مقالات سياسية

عن انتفاضة شعبنا نحكي (2)..!!

أحمد ضحية

مرة أخرى نترحم على أرواح الشهداء. وسنظل نترحم في كل ثانية. وأرواحهم الطاهرة ترفرف فوق هامات الجموع الهادرة. وتتقدمهم للتغيير الجذري. لهذا الوطن الجريح.

وإذ لا ننسى جرحانا. الذين روت دمائهم ودماء الشهداء. كل شبر من هذا الوطن الواسع الجغرافيا. المتسع الأحلام. كذلك يظل وعد الشعب. بدك حصون النظام الاسلاموي البغيض. وتحرير المعتقلات والمعتقلين. الذين سطروا أسماءهم بأحرف من نور. على لوحة شرف هذا الوطن الجبار.. لوحة خالدة كالنقوش على جبل (بركل) وجدان الشعب!

ومرة أخرى. وفي كل ثانية نحيي (كنداكاتنا) في (براري) الثورة ومدني وبورتسودان وعطبرة وامدرمان والخرطوم وبحري. ومدن السودان قاطبة و زغاريدهن (تتش) عين الظلام بالضوء.. و (تفج) عنان السماء ليلتقي حنان الأرض بأشواقها. يخصب سودان الثورة بأفكار النهضة ورؤى المستقبل. في سودان التغيير الجديد!

ومرة أخرى نحيي جماهير ثوارنا. أبناء هذا الشعب العظيم. الذي قلب الطاولة (على رأس الجميع). في الداخل والإقليم والعالم. وأصبح بثورته المجيدة. وما تحمله من رؤى وأفكار. ومفاهيم تليق بهذا الشعب العظيم. مركزا للتوازنات. لن تجدي كل محاولات التآمر في الداخل والإقليم والعالم. على تحريكه من موقعه المركزي. قيد أنملة.

فهي ثورة شعب. اختزنت من مصادر إلهامها الثوري. المتراكم لمئات السنوات. جذوتها وقدرتها على الاستمرار والتجدد. والوصول الى أهدافها. فالشعب مصدر الإلهام الأزلي ضامنها وحاميها. وكل الأطراف الأخرى. (صدى) (لصوت) الشعب المدوي و المجلجل بالزغاريد والهتاف! لذا يا سيدي الجنرال ارعوي. واسمع واعي: نشطاء الفيسبوك والواتساب. ما (خلو) ليك (صفحة) ترقد عليها. والثوار فى الميادين يتدفقون بالآلاف المؤلفة من كل فج.

والسجون والمعتقلات امتلأت ب(العملاء والمخربين). وليس بالإمكان اعتقال كل أفراد هذا (الشعب المخرب العميل). فكلما قتلت أو اعتقلت ثائرا. يخرج لك الشعب ألف ثائر. وقصة (تلم) مؤيديك في الساحة الخضراء (بكرة) ما (جايبة حقها)! وما (بتمشي لقدام) وقد جربت سلفا في انتخاباتك (المخجوجة) التي قاطعها الشعب. كيف هي ارادة الجماهير عندما تقرر. وقد جربت سلفا استجابة القوى السياسية والحركات المسلحة للحوار الوطني بذهن مفتوح من (ابوجا) الى (اديس ابابا) ومن (الدوحة) الى (الخرطوم) ولكنك ظللت تستهر و تلعب بالبيضة والحجر. فأنت ابدا لا تفكر كرجل دولة. ولا تقدر خطورة الاستهتار بمصائر الشعب. ولذا لم يعد لهذا الشعب ثمة خيار آخر سوى اسقاطك رغم انفك. غير مأسوف عليك. الى مذبلة التاريخ! السودان ليس سوريا. وبشار وأردوغان والسعودية والخليج وأمريكا أو روسيا. لن يجدوك نفعا كما تنبأ عرافيك!..

