مصالح وطنية وهواجس شيطانية!!

تيسير حسن إدريس
حلم التغيير مشروع ولكن وضعه قيد التنفيذ يستوجب الهبوط من فضاء المتخيل الرحب لضيق كدح الواقع ؛ فالحلم وحده لا يشعل فتيل ثورة.
(1)
السعي رملاً الذي يمارسه حزبي “المؤتمر الشعبي” و”الإصلاح الآن” ما بين النظام وبعض القوى السياسية -التي غادرت مربع الحوار – لن يفضي لنتيجة، ولن يساعد في الدفع نحو حلحلت المعضل الوطني، كما تروج له قيادات الحزبين، وأقصى مبلغ يمكن أن تبلغه هذه المساعي هو تعطيل حراك التغيير لبعض الوقت، وإتاحة الفرصة أمام النظام المتغطرس للوصول حسب مخططه لميس الانتخابات المخجوجة الجديدة في 2015م، وهو الهدف والمرام على ما يبدو من كل هذه “الترترة”.
(2)
ثمار هذا المسعى وإن بدت يانعة دانية القطوف، إلاَّ أنَّ مذاقَها معطوبٌ، بسبب تجاهل قوى “الهرولة” لحقيقة أن النظام غير راغب في حوارٍ جادٍ؛ يضع الأساسَ السليم لمساومة سياسية تقود لحل الأزمة الوطنية، وقد اتَّضحَ أن كلَّ ما ينشده النظامُ من إثارة هذه الزوبعة ؛ هو “ردف” القوى السياسية خلفَ ظهره على سرجِ بعيرِهِ الأجربِ لكسب مزيد من الوقت الذي سيضيع بدوره سدى في “قردنة” الجرح الوطني المتقيح!!.
(3)
هذا السعيُ الأعشى -الذي يركز فقط على عودة القوى التي غادرت الحوار ، مُغفِلا قضية تهيئة الأجواء، وضرورة ضمِّ بقية الأحزاب- يدلُّ على أنَّ المسعى غيرُ بريءٍ، ويخفي خلف أكمته ما يريب، خاصةً والقوى السياسية القائمة على أمره -التي تقاربت مواقفها من النظام- قد عجزتْ عن تلين موقفه؛ ليستجيب لرغبة القوى المعارضة في تهيئة المناخ لحوار جاذب، يشعل شمعةَ أملٍ في نفق الأزمة.
(4)
على العكس من ذلك زاد النظامُ في تعنته مستعصمًا بالانتخابات، رافضًا مقترح تأجيلها، غير مكترثٍ بهرولة القوى الراكضة من خلفه، ممَّا يعتبر رسالة سياسية وأضحة ؛ مفادها ألاَّ مناص إنْ أرادت فتات “الكعكة” من قبول برنامجه ