أخبار السودان

تقييد المقيد.. بعد أن أعلن مجلس شؤون الأحزاب السياسية عن تعديل قانونه لتقييد التسجيل.. هل سيفلح المجلس في معالجة العقبات التي تقف في طريق الإصلاح السياسي؟

الخرطوم ? عبد الرحمن العاجب
ثمة من يرى أن النخب السياسية والأحزاب فشلت في تحقيق طموحات المواطن المشروعة بسبب عجز االحكومات المتعاقبة، حتى بات البعض يطلقون عليه (وطن الرهانات الخاسرة) بعد أن ظلت نخبه وأحزابه الحاكمة والمعارضة لعقود مضت تعيد إنتاج الفشل بشكل مستمر وتدفع برهانات خاسرة لحلول أزماته المزمنة، فضلا عن فشلها في تحقيق الاستقرار السياسي الذي أرجعه البعض إلى فشل الصفوة المركزية والنخب التي دمغها البعض بأنها أوردت الوطن ومواطنيه موارد الهلاك.
(1)
الأحزاب السياسية السودانية التاريخية ممثلة في أحزاب (الأمة والاتحادي الديمقراطي والشيوعي والجبهة الإسلامية القومية) ليست بعيدة عن أزمات الوطن، بل كانت سببا فيها حينما كانت في السلطة أو المعارضة، وما ذهبنا إليه تؤكده الحقائق التاريخية منذ الاستقلال وحتى الآن، وبالنظر لتلك الأحزاب نجدها تعاني من أزمة تنظيم داخلية بسبب دعوات الإصلاح الداخلية التي أدت في نهاية المطاف إلى انشقاقات داخلها بسبب دعوات الإصلاح، حيث انشق حزب الأمة لعدة أحزاب تحمل ذات الاسم والاتحادي الديمقراطي إلى أصل وآخر مسجل، والشيوعي خرجت منه حركة (حق) التي بدورها انشقت لجديدة وحديثة، والجبهة الإسلامية انشقت بدورها إلى حزبين (وطني وشعبي).
(2)
وتشير متابعات (اليوم التالي) إلى أن جميع الأحزاب السياسية الكبيرة والتاريخية بما فيها الأحزاب الإسلامية تعرضت لانشقاقات عديدة خلال العقدين الأخيرين، وحتى الأحزاب الحديثة الأخرى والتي تمثل القوى الجديدة لم تخل من انشقاقات في صفوفها، بسبب دعوات الإصلاح الداخلية، كما حدث لحزب البعث العربي الاشتراكي الذي انشق لعدة أحزاب، وغيرها من الأحزاب الأخرى الحديثة التي تعاني من ذات الأزمات المزمنة، وبسبب تلك الانقسامات والانشقاقات وصل عدد الأحزاب السياسية في السودان إلى نحو (120) حزبا سياسيا مسجلا رسميا وغير مسجل، إلى جانب العشرات من الحركات المسلحة، وفاقت عضوية القوى السياسية والحركات التي شاركت في عملية الحوار الوطني التي أطلقها المشير عمر البشير رئيس الجمهورية أكثر من (130) كيانا وحزبا سياسيا.
(3)
وفي سياق متصل بالمسألة، قال مجلس شؤون الأحزاب السياسية إنه بصدد تعديل قانونه للحد من سهولة إجراءات تسجيل الأحزاب والذي أفرز أعداداً كبيرة من القوى السياسية. وكشف السفير عبدالرحمن ضرار الأمين العام لمجلس شؤون الأحزاب السياسية عن مقترحات لتعديل قانون الأحزاب السياسية خلال الفترة القادمة، وأشار إلى أن سهولة إجراءات تسجيل الأحزاب أفرزت أعداداً كبيرة من القوى السياسية الأمر الذي اعتبره يحتم تعديل القانون لمعالجة القصور والإشكالات التي صاحبت الممارسة السياسية. وأوضح ضرار في تصريح أدلى به لـ(المركز السودان للخدمات الصحفية، أمس الأول (الجمعة) أن الكثير من الأحزاب لم تتقيد بالقرارات التي يصدرها المجلس، ونبه إلى أن الواقع العملي لتطبيق قانون المجلس أفرز عددا من المشاكل القانونية التي تستوجب تعديلاً في قانونه حتى يتمكن المجلس من أداء دوره بالصورة المطلوبة. ودعا ضرار لضرورة اندماج الأحزاب ذات الخلفيات المشتركة في كيان يضمن لها الاستقرار والبعد عن النزاع الداخلي.
(4)
فكرة الإصلاح السياسي قديمة وتناولها قدماء المفكرين اليونان أمثال (إفلاطون وأرسطو) في القرن الخامس قبل الميلاد، وتحدثوا وقتها عن الأفكار الإصلاحية وأصبحت الفكرة موضوعا رئيسا في النظريات السياسية للفلاسفة والمفكرين منذ (ماكيافيلي) في عصر النهضة ومجيء حركة الإصلاح الديني في أوروبا وبروز المذهب البروتستاني بقيادة (مارتن لوثر)، ومن ضمن حركة الإصلاح السياسي في الغرب الثورتين الأمريكية والفرنسية، حيث قامت الأخيرة ضد الاستبداد السياسي ومن أجل تأمين الحقوق السياسية والمدنية للمواطنين عبر مبادئ (الحرية والمساواة والإخاء) الأمر الذي ترتب عليه ظهور الديمقراطيات الغربية بنظمها السياسية المختلفة من برلمانية ورئاسية ومختلطة.
(5)
غير أن دعوات الإصلاح السياسي تجاوزت الحيز المكاني للغرب وأوروبا وعمت العالم العربي وتحركت الشعوب وكسرت حاجز الخوف وأتت بما عرف بـ(ثورات الربيع العربي) التي أطاحت بأنظمة وحكام (تونس ومصر وليبيا واليمن)، وركزت ثورات الحرية في تلك البلدان على مطالب تحقيق الإصلاح في المناحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ويلاحظ أن التغيير الذي حدث في تلك البلدان كان بسبب تغلب وانتصار قوى التغيير وأدواته على قوى الممانعة التي تريد المحافظة على الوضع القائم وأدواتها.
(6)
مصطلح الإصلاح السياسي يعرفه قاموس (وبستر) بأنه (تحسين النظام السياسي من أجل إزالة الفساد والاستبداد) ويعتبر ركنا راسخا للحكم الصالح، ومن مظاهره سيادة القانون والمشاركة الشعبية في اتخاذ القرار والعدل وفاعلية الإنجاز وتجديد الحياة السياسية وتصحيح مساراتها وصيغها الدستورية والقانونية، والإصلاح نقيض الفساد والمقصود به الانتقال أو التغيير من حال إلى أحسن وعرفه قاموس (إكسفورد) بأنه (تغيير أو تبديل نحو الأفضل في حالة الأشياء ذات النقائض، وخاصة في المؤسسات والممارسات السياسية الفاسدة أو الجائرة لإزالة بعض التعسف أو الخطأ).
(7)
وثمة من يرى أن هناك أهمية للإصلاح في حياة الأفراد والمجتمعات والأحزاب السياسية والدول، باعتباره ضرورة لتقدم الحياة الإنسانية ومرتبط بالجوانب الحياتية الأخلاقية ونقيضه الفساد، فضلا عن ذلك هناك حتمية للإصلاح الشامل في الحياة الإنسانية. وفي معنى آخر يعني الإصلاح تغيير قواعد عمل النظام المجتمعي ومعالجة القصور والاختلالات التي تعيق التنمية والنهوض بالمجتمع من جميع مناحيه الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ويمس كافة جوانب الحياة المادية والفكرية والروحية والأخلاقية للمجتمع. وبحسب بعض المتابعين أن التغيير الحقيقي يعني الانتقال من وضع إلى وضع مغاير كلياً يتضمن تغييرات عميقة شاملة ومستديمة، وأنه يكون نحو الأفضل ويهدف إلى أن تسود الحرية مكان الاستبداد، والعدالة مكان الظلم، والأمن مكان الخوف، والتعليم مكان الأمية، والاستقرار مكان الفوضى.
(8)
وللخروج من النفق المظلم، طالب بعض المراقبين بتأسيس حركة إصلاح سياسي تهدف إلى تغيير مفاهيم السودانيين وأحزابهم السياسية في مواجهة الحقائق، وأن تكون تلك الحركة مبنية على سرد تاريخ حقيقي ونقد ذاتي يهدف إلى بناء وطن جديد حر ديمقراطي خال من الرهانات الخاسرة التي ظلت تقدمها النخب والأحزاب التي أدمنت الفشل. فيما يرى آخرون أن بناء السودان الذي ينشده الجميع لن يأتي بردود الفعل التكتيكية وإنما باتخاذ قرارات مبنية على مفاهيم جديدة، تقوم على قاعدة من الوفاق الوطني الذي لا يعزل أحدا، والأخذ في الاعتبار أن التحولات التاريخية المستدامة تحدثها الشعوب وليس الأقليات العرقية أو السياسية المهيمنة.
اليوم التالي.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..