
أشرقت شمس الخرطوم في ذلك السبت دون ضوء ، وبلا هالة ، ولا شعاع ، ولم تطر حمائم أيكها ، ولا مادت أفنان دوحها ، ولا اصطفقت أمواج نيلها ، وبزغ فجرها دون أن تسمع لعصافيره زقزقة ولا شقشقة ولا تغريدا.
عمَّق هؤلاء جراح الخرطوم ، كما لم يحدث من قبل ، ولم يوجد ما يضمد تلك الجراح ، كما ضمدت هي جراحات سابقة:
*هبّت الخرطوم في جنح الدجى*
*وضمدت بالعزم هاتيك الجراح*
لأنَّ جرحها هذه المرة استعصى على التضميد ، وفَتْقُها هذه المرة اتسع على الراتق.
*لكِ الله يا أرضا على الشوك تنطوي*
*وتذرو هباءً وردها والأقاحيا*
*تموت الذرا فيها وتحيا بلاقع*
*تموج بأشباه غمرْن الفيافيا*
*حي على الصلاة*
*حي على الفلاح*
لم يكتمل نداء المؤذن لصلاة المغرب ، حتى خالطتْه أصوات الانفجارات فطمست عليه ، فلم يدرك الصائمون بِمَ يدعون؟ بقبول صيام يومهم ، أم بخمود صوت المدافع!! .
فليعلم هؤلاء أنَّ هذه الأرض أكرم منهم وأكبر منهم وأفخم منهم وأشرف منهم ، لا يليق بهم الجثوم عليها ، فالضفدع إنْ مُهِّد له أريكة وثيرة فلن يبقى عليها ، بل سيقفز منها ؛ لأنه يستطيب البرك والمستنقعات.
لم يرقُب هؤلاء في سوداني إلًّا ولا ذمة ، وجعلوا بأسهم بينهم شديد ، وأصاب بأسهم الأرض والإنسان ، وأهلك الحرث والنسل…
لم يراعوا شهرا كريما ، ولا خواتيم مباركة ، ولا نسائم عيد بدأت تهب.
فليُعِدُّوا جوابًا عندما يسألهم الديَّان عن تلك النفوس : بأي ذنب قُتلت؟ عن تلك الدماء بأي ذنب أريقت؟ .
وعجبي من الفريقين ، فحينما يقتل أحدهما من الآخر يهتف : الله أكبر ، وحينما ينتقم ذلك الفريق من الأول أيضا يهتف : الله أكبر! .
قاتلَ الله أولئك الذين إذا اتفقوا سرقونا وإذا اختلفوا قتلونا .
من المستفيد من ترويع الأطفال؟ .
من المستفيد من أن يحول بين المصلين ومساجدهم ، والقانتين وتهجدهم ، والبائعين ومتاجرهم ، والمتنزهين ومتنزهاتهم ، والطلاب ومدارسهم؟ .
من المستفيد من تعطيل المستشفيات وضرب المسعفين ومنع الأطباء من تطبيب الجرحى بل قتلهم؟ .
من المستفيد من حرق مبنى وزارة التعليم العالي وتدمير وثائق تحتوي على قاعدة بيانات للجامعات؟ .
من المستفيد من إطلاق النار على طائرات تحمل معتمرين؟!
من المستفيد من تعطيل المطار الرئيس في البلاد ، وضرب محطات الوقود والمياه والكهرباء؟ .
ولو انتهت الحرب بغلبة أحدهم ، فماذا سيجد ليحكمه سوى الدمار والخراب؟! .
فقد تقطعت أوصال البلاد ، وحِيلَ بين المواطنين وبين ما يشتهون ، هذه أيام مباركة يستعد فيها السوداني لترتيب أموره ؛ للاجتماع مع أهله وأحبابه وللمِّ الشمل بينهم ؛ للاستمتاع بقضاء العيد بفرحة وحبور ؛ لأنهم يؤمنون بقوله تعالى: (*قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون*) .
فالعيد هناك له بريقه ورونقه وجماله.
الله أكبر الله أكبر
ما صام صائم وفي مثل هذا اليوم أفطر
الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا
وسبحان الله بكرة وأصيلا
وصلى الله على نبينا محمد
وعلى آل محمد ، وسلم تسليما كثيرا
هل ثمة إمكان لسماع ذلك في عيد هذا العام؟ .
وإن سُمع ، فكيف سيكون وقعُه على أم ثُكلت في ابنها ، وزوجة رملت في زوجها ، وابن يُتِّم في أبيه ، وأسرة لا تدري عن مفقودها أحيٌّ هو أم ميت؟.
هل ستعدُّ الأمهات لأبنائهن حلوى العيد وكعكه وبسكوته وخبيزه ، أم سيبحثون عن مخابئ آمنة لهم؟! .
هل سيطالب الأطفال آباءهم بشراء ملابس للعيد ودُمى وعرائس وهدايا و”وعيدية” أم سيكون المطلوب هو أمنهم وأمانهم؟! .
ولكن رغم ذلك الأفق المعتم الماثل أمامنا ورغم تلك الرؤية الضبابية التي تتجسد حاليا ، ومهما قال المرجفون في المدينة ، فإنّ هذا الوطن لن يتفتت وسيبقى شامخا شموخ إنسانه ، وهذه الأرض ستظل راسخة رسوخ جبالها الرواسي، وهذا المواطن الذي أرادوا له أن يكون لاجئا مطارَدا شريدا سيثبت في أرضه بعزة لا يفهمها هؤلاء ، وبأنفة لا يعيها أولئك ، والله غالب على أمره ، وقاهر فوق عباده.
الله يبارك فيك والله ماقلت إلا الحق هؤلاء الاراذل طلاب السلطة سوف لن يجنو إلا البوار ونحن ثالتون في بلدنا نموت فيها ونحى فيها لانامت أعين هؤلاء الاراذل المرتزقة طلاب السلطة قاتلي الصائمين في العشر الأواخر من رمضان المبارك سواء كان برهان او حميدتى عليهم اللعنة جميعا ومن عوانهم يارب العالمين.
سلمت يداك استاذنا ابا ياسين ما قلت الا الحق ونسال الله ان ينتقم منهم بفضل هذا الشهر الكريم وهم كل نهاية شهر فضيل يلبسوا الوطن والمواطن وشاح الالم والسواد والقتل
نتمنى ذالك
لكن الا يمكن ان تذهب هذه الحرب بالوطن نفسه؟
نسأل الله أن يحفظ الوطن/ بأمر الله يخرج سالما من هذه الازمة رغم الجراحات العميقة