الأحاديث التي تنسب للنبي عندما لم يسعفها المصحف العثماني حتى تضع مفهوم العروبة باعتباره جزء من الرسالة الإلهية، واشهر مقولة لمفهوم الهوية العربية هي المقولة الشائعة لاهل السنة والجماعة وهم حرس الفكر العربي الإسلامي والمدافعين عنه والذين لا يعرفون الرسالة إلا من خلاله، فنجد في كتاب (اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم “لشيخ الإسلام ابن تيمية” ? ص 374 ? 375) [فان الذي عليه أهل السنة والجماعة: اعتقاد أن جنس العرب أفضل من جنس العجم: عبرانيهم، وسريانيهم، ورومهم، وفرسهم، وغيرهم. وان قريشا: أفضل العرب، وأن بني هاشم: أفضل قريش، وأن رسول الله صلي الله عليه وسلم أفضل بني هاشم، فهو أفضل الخلق نفسا، وأفضلهم نسبا، وليس فضل العرب، ثم قريش، ثم بني هاشم بمجرد كون النبي صلي الله عليه وسلم منهم، وان كان هذا من الفضل. بل هم في أنفسهم أفضل، وذلك يثبت لرسول الله صلي الله عليه وسلم: أنه أفضل نفسا ونسبا، وإلا لزم الدور]. وهذا الحديث يعني ان العرب أفضل في ذاتهم أي ان تلك الأفضلية هي جزء من ذات الفرد تورث وراثة وليست مكتسبة وهو حد الإنسانية الذي نتحدث عنه والذي لا يمكن اكتسابه مهما فعلت. فإذا ولدت عربي فانت أفضل من المجتمعات الأخرى في ذاتك، وليس هذا فقط بل أنت اقرب إلى الله من المجتمعات الأخرى باعتبار ان ذلك الفضل ميزة اختص بها الله المجتمعات العربية دون غيرها.

والهوية الثالثة هي التي أشار لها الحديث السابق دون ان يتوقف عندها كثيرا وهي الهوية القبلية رغم انها الهوية الأولي لدي الفرد العربي الذي تمثل له الهوية الحقيقية والتي من خلالها يدرك ذاته، وهي الهوية التي يحملها معه الفرد العربي أينما ذهب ويورثها لأبنائه باعتبارها الحد الذي تقف عنده إنسانيتهم. ففي كتاب السودان عبر القرون للدكتور مكي شبيكة ص 57 نجد (والعربي في كل مكان حل به يحتفظ بنسبه لقبيلة عربية ومهما ابتعد من موطنه الأصلي فان قوميته العربية أولا وقبيلته أو البطن من القبيلة ثانيا، تاريخ يتلقاه الأبناء عن آبائهم من بعدهم). فهي الهوية الحقيقية الوحيدة التي يدركها الفرد العربي ويستطيع ان يتعامل على أساسها ويدرك الحياة من خلالها.
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. الدين دين الأفراد وبعض شعائره التعبدية جماعية للتذكير بالمساواة والعبودية لله جميعاً والوقوف أمامه جميعاً للحساب أفرادا في الآخرة للمحاسبة على تمثله أو عدمه في الدنيا بين كأفراد حيال بعضهم البعض والدولة هي لإدارة شؤون الحياة على الأرض بين البشر مؤمنهم وكافرهم بالدين على أساس الآدمية وبينهم وبين ما سخره الله لهم من أقوات الأرض والسماء اللتان يعيشون بينهما كمجموعات وأمم بشرية بغض النظر عن ديانات ومعتقدات بعضها أفرادا وجماعات بالعدل والمساواة والقسطاس المستقيم الذي يطلبهي العقل البشري ويرفض ما سواه وهو الظلم ولا مشاحة كون هذه القيم حث عليها الدين السماوي فالخالق يريد الخير لخلقه مؤمنهم وكافرهم فحساب كفرهم وايمانهم به كخالقهم يخصه وحده ويوم حسابه في الآخرة ولا مشاحة كذلك من تطابق الدين والفطرة السليمة والعقل الراشد من وجوب معاقبة الظلم في الدنيا مما يتعلق بحقوق العباد أو حقوق الإنسان كما تسمى بالمصطلح الإنساني المحايد عن مصطلحات الدين لأن الظلم والاعتداء على حقوق الغير مما يهدد قيم المساواة على وجه الارض واقتسام خلافتها بالعدل حتى تستمر الحياة فيها على الوجه الذي يليق بالانسان وتكريمه على سائر الحيوان.

  2. الدين دين الأفراد وبعض شعائره التعبدية جماعية للتذكير بالمساواة والعبودية لله جميعاً والوقوف أمامه جميعاً للحساب أفرادا في الآخرة للمحاسبة على تمثله أو عدمه في الدنيا بين كأفراد حيال بعضهم البعض والدولة هي لإدارة شؤون الحياة على الأرض بين البشر مؤمنهم وكافرهم بالدين على أساس الآدمية وبينهم وبين ما سخره الله لهم من أقوات الأرض والسماء اللتان يعيشون بينهما كمجموعات وأمم بشرية بغض النظر عن ديانات ومعتقدات بعضها أفرادا وجماعات بالعدل والمساواة والقسطاس المستقيم الذي يطلبهي العقل البشري ويرفض ما سواه وهو الظلم ولا مشاحة كون هذه القيم حث عليها الدين السماوي فالخالق يريد الخير لخلقه مؤمنهم وكافرهم فحساب كفرهم وايمانهم به كخالقهم يخصه وحده ويوم حسابه في الآخرة ولا مشاحة كذلك من تطابق الدين والفطرة السليمة والعقل الراشد من وجوب معاقبة الظلم في الدنيا مما يتعلق بحقوق العباد أو حقوق الإنسان كما تسمى بالمصطلح الإنساني المحايد عن مصطلحات الدين لأن الظلم والاعتداء على حقوق الغير مما يهدد قيم المساواة على وجه الارض واقتسام خلافتها بالعدل حتى تستمر الحياة فيها على الوجه الذي يليق بالانسان وتكريمه على سائر الحيوان.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..