
في زيارته اليتيمة الي مدينة لندن ، أصر صديقي علي الوقوف عند ( قيفة) نهر التيمس ، أخذته في نهاية عطلة الاسبوع الي ساعة بج بن ومن هناك عرجنا الي مبتغاه وحلم زيارته ، طبعا وقفنا فوق الكبري وبلهفة سأل صديقي أين النهر ، فأجبته هاهو تحتك يشاهدك كما انت تطالعه .
انفجر صديقي في وجهي غاضبا ومرددا (بالله الخواجات ديل شابكننا نهر التيمس العظيم – نهرالتيمس العظيم وهو ده ! – نسميه في السودان خور زي خور أبو حبل قي أم روابة و وادي كجا في الجنينة يبلعه). لم أدر كيف أرد علي دهشته ثم أسغفني الله وقلت له الخواجات شعب يحمد الله ويشكره علي أقل النعم وبالشكر تدوم النعم وتزداد العطايا ، لو عندهم بس نهر النيل الازرق في لندن لأطلقوا عليه من الاسماء ما يجذب ولحج الناس لرؤيته والوقوف عنده علي مدار الساعة ولحقق لهم ذلك عوائد يعجز العادون حصرها. لدينا في السودان نهر النيل يمر ولا نكترث كثيرا لرفع ذكره في العالمين وعند بلوغه مصركانت تقدم القرابين فتيات في عمر الزهور يتسابقن طعما وقربانا للنيل وسميت مصر هبة النيل.
قيض الله لمدينة أم روابة خور أبو حبل والاضافة الوحيدة التي أدخلت علي يد الانجليز ، ليس بعيدا عن (قيفته) أقاموا غابة نيم لم أري لها مثيلا في العالم ولها منافع لا تعد ولا تحصي وما زالت تحكي عن عظمة بانيها ، وخور أبو حبل من الممكن اطلاق لقب عظيم اضافة لاسمه اذا ما أمهل الله الانجليز للبقاء في السودان لبعض الوقت بعد 1956م. خور أبو حبل له العظمة والتجله فقد منحنا الله (خورا) كان يمكن أن يكون في عظمة نهر التيمس أو نهر ايفون العظيم من حيث تطل مدينة استرتفورد مولد الكاتب شكسبير. الانجليز يحمدون الله و لذا تتنزل عليهم البركات. عند خور أبو حبل نتقاعس ولا نلم جانبيه بمرور الزمن الي أن تتحول مدينة أم روابة الي أخري تحاول أن تسقي نفسها ولو ماء ملحا أجاجا وهي التي كان يستقي منها الحاكم العام في عهد الانجليز.
خور أبو حبل العظيم يتكئ علي مدينة صناعية تعتمد علي زيوتها أوربا وما تزال ، لكن في العهد الوطني امتدت يد الخراب الي مصانع الزيوت فحولتها الي خردة ، الجهد لاعادة تلك المصانع لتعمل ثلاث ورديات ليس مستحيلا ، طاقة الشمس تحرق الابدان ومنها يمكن توليد الطاقة الكهربائية لتشغيل المصانع حول خور أبو حبل العظيم . حوض الخور يسع مصانع لحلج القطن والنسيج ولكن انسان المنطقة يغفل نعم الله ولا يحرك الحكام ساكنا لنقل خور أبو حبل وحوضه الي حيث صفة العظمة والتقدير.
لا يقف صديقي عن لطم الخدود ، ففي رحلتنا بالبص عبر سهول (الميدلانز) ، يزداد الطمع عنده ويقول ( يأخي الخواجات ديل ما يدونا المنطقة الخضراء دي بمصانعها في بيرمنجهام ويشيلوا مديرية كردفان كلها )، ازداد حنقي عليه وقلت له أن أبو جبيهة فقط وما تحويه من منقه وليمون وخضروات يمكن أن تسبق في ثروتها المنطقة التي تطلبها ثمنا ، هي من بعد ستصبح خرابا بأيدينا . يحلو له استفزازي فيقول صديقي ( ياود ضي النعيم ) انت تشوف في الحاجات الطيبة وتقول لي سوي داك وسوي داك ) .
مدينة أم روابة وخور أبو حبلها لا أستبدلها بكنوز بريطانيا وأراضي استراليا . سيذهب جيلنا ( جيل الخيبة والفشل) وسيأتي من أصلابنا جيلا يحقق العظمة للخور ويمتد الحبل الي غابات الهشاب ليتسابق العالم لجوارخور أبو حبل وينعت عظيما كما التيمس وايفون و يظل في اتكاءه عند غابة النيم التي سيزورها من يعرف قدرها وبهجتها.
وتقبلوا أطيب تحياتي.