ثقافة الارهاب!!

يبدو مفهوم الارهاب سلبياً في أعين البعض! لذا قد يتعجب المرء من هكذا عنوان، فهل للارهاب ثقافة ولم يحدد مفهومه بعد؟ وهو يتقاطع مع مفاهيم عدة، كالعنف، والقمع، والاخضاع، والسيطرة، والعدوان، وقد تملأ الصفحة بالمرادفات ولا تقف عند مفهوم محدد، لان الحدود ملتبسة بين العنف والثورة، والعدوان والدفاع، والقتل الجسدي والمعنوي، وملتبسة ايضاً من المواقف والمواقع، بين الحاكم والمحكوم، بين المحتل والمشرد من أرضه، بين الديمقراطية الخادعة والشرعية الفتاكة، هكذا تتداخل المفاهيم كتداخل الالوان في قوس قزح! وعلى هذا لا بد للتاريخ من كلمة، فهو الذي يعطي المفاهيم دلالتها، لانه يراعي الزمن ومراحل التطور، فهو ايضا مدخر التجارب الانسانية نضالاً وكبحاً له، ومن هنا يتساءل المرء هل للارهاب ثقافة.. ومن أين أتت؟!.
خير من يعرف هذه الثقافة وترويجها هم الاميركيون، يعرفونها منذ عصور، وقد أسسوا لها عبر احتلال ارض الغير والاستيطان، نعم هم الاميركان الذين قدموا للعالم ثقافة أفلام الرعب والقسوة وربوا الاجيال على رؤية سفك الدماء والقتل والتخويف والارهاب، ومشاهدة الابطال الخارقين في السينما الاميركية، هم الاميركان الذين قاموا باقتلاع الهنود الحمر بالقتل والرعب، فدمروا حضارتهم، وهم الذين يدعمون الصهاينة المحتلين وحتى كل الأنظمة الرجعية، فهكذا تأسست ثقافة الارهاب التي تفننت دول بصوغها مفاهيم الحضارة والديمقراطية التي تخدم مصالحهم وتحميها، الديمقراطية المضللة بتلاحم الشعوب حول شعار الحرية والعدالة وحب الوطن، شعار مؤقت لحين التمكين لممارسة حقائق مرجوءة وعند محطة نصف النهار الساخن تلقى بالاقنعة وتنزع القشور، بالرمد، فتصبح تلك العين عوراء حولاء لا قدرة لها في رؤية الوطن الا من جانب واحد هو مصالحها الخاصة، والتي لا يمكن نيلها الا بالارتماء على أحضان صناع الارهاب، هؤلاء الذين يعج تاريخهم بكل الممارسات البشعة المباشرة وغير المباشرة!
هي المخابرات المركزية الاميركية صانعة الارهاب والتي تعطي الدور الاساسي في محاربته، فهي التي اخترعت جميع تقنياته، من الاغتيالات، والتفجيرات وقلب الانظمة او زعزعتها، وهذا حسب مصالحها، واخيراً لعبة خطف الهبات بقطف ثمارها وتسليمها لجهة تخدم مصالحها بحياكة ثوب الشرعية ذات الزلزلة والدمار التي تؤسس لفكر متناقض، وردة ظلامية، فالعودة الى القرون الوسطى والقضاء على الحضارة والتمدن، وثمرة العقل البشري من عمران وانجازات لهو دون شك حقد وضغينة، وعودة الى الوراء لا تبررها شريعة ولا دين، بل تحقيق لما تحلم بها اميركا وتعبيد طرقها لانجاز خارطتها الجديدة، فالحضارة الانسانية ستتجاوز هذه الأزمة، فقد مر على التاريخ رجال وضعوا بصماتهم على جبينه اما طغاة وفاتحون، او ثوار اصحاب حق وقضية.
ان صياغة المفاهيم لا تكون بمعزل عن صياغة الفكر لا بل قد تكون نتاجا طبيعياً لتطوره، واذا كان لا بد من فهم صحيح للارهاب واقعا ونظرية، فانه لا بد من نظرة عميقة الى قضية العدالة والحرية، والى البحث عن جذور واسباب الارهاب وثقافته المتنامية، فشيء عظيم ان يلتئم عدد كبير من الدول في تحالف يشن حربا على الارهاب لا تنطفيء نارها قبل ان تقضي عليه، انه سابقة حميدة في تاريخ العالم، وعلى الجميع ان يسارعوا الى اجتثاث هذا الشر من جذوره العميقة قبل ان يشتد عوده، ويفرض نفسه، وشر الارهاب واحد ولو تنوعت مصادره وادواته، انه ارهاب الدول والاستخبارات، والمافيات والجماعات والافراد، واحتلال ارض الغير بالقوة، او بالتغفيل والحنكة السياسية، كذلك الآحادية في الحكم التي تفرض نموذجها السياسي باساليب تتراوح بين التفرد بالاقصاء، وبالاقماع وبممارسة الهيمنة على المؤسسات، كل هذه الامور تندرج تحت حقيقة الارهاب، اما الوعيد والسخرية والاستخفاف بالآخرين المخالفين بدلا من المقارعة والحوار فهذا شيء آخر! ياه….. كم هي بشعة صورة هذا الشيء الآخر!!
حدث هذا ويحدث لا في التاريخ القديم وانما في تاريخنا الاكثر ادعاءً بالعدالة والحرية والديمقراطية، بل والاكثر حاجة لحياة نظيفة تتراءى كاطهر تجسيد لكرامة يكتسبها حلم هذا الزمن الغريب الذي اصبح مسرحا يستعيد الصراع في لعبة القاتل والمقتول المماثلة للعبة ان تكون معنا او ضدنا وفقا لقوانين الاقوى في السلاح، الاقوى في الامكانات، الاقوى في السلطة، وبلا حدود؟
ونحن هنا في السودان ذات الموقع الاستراتيجي في محيط القرن الافريقي الا ينبغي ان نجد حلا لهذه الأزمة والحرب المحمومة الجارية، المعلنة منها والمخبوءة والمرجوءة في جهاتنا الاربع المحاطة بدول تتحدث بالعربية وغير العربية، والتي تربطنا بها استراتيجيات حدودية ومصالح مشتركة تستحق الموازنة ذات الحنكة والا يمكن ان يتعكر الصفو ويتأجج لهيب الارهاب الذي يفتح الطريق أمام المسعى الامبريالي للتسلط على التاريخ في محاولة لاغلاقه على الفساد والمؤجج للدمار، للحقد والكراهية، وعلى أية حال سيمضي وقت طويل قبل ان تنجلي الحقائق، ويظهر الظالم من المظلوم والراعب من المرعوب، وتبقى ثقافة الارهاب عنواناً شنيعاً لعصرنا ولاضطهاد الشعوب الضعيفة والفقيرة واضطهاد الاقليات ومحاولة محوها، لذا لقد آن الاوان لوأد كل ارهاب إينما كان.
عبده دهب شيبون
الصحافة