إزالة أعرق مكتبات في السوق العربي بأمر المحلية

تحقيق : أنس عبد الصمد
مع المتضررين
قبل ذهابنا الى المحلية تحدثنا الى احد أصحاب المكتبات التي هُدمت وكان حديثه: ناس المحلية هددونا بتكسير المكتبات بـ (اللودر) لو لم نقلع أكشاكنا بإرادتنا !!. ويحكي لنا العم (عثمان غبوش) صاحب مكتبة الدلنج الثقافية : أن جماعة أتو إليهم من مكتب المحلية فقاموا بتصليب المكتبات الأربعة وإشعارهم بإزالتها في ظرف أقصاه (24) ساعة وقال لي أحدهم إذا لم تنفذوا الأمر سنقوم بتكسير المكتبات ب(اللودر)؛و قال ذلك بلهجة التهديد وكان ذلك في مساء الجمعة الموافق 23 ديسمبر 2016م وفي صباح اليوم التالي تفاجئنا بزيارة المعتمد للمكان , وبصحبته المدير الاداري وتحدثوا فيما بينهم وكان معهم مجموعة من الناس حيث قمت أنا بالتحدث مع أحدهم لاخبره أنني أمتلك أوراق ورخصة هذه المكتبة ؛ فأجابني بأن أترك أوراقي معي. وعندما سألته عن مصير مكتباتنا الأربعة أجابني بأنه سيتم معالجة الأمر في ذاك المكان مشيراً إلى زقاق ضيق شرق سوق الجنوبيين وأمرني بإخلاء المكتبة فوراً مما يستقر بها من كتب ومجلات وصحف, نفذنا الأمر أنا والذي يعمل معي بالمكتبة ونحن نرى عربات المحلية التي تكسّر بها الاكشاك تقف بجوارنا مما أدخل في قلوبنا الرعب أكثر هناك سيارات تقف معها تحمل عدداً من العساكر , يستمر العم عثمان في سرده لقصته مع مكتبته ذلك المكان المحبب إلى قلبه حيث ألفه منذ زمن بعيد فيقول علاقتي بهذا المكان منذ عهد الزعيم الراحل إسماعيل الازهري حيث تم توزيع تلك الاماكن لنا من قبل الازهري وأنا كنت في ذلك الوقت من ناس الإجرام حيث تم توزيع أماكن لبعضنا والبعض الآخر تم منحهم مبالغ نقدية ذلك لتجنب الاعمال (الكعبة) وكانت لدي تربيزة في ذلك الوقت ثم في عهد نميري تم التصديق لي بكشك في نفس المكان وكان ذلك في العام 1971م على وجه التقدير علما بأني أعمل بالمكتبة منذ 45 سنة.
زقاق ضيق
المكان الذي تم توزيعنا فيه كمعالجة لوضعنا عبارة عن زقاق ضيق لم أستطع إدخال الكشك إليه حتى الآن ثم أشار العم عثمان الى الكشك في أول الزقاق حيث يرتمي الكشك على جانبه قائلاً (داك هو كشكي قاعد ماقادر أدخلو المكان ثم يواصل حديثه :أخذت مستنداتي وذهبت الى المحلية فأخبرني أحدهم لا أعرف صفته أنهم لا يحتاجون لهذا الورق مشيراً إليّ بالاحتفاظ بالورق , وعندما سألناه عن السبب الذي أدى لإزالتهم يقول العم عثمان أن سبب المحلية بحجة تنظيم السوق غير منطقية لأن ثمة حديث يتداوله الناس في ذلك المكان يتعلق به سبب الإزالة وهو أن فندق(…) الذي يجاور المكتبات غرباً اراد صاحبه أن يتوسع شرقاً فيحول أماكن مكتباتنا الى جراج سيارات ويظن العم عثمان أن ذلك السبب هو الأرجح.
لا نملك بديلاً
وعن الحل البديل يقول العم عثمان أنه لا يمتلك بديلاً غير مكتبته علماً بأن لديه (19) من الأبناء والبنات من زوجتين أغلبهم لازال في المدارس كلهم كانوا تحت رعاية الله بفضل هذه المكتبة , سألناه عن ماذا سيفعل رمي رأسه إلى أدنى ثم أردف قائلاً (نرفع يدي لله , الله دا مابضيع لي حقي عشان أنا طولت في المكان دا).
الخوف جعلنا نزيلها
يحكي لنا ابراهيم محمد أحمد بطريقة سردية لبقة فيقول في يوم الجمعة الموافق 23 ديسمبر من العام2016 م في تمام الخامسة مساء أتوا إلينا اثنين من الشباب لم أتمكن من معرفة أسمائهم كاملة عرفت أن أحدهم يدعى شاذلي وهو الذي تحدث إلينا قائلاً : غداً سيأتي المعتمد الى هنا وهذه المكتبات صدر أمر بإزالتها عليكم ان تأخذوا أغراضكم ثم ذهب الشابان ليعودا الكرة مرة أخرى بعد صلاة المغرب حاملين معهم أدوات التصليب فرسموا على مكتبابتنا علامة التصليب ثم كتبوا عليها إزالة . خاطبنا شاذلي بأننا نمتلك أوراق تثبت أحقيتنا لهذه المواقع فقال لنا حضروا أوراقكم ولكن الذي كان معه تدخل قائلاً نحن لسنا بحاجة إلى أوراقكم لأن المعتمد قرر عدم بقائكم بهذا المكان ولن نقبل منكم اي حديث آخر!! وفي صباح يوم السبت أنا لم أكن متواجداً بالمكتبة حيث كان يعمل بديلي ونحن نعمل بهذه المكتبة مكتبة المتحدة التي يمتلكها عمنا جعفر عبد الرحمن محمد , علمت في صباح يوم الأحد بعد أن ذهب أخانا نزار مع المجموعة التي التقت بالمعتمد حيث أقر لهم المعتمد بأنهم أصحاب حقوق في ذلك المكان ولكن سيتم تعويضهم بأماكن أخرى . وفي صباح الإثنين أتينا كعادتنا مبكرين لأماكن عملنا التي لم نألف مكاناً غيرها حيث تفاجئنا بشباب من المحلية يحذروننا من فتح مكتباتنا فخضعنا لأمرهم حتى الثامنة صباحاً علماً بأن ذلك هو مصدر رزقنا الوحيد ففتحنا المكتبات ثم جاءت الأوامر بأن ننقل ما كانت تحمله مكتباتنا في أحشائها من بضائع الى الخارج لأن السيارات المختصة بالإزالة ستهدم الأكشاك بمافيها , فإمتثلنا للأمر حتى لا تهد الأكشاك على رؤوسنا يستطرد إبراهيم في حديثه فيدلف إلى قصة مكتبة كانت تقبع بالقرب من صينية القندول عندما تجاهل صاحبها قرار المحلية بالإزالة تم هدم المكتبة عليه ففر بجسده !!
بديل
كان ثمة بديل تم طرحه علينا في بادئ الأمر وهو منحنا ترابيز بالسوق المجاور لنا من جهة الشرق ولكن قلنا لهم أن الترابيز تلك لاتكفي حاجتنا من صحف ومجلات وكتب متنوعة وأدوات مكتبية ثم هناك مشكلة أخرى متمثلة في النقل يومياً من المنزل الى السوق ثم العودة وذلك لتعثر وجود المخازن , ثم قرروا توزيعنا بهذا الزقاق وأشار إلى مكان ضيق شمال شرق سوق الجنوبيين ثم قال إبراهيم أن الاماكن كانت ضيقة جداً لدرجة أن أحد المهندسين الذي كان مع ناس المحلية حدثه أن تلك الأماكن لو كانت تتسع لمكان تربيزة لما كان عليهم تركها فارغة , ثم حذرهم أحد الحاضرين أنه لو لم تقلعوا مكتباتكم تلك سيتم عجنها ونقلها الى حوش المحلية ثم يتم تغريمكم. بالأمس أنا ذهبت ومعي العم عثمان صاحب أحد الأكشاك وهو رجل كبير في السن يشارف عمره الـ 80 سنة ذهبنا الى مديرة الوحدة الإدارية التي هاجت في العم عثمان وكأننا نحن جئنا إليها في منزلها . عندما نقل اصحاب المكتبات المجاورة لنا أكشاكهم نحن لم يسعفنا الوقت حيث تم إقتلاع مكتبتنا بالونش , أما مقترحات التعويض فلم تكن عادلة البتة حتى هنالك ضباط إداريين أتحفظ عن أسمائهم قالوا لنا عندما تحدثنا معهم حول المواقع البديلة فقالوا لنا نحن معكم قلباً وقالباً ولكن ما باليد حيلة .
حالة يأس
نحن الآن بوضع بائس مكتباتنا تمت إزالتها تحملنا خسائر كبيرة أنا قمت بنقل الكشك الى منزلي بمنطقة أبو أدم حيث كلفني ذلك مبلغ 1250جنيه ونحن أزلنا مكتباتنا خوفا من هدها على رؤوسنا وقد بلغ سعر الكشك الواحد 20 ألف جنيه . أنا أقول هذا الكلام وماحدث حدث على مرأى العديد من الناس وهذا الذي حدث يدل على انعدام القانون والحديث الذي يأتي من المسؤولين مجرد كلام , وعندما يكذب القياديون والمسؤوليين فعلى الدنيا السلام .
ثلاثة أيام فقط من الانذار للتصليب والتنفيذ
في ذات السياق أفادنا هشام عبد الرحمن آدم الذي تحول من صاحب مركز توزيع للصحف اليومية والاصدارات الدورية الى مجرد بائع جرايد على الرصيف , فحدثنا قائلاً : أتوا إلينا ناس البنى التحتية بغرض إخطارنا بالإزالة ? وبعد أن أخبارناهم بأوراقنا لم يعيروها إهتماماً حيث تم تنفيذ الإزالة وبعد الإخطار بيومين نحن عدد أكشاكنا أربعة هم مكتبة الشباب والدلنج والمتحدة واولاد الدلنج وتعتبر بعض هذه الاكشاك قديمة جداً يتجاوز عمرها عمر الحكومات السودانية مجتمعة منذ عصر ماقبل الاستقلال.
أنقذوا الثقافة
عامل بإحدى المكتبات المزالة قال ان الموضوع أكبر من مجرد تنظيم للسوق وهنالك حرب منظمة على الثقافة ونوافذها ! أخبرنا (مختار محمد) الذي عاصر إزالة أول مكتبة في ولاية الخرطوم إبان فترة حكم الوالي الأسبق لولاية الخرطوم د. عبد الحليم المتعافي فهو يستحضر اللجنة التي تم تكوينها آنذاك برئاسة مولانا التجاني محمد أحمد لتعويض المتضررين حيث تم سحب قرعة لتوزيع أكشاك للمتضررين وكانت اللجنة مكونة من وزارة العدل ووزارة التخطيط العمراني ومحلية الخرطوم حيث تم توقيع العقودات بحضور وزارة العدل . ويرى مختار محمد أن الحجة التي اتخذتها المحلية لإزالة المكتبات لم تكن مقنعة واعتبر أن هناك حربا ممنهجة من قبل جهات داخل الحكومة ضد الثقافة ونوافذها وروادها؛ مشيراً إلى أنه كان يعمل سابقاً بائع كتب (بأتنيّ) حيث أخذت منهم مبالغ لتوزيعهم في أماكن يتم تصديقها من قبل المحلية ولكن كان هناك الكثير من الضحايا الذين ذهبت نقودهم مع مهب الريح ولم يجدوا أماكنهم التي وعدوا بها , كما أن قرار إيقاف إتحاد الكتاب السودانيين من قبل مسجل الجمعيات الثقافية بوزارة الثقافة واحد من وسائل الحرب على الثقافة واليوم تتم إزالة أقدم أربع مكتبات بقلب الخرطوم . وناشد مختار السيد والي ولاية الخرطوم لإنقاذ الثقافة في الولاية وإنقاذ المتضررين من إزالة المكتبات فوراً طالباً منه المعالجة الماسة وتعويض المتضررين.
جمهور المكتبات
وفي الاستطلاع الذي أجريناه مع بعض القراء حول تأثير إزالة تلك المكتبات باعتبارها مراكز توزيع للصحف اليومية أفادنا محمد الصديق عبد الجبار الطالب بكلية العلوم الإدارية بجامعة كرري معتبراً الإزالة عائقاً كبيراً يعود ضرره على القارئ أولاً حيث يزاد سعر الصحيفة عند الفريشة عن مراكز التوزيع مما يشكل تأثيراً سلبياً مادياً على القارئ ويشكل ذلك أيضاً إرهاق للباحث عن بعض الكتب التي يبحث عنها , ويرى محمد الصديق أن مثل تلك المكتبات تعتبر تاريخاً أثارياً فبدل من إزالتها كان على الحكومة أن تطورها للأفضل مع الاحتفاظ بالمكان .
ارتفاع الصحف
يقول المحامي سراج الدين محمود أحد زبائن تلك المكتبات أن الإزالة تؤثر ماديا في ارتفاع تعرفة الصحف لأن الجريدة في مركز التوزيع يكون سعرها ثابت خلاف الفريشة الذين يتلاعبون بالأسعار ويستغلون بعض الصحف التي تنفرد ببعض الاخبار المهمة والتي تهم القراء . أما التأثير الثاني فهو إضاعة المزيد من الوقت للبحث عن مواقع الزبائن القدام وإلا يضطر القارئ للشراء بالسعر الذي يفرضه الفريشه البائعين المتجولين , كذلك المواقع الجديدة لم تكن مناسبة للقارئ الذي تعود على المواقع القديمة البارزة , وذلك يؤدي أيضاً الى تعثر القارئ في البحث عن زبون .
إزالة جزء من التاريخ
الأستاذ المثنى عبد القادر صحفي وزبون لواحدة من تلك المكتبات يرى بالرغم من التطور التكنلوجي وتوافر المعلومات في الوسائط الإلكترونية والإنترنت إلا أن القارئ تعود على القراءة الورقية وقال : إن الورق لازال جزءاً من حياتنا لذلك عندما تزيل المحلية مكتبة كأنها أزالت جزءاً من حياتك , وتقاس درجات تحضر الأمم بالقراءة لا بالأكل أو النظافة , وكان يجب على المحلية تحديد الاماكن المناسبة لهاتيك المكتبات بدلاً من أن تكسر جزء من التاريخ لكي ترضي مستثمر أو ترضي جهات بعينها , وهذه الإزالة تؤثر أيضاً على البيئة الثقافية سلباً ونخشى في القريب العاجل أن نرى المثقف السوداني هو يحمل حقائبه ويرحل مثله مثل الأطباء والمهندسين الذين حملوا حقائبهم وغادروا , كيف لا وهم يعتمدون على القراءة في حقلهم الثقافي لذلك سيبحثون عن أماكن أخرى لا تحارب بها الثقافة نحن كمواطنين نعتبر هذه المكتبات حق من حقوقنا متمثل هذا الحق في القراءة , والمتضرر الأول من مثل هذه الإزالات هو المواطن لأن هذا جزءا من تاريخه أما الخاسر الأكبر فهو المحلية لأنه لا شيء يدوم لها .
نفي
لجأنا إلى وحدة الخرطوم شمال وقابلنا الأستاذة أمل محجوب هناك وتساءلنا عن امر الازالة للمكتبات والذي ازعج نفر كبير من الناس وقالت الاتي: (دي ما اسمها إزالة الازالة بتتم من غير رضى صاحب المكان ولكن هم الذين فككوا حاجاتهم بمزاجهم وبالتراضي ) ! وأضافت الأستاذة أمل محجوب غبوش مدير وحدة الخرطوم شمال الإدارية إجابةً لسؤالنا عن الأسباب التي أدت الى إزالة تلك الأكشاك , أن السبب الرئيس هو تنظيم السوق وتطوير الشوارع وبررت ذلك بأن تلك الأكشاك عشوائية وعقوداتها منتهية ? حيث وجه المعتمد بعمل معالجات وقمنا بذلك فوراً وتمت المعالجة بأبسط مايكون حيث قمنا بإحضار كرين وتم رفع الحاجات (وأي زول اختار الموقع الهو عايزو) .
خفي حنين
وزارة الثقافة والإعلام والسياحة ولاية الخرطوم مشغولة بالاستقلال وإجازة الميزانية بعد محاولات عدة مع موظفي وزارة الثقافة والاعلام والسياحة بخصوص إفادتنا عن تأثير إزالة المكتبات الثقافية من قلب الخرطوم على البيئة الثقافية في العاصمة وما دور الوزارة في معالجة تلك المشكلة ومن هو المتضرر الأكبر وبعض الاسئلة الأخرى حيث لم نجد من يستلم منّا خطاب الإفادة بسبب عدم وجود السيد الوزير حيث كان حضوراً كل من المدير العام والمدير التنفيذي ولكن حراس البوابات لم يسمحوا لنا بالوصول إليهم لتوجيهنا للجهة المختصة لتفيدنا فعدنا بخفي حنين

اليوم التالي

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..