ألا تشم رائحة الخيانة حولك بين الأقرباء والمقربين منك. كل حكاياتك البائسة عن نفسك في خطاباتك وأنت ترقص و(تشتم) الشعب وتهدده. وحكاية أمك عن ضربك لها في عضم الشيطان. بسبب (قنقر عيش) ومشكلة ركبتك وكسر سنك وقتلك لرفاقك في حوادث مشبوهه للطائرات  و.. و.. يتفجر الآن مثيرا سخط الشعب وسخريته المرة!

وإعلامييك أولاد (المصارين البيض) ناس ضياء والهندي وخوجلي واسحق والتوم وأشباههم من (خوابير وطنية) و (ناس الحس كوعك وعلمناكم اكل الهوت دوق والبيرقر يا شحادين) وقوش.. وغيرهم من أشباه الرجال الذين تعتمد عليهم لقمع الشعب.. جميعهم فشلوا في تشكيل الرأي العام لصالحك. وضرب الاحتجاجات بتلفيق الاتهامات للثوار. بأنهم مخربين ومندسين وعملاء لاسرائيل حينا. ويقودهم (كيان غامض) حينا آخر..

فشلوا حتى في القمع المفرط الذي يجيده نظامك. فانت الان الرهينة! وهؤلاء جميعهم أيها الجنرال يخشون العواقب. و يحاولون التنصل من عبئك الثقيل (يا ثقيل) و النجاة بجلودهم قبل فوات الآوان. لقد أصبحت ونظامك اضحوكة. وفي ورطة كبيرة. فماذا أنت فاعل فيما ترى خالك يجهز (بقجته سرا) ليهرب!

أيها الجنرال ها هم قادمون. كل واحد منهم بمثابة (أمة) بكاملها. و صوته يجلجل بالهتاف: أنا من أنا. (ود قلبا).. (الراسطة) والمثقف. (بقلبا).. (بقلبا)… أنا الشعبي البلدي (الحبوب) و(تربال) جروف الشاطئ الغربي للنهر. وحارس الطابية المقابلة النيل. وسيد الجلد والرأس. وصانع الفخار و (العناقريب) و(النطوع) و (المشلعيب) و (الشمال) و (البروش) راسخ كما طين بيوت وطني العتيقة..

أنا الثائر (محمد ود نوباوي). قاتل غردون. أنا أم درمان. انا السودان. أنا الثوار. الذين مهما هم تأخروا فانهم يأتون.. أيها الجنرال: الآن جميعهم يخرجون من الريف البعيد. أجدادنا و حبوباتنا وابائنا وامهاتنا واخواتنا واخواننا واولادنا وبناتنا..

ويخرجون من معسكرات النزوح والتهجير القسري و(الكنابي)  والسكن العشوائي خارج التخطيط. ومن الأزقة والحواري.. من بيوت القش والصفيح. وبيوت الطين و العمارات السوامق. الناس. كل الناس.. القيافة أساتذة الجامعات. والموظفين المتأنقين بكرفتاتهم وملابسهم الإفرنجية. و الكنداكات والشباب. الطلاب والتلاميذ. بلباسهم الشبابي (الكاجول) وحلاقات شعرهم وتصفيفاتهم المميزة و(بناطلينهم الناصلة)!

(الشفوت) (التفاتيح) و(الأصليين) وأهل (الرصة والمنصة). وأصحاب الجلاليب البيضاء و (على الله) و (جناح أم جكو) والعمائم و (الأياقين) الجميلين بثيابهم الشعبية السودانية و(التراثية) المميزة: الدراويش المجاذيب.. و ناس الكونغولي الأفريقي. الذين استعادوا للتو. مناخ حركات التحرر في الأربعينيات والخمسينيات من القرن المنصرم. وبدو البطانة ناس (الجلابية) و (التوب) و ناس (الجبة) و(العراقي) و(السديري) و(السروال)  و(المركوب). و (اللاوو) و(رحط) السعف والخرز الملون و(ام فكو ساي) الا من إزار ضئيل..

جميعهم. ب(نقاقيرهم) و(رباباتهم) و(وازاهم) و (زمباراتهم) وطنابيرهم و(دلاليكهم) وزغاريدهم و(أم كيكيهم) واوركستراهم. ورقصاتهم الاحتفالية تتوحد في رقصة الثورة السلمية ضدك.

ب(مساديرهم) و (دوبيتهم ) و(جدعاتهم) و(جراريهم) و(رمياتهم) و (اشعارهم) و (غناءهم) العذب.. جاؤك (باسبارهم) (يلتحمون) بكل ذرة في وجدان الشعب/ الأمة. ليشكلون ملحمة الوطن!
تتقدمهم ست الدار بت أحمد جابر والضو و الزين ود حامد وعم عبد الرحيم و النوباوية. وادروب ومحمد أحمد واستيلا وشول ودينق وجون قرنق. ومحمود محمد طه وعلي عبد اللطيف والقرشي والطفلة مشاعر والطفل شوقي  وآدمو و اسحق.

جميعهم  يخرجون من رحم القصائد. وركام الثورة المهدية واللواء الابيض و اكتوبر وابريل و هبة سبتمبر وثورات الهامش.. و.. ليندمج هتافهم في هتاف الكنداكات الثائرات و زغاريدهن. في هتاف الثوار المتصوفة. الافندية. الأكاديميين. الحزبيين. المدنيين. الحركات المسلحة. أطفال المدارس. النازحين اللاجئين. المغتربين. المهاجرين. المعتقلين. المدن والبلدات والقرى. التي أفاقت للتو من نوم عميق. وحطمت (الساقية) فالوطن. الآن لم يعد (الرهينة). تمرد على (خبيبه) ورا التيران. تمرد على الأسى ولم يعد (منغلبا) فقد شد (الضراع) وهتف: الحق هو النضال.. الحق في ساحة مجزرة.. والنصر للفاس والرجال ولسواقي مدورة..)

فماذا يريدون أيها الجنرال بعد ثلاثين عاما من النهب والفشل والفساد. وسياسات الإفقار والإبادة. أنهم يريدون اسقاطك. لانك العقبة الكؤود أمام بناء وطن لا يصنفه العالم على أنه راعي للإرهاب.. وطن فاسد وفاشل و آيل للانهيار.. يريدون وطنا جهاز خدمته المدنية يتسم بالنزاهة. واتباع القوانين. و لا مكان فيه (للواسطة) والمحسوبية والرشوة والسمسرة والاحتكار. وطن غني بموارده ومواطنيه (عماد ناتجه القومي). صادراته الصناعية الزراعية و الحيوانية والغابية والبرية ومشتقاتها.. يستدين منه العالم ولا يستدين من أحد!

وطن للحريات والحقوق الأساسية. يسود فيه القانون ولا يفلت فيه احد من العقاب. او يعتقل بسبب رايه او قناعاته او سحنته او دينه او يختفي قسرا. أو ينتهك اي حق من حقوقه.

وطن تتمتع فيه المرأة بحقوقها كافة دون تمييز. ولا تموت فيه النساء الحوامل بتعثر الولاده او انعدام التغذية والعلاج المجاني او يتم اغتصابهن لأي سبب. سواء باستخدم ا(لاغتصاب سلاحا في الحرب) أو في المناطق شبه الآمنة.

وطن خالي من العادات الضارة و من المشردين والمهمشين و المكتئبين. بسبب السياسات الخاطئة وانعدام الحريات.. وطن لا يغترب أو يهاجر أو ينزح شعبه أو يلجأ. فالتنميه وسبل كسب العيش والحياة والأمان في كل نواحيه..

وطن ليس فيه مشكلة اوبئة او مياه او كهرباء أو صرف صحي. بنيته التحتية متينة.. وطن بموارد السودان البشرية والمادية  لا يمكن أن يعرف. شعبه الجوع او اقتصاده التضخم.. وطن غني. آمن. جاذب للاستثمار والسياحة.. وطن منتج لا يعرف (اللف والدوران) وغسل أموال تجارة المخدرات والسلاح واللحم الأبيض. وكل أنواع التجارة الممنوعة قانونا.. وطن لا يسكن شعبه بالإيجار. ولا يعاني مواطنيه من الفقر وضنك العيش وقلة الحيلة..

وطن سجله نظيف. قادته مثاليين غير متورطين في جرائم. و مطلوبين جنائيا لا داخليا او خارجيا لاي جريمة أو مجرد جنحة، وطن مزدهر علميا وثقافيا ورياضيا واعلاميا. وطن يتم تداول السلطة فيه سلميا. وينتخب مواطنيه ساسته (بناء على برامجهم) وليس بسبب ولاء طائفي او ديني او عرقي أو جهوي. أو أي نوع من أنواع الولاءات غير الموضوعية.

وطن لا تكون فيه الشائعات والاتهامات الجزافية. والاكاذيب والاستنتاجات  بديلا عن الحقيقة. فالاوطان تبنى على الحقائق الموضوعية.  والحقائق وحدها. وطن يحمي حقوق الطفل من صحة وتعليم وغذاء مجاني.. وطن لا يموت فيه الأطفال بسوء التغذية أو انعدام العلاج او النزاعات المسلحة. وطن يمنع الضرب كوسيلة عقابية في المدارس. ويمنع زواج القصر. وتجنيد الاطفال او ما دون السن القانونية. وطن يجد فيه أساتذتنا وعلمائنا المكانة التي يستحقونها. وكبار سننا التبجيل والرعاية التي يستحقونها. وطن يبني كل الجسور الممكنة للتوحد مع جزئه الجنوبي. ويسترد أي شبر احتله الغزاة شمالا وشرقا وغربا.

وطن (لا يشتم) ساسته شعبه و يعايرونهم ويستفزونهم ويستعلون عليهم و (يقلون) ادبهم على الكبير قبل الصغير.

بعد عشرات السنوات سيحكي الأجداد الشياب (أبناءنا) لأحفادهم عن كيف صرف النظام أموالا باهظة لاحتواء الثورة. وكيف استعان ب(الخبرة المصرية) في ضرب الثورات. بالدعوة مدفوعة الثمن لمسيرة مليونية يخاطبها رأس النظام  في الساحة الخضراء. استجلب لها بسطاء الريف البعيد. بالصرف من مال الشعب لترحيلهم وسكنهم واعاشتهم. و رشوتهم.

وتماما كما خاطب القذافي من (باب العزيزية) شعبه (المقمل) كما زعم. و على غرار مسيرة تأييد النظام الانقلابي المصري. التي أباد بعدها معارضيه في (ميدان رابعة العدوية). وكيف تفادى ثوار الشعب هذا المخطط التآمري الرهيب. وافشلوه! فانتهى إلى نهايه بن علي ومبارك وصالح وكل الطغاة عبر التاريخ. الذين لم تثبت المجازر أقدامهم. بقدر ما كتبت نهايتهم على ايدي شعوبهم!

سنحكي لاطفالنا عن كيف تصدى الشعب لمحاولات سحب البساط من تحت أقدام (الثوار الشباب) و(تجمع المهنيين) و أجهض محاولات شق الصف والكيمان. فالوثيقة (مفتوحة) لجميع المعارضين بالتعديل والإضافة ولا حاجة لقيام (أي كيان آخر) معارض او طرح اي (وثيقة اخرى) طالما. بالإمكان (التعديل) و(الإضافة)على الوثيقة الأساسية. التي تفجرت بموجبها الثورة. فقد أرهقت سياسة (الكيمان) والكيانات المعارضة المدنية والمسلحة (الكتيره لمن مسيخة) هذا الشعب واهدرت طاقاته. وجزئت حتى الجغرافيا والمجتمعات وقسمتهم. لذا صمام أمان هذه (الانتفاضة/ الثورة) في التوحد (حول الشباب و تجمع المهنيين). هذا هو صوت العقل (إن شئتم). و أعنيك يا جارة!

إنها مرحلة جديدة تخطوها الثورة. لاعادة كتابة تاريخ هذا الوطن العملاق. سيدرس أطفالنا منذ الآن في المسامرات العائلية ما يدرسونه لاحقا في الحصص المدرسية. سنحدثهم عن كيف نهضت أكثر من ثلاثين مدينة شرقا وغربا وشمالا وجنوبا ووسطا على قلب رجل واحد وهتفت: (يسقط بس!)..

وكيف تجمع ملايين المنفيين المنتشرين في عواصم العالم وهتفوا: (يسقط بس!)
وكيف تلقت الكنداكات (البنبان) بطرحهن. وقذفنه مرة أخرى على عصابات النظام الملثمة.. وكيف فر (كوزا) رعديدا ككل (الكيزان) هاربا من عصا شيخ طاعن في السن. تلبسته قوة الثورة وروحها!.. وكيف أن (رباطة النظام) الذين تربوا في كوكب آخر غير كوكب السودان فلم يعرفوا معنى (مقنع الكاشفات) ظلوا يهاجمون دوما الأطفال والنساء في غياب الرجال وهم ملثمين. فيما الكنداكات كاشفات وجوههن.

وبقدر ما يخشى (رباطة النظام) يوم الحساب القريب. يتقدم الثوار العزل الا من أحلامهم بوطن (وطن).. بثبات دون خوف أو وجل. كاشفين وجوههم وصدورهم. يواجهون الهراوات. والرصاص. الذي طالهم حتى في المساجد وهم بين يدي العزيز المقتدر. يؤدون صلاة الوطن!

سيدرس أطفالنا أن ميكروفونات المساجد أصبح آذانها هو هتاف الشعب. وخطب الجمعة دفتر أحوال للشعب. والصوفية الذين كانوا في (مملكة سنار) هم من يواجه السلطان لرد الظلم عن البسطاء. استعادوا تاريخهم ضارب الجذور. قبل الغزو المصري التركي. الذي أبدل العلماء السناريين بعلماء أزهريين. ما شرخ هوية السودان. لكنه مع ذلك كان وسيظل (سودانيا) مزيجا رائعا للهويات المبدعة و مقرنها وملتقاها. وقاعدتها الصلدة العصية على الاختراق والهدم. مهما تكالبت عليها عوامل التعرية المصرية ورمال صحراء الربع الخالي. ومهما تآمر عليها البدو الأقحاح أمراء النفط!

فهاهم الآن شيوخنا المتصوفة بمريديهم و(حيرانهم) وأتباعهم يقولون ما ظل يقولوه اجدادهم لسلاطين الفونج قبل مئات السنوات. وهم يدعون في حضراتهم (بلى وانجلى).. ومن خلفهم الشعب يهتف: (تسقط بس!)..

سنحكي لابنائنا عن قانون الثوار الصارم ل(تنظيم الأحزاب السياسية). التي تناسلت كالنبات الطفيلي. فليس بعد الان مليون حزب. ثلاثة او اربعة احزاب تكفي. فبرامج جميع هذه الاحزاب لو (قلبت الهوبة) بامكان هذه الاحزاب الثلاثة (يسار. يمين. وسط) استيعابها.

انه شعب مرهف. جميل. كيف لا وقد استبدل وجدان شبابه اليافع اغنيات الكيزان الدموية. التي تحث على القتل والاستعلاء وسفك الدماء والاستعباد والاستباحة. بغناء يحث على الحب والحياة والمواطنة.. غناء للحبيبات الكنداكات. اللائي كل منهن وطن (تم نفيه) في هذا الوطن.. هاهن يزغردن الان و(الحواتة) يرجعون صدى هذه الزغاريد فيتقاطرون من كل فج. يتقدمهم طيف الراحلين الخالدين: وردي والعطبراوي وابو داؤود ومصطفى سيد أحمد وووو .. و محمود عبد العزيز.. و من عليائهم يخرجون السنتهم ويهزون اذونهم بأصابعهم  في وجه النظام ولسان حالهم يقول: من هو المعتقل فينا الآن؟!

ليس بعد الآن أغنيات العنصرية والقتل والابادة. فهي ثورة الغناء للخبز والشمس والحرية والهوى الجنوبي ومشاعرنا ودمنا و جيناتنا المزروعة في كل شبر من (حلفا لي نمولي) ومن حلايب والفشقة حتى (دار فونقرو) التي تتعدى الجنينة وتستشرف انجمينا. إنها ثورة شعب السودان بسحناته وثقافاته المختلفة. ولغاته التي هتفت بشعارات التحرر والانعتاق.

ثورة دستورية. فالشعب هو صانع الدساتير. ثورة في الوعي والمفاهيم والحقوق والقوانين. و خطوة تأسيسية لإعادة كتابة التاريخ واعادة كتابة مشروع النهضة حبيس الأذهان والاراشيف. لاجل ان يحتل السودان المكانة التي يستحقها بين الأمم العظيمة في العالم الأول.

انه شعب ممتلئ بالأمل الآن. يسعى الى أن يشيد من أكوام جماجم المواطنين في (هامش الابادات الجماعية) معبرا لوطن المواطنة والحقوق والتنمية. و يشيد من ذكريات القمع والبطش والاستبداد الاسلاموي وطنا للحرية والسلام. وعلى أنقاض الفسدة والفساد ازدهار ورخاء ونظم حديثة للتعليم والصحة وكل الخدمات. وطن الكفاية والعدل والتقدم العلمي في التصنيع والزراعة وتوطين التكنولوجيا.

سيدرس أطفالنا كيف نفكر في بناء وطن مهاب. يفكر الآخرون الف مره قبل ان يطمعوا في اراضيه او موارده. وطن مرهوب الجنسبه وجواز السفر و لا يتجرأ أحد بالتقول عليه. ويستطيع حماية أبنائه المغتربين والمهاجرين في أي مكان. ولا تجرؤ دولة اغتراب او مهجر ان تدوس لأحدهم على طرف. إنه الوطن الجديد الذي نريد.

ستمر عشرات الأعوام وسنحكي لاطفالنا لحظتها. عن كيف بدأ النظام في الاسبوع الثالث للثورة بتهريب اسره الى خارج الوطن. وعن كيف استعد من تبقى من مفسديه ب(بقجهم) استعدادا للهرب في أي لحظة. وعن كيف ذبحوا الثيران احتفالا بفصل جزء من الوطن ادمنا عشقه وتركونا بلا عشق الى ان تفجرت الثورة. وعن جيوش المرتزقة التي استوردها النظام من قبل الارض الاربعه لاجهاض الثوره ومع ذلك انتصرت وذهب النظام وبقى الشعب.

وفي مثل هذه اللحظات الحميمة بعد عشرات السنوات سيحكي الأجداد لأحفادهم عن كيف هدمت هتافات الثوار بنية النظام وتحالفاته الطائفية والطفيلية وكيف حاولت أطراف الحلف النجاة بالانشقاق على النظام والالتحاق بركب الثورة. وكيف حاول رموز في قيادة النظام وأجهزته الفرار والنجاة بجلدهم.

وعندما يسأل الاحفاد اجدادهم سيقولون: ثرنا لاجل وطن يمتلك شرطة وجيش وطنيين محترفين ومهنيين عقيدتهما  العسكرية حماية. الشعب والأرض والعرض. والحياة الديمقراطية. ف(نمط الحياة الديموقراطية)  قضية أمن قومي. فهي مصدر إلهام الدستور والقانون وعلى الجيش والشرطة حمايتها. ثرنا لأجل جيش يرابط  في ثكناته ودائما مستعدا للدفاع عن ارض وأجواء وعرض الوطن. ويكف عن اقحام أنفه في السياسة. فالسياسه ليست مهمة جند الوطن. السياسة مهمة هذا الجيل الشاب المؤهل الواعي الجديد. الذي نراهن عليه لانتشال الوطن من وهدة (الديناصورات التاريخيين) قبل انتشاله من (جب الكيزان).

وطن يحتفي بالمرأه ولا يطلق خلفها كلاب الفساد والافساد. ولا يزلها بمؤسساته الأمنية الساقطة أخلاقيا كالنظام العام. وطن خال من السلفيين (ملاك الحقيقه المطلقه الأدعياء) الذين يتوهمون أن بيدهم خزائن أسرار الدين ومفاتيح الجنان. و الذين يزجون بكل من عداهم في جهنم فوحدهم الفرقة الناجية.

سيدرس أطفالنا حصار أبناء هذا الوطن لسفارات النظام في عواصم العالم. ومجهوداتهم في ايصال صوت الثوار ودعم أسر الشهداء والجرحى والمعتقلين وتفكيك الحصار الإعلامي العربي. ومتابعة التآمر خطوة بخطوة وكشفه للجماهير. ومطالبتهم بالأموال التي نهبت خلال ثلاثين عاما من البنوك الأجنبية. ورفع الوعي بخطورة الفساد على التنمية واستقرار الدولة وحياة الشعب ووحدته وتماسكه.

وطن يستثمر امكاناته ابناءه وليس الاجانب. فالكلمة الاولى للمواطن الشريك حتى في الاستثمار الاجنبي.

وطن لا تعاني فيه النساء ويتمتع فيه الأطفال وكبار السن والمعاقين ذوي الاحتياجات الخاصة والمشردين بحقوقهم كافة. فالوطن عليه واجبات كما له حقوق. والوطن هو نحن فالجغرفيا دون شعب لا تعني شيئا. وبقدر ما تعطي الوطن كمنتج في اي مجال عامل او زارع او صانع او مدرس او اي مجال يعطيك. هكذا تبنى الاوطان. بالعمل والإنتاج.

وطن يجرد (العطالى السلفيين) عملاء الوهابية والوجه الآخر والاحتياطي الرجعي للكيزان من هذه الأموال التي يوظفونها في زرع الفتنة الدينية. كيف لعاطل القدرة للصرف على أربعة نساء بأطفالهن. كيف لعاطل أن يعيش بهذا البذخ و (يحلي بالباسطة) والتورته ويتسلى بالمكسرات ويأكل ما لذ وطاب. فيما ثمن الطعميه الواحدة تعدى الجنيه؟ والخبز ثلاثة أضعاف قيمته الاصلا باهظة؟ من اين لهم هذه الاموال المشبوهة التي لا توظف لخير الوطن بل لشر يراد بنسيجه الاجتماعي والثقافي والديني. ووحدته الجغرافية والسياسية..

سنحكي لاطفالنا كل هذه التحديات فيما نحكي عن بسالة مدني وهي تسترد اعتبارها والبراري وهي تفك حصار الجامعات وعطبرة وهي تحرر المعتقلين. وبورتسودان وهي تعيد لعروس البحر نوارسها المهاجرة ترفرف في كل المقار السيادية. والخرطوم وهي ترهف اذنها لهتاف كل المدن وتردد مع شاعر الشعب الخالد: محطه محطه بتذكر عيونك ونحن في المنفى.. وبتذكر سؤالك لي متين جرح البلد يشفى.. ومتين تضحك سما الخرطوم حبيبتنا ومتين تصفى)

سيدرس أطفالنا كيف خرج من رحم هذا الوطن جيل شاب جديد من القيادات المؤهلة أكاديميا ومعرفيا والمنفتحه الذهن والواعدة رغم المحاولات الحثيثة للنظام إعادة إنتاجهم وإهدار حياتهم وتعبئتهم ضد الحياة بأغنيات الإبادة: طلقه طلقه ودانا دانا… طلقة واحدة للمباعد والحدانا).. أماه لا تجزعي.. هاهم الان يغنون انا سوداني انا و الطير المهاجر. و يا شعبا لهبك ثوريتك و…
(على بابك قدر ما يمشي في سور الزمن خطوات
يلاقي خطى السنين واقفات..
يلاقي هواك نبت تانى وعلى بابك وقف تانى وملا الساحات..)

كثير هو زخم الحكايات التي سنرويها عن يوميات هذه الانتفاضة/ الثورة. وهي تتقدم يوما بعد يوم. مستلهمة دروس الماضي وعبره. مستشرفة آفاق وطن جديد رائع. لن يكون أبدا بعد الآن هو السودان ذاته. الذي لطالما عبث الأقزام بأحلامه وآماله وتطلعاته!

نواصل
……….

الثورة مستمرة والنصر أكيد..
الشعب أقوى والردة مستحيلة
لم يبق من ظل المقيل سوى القليل..
01/07/2019

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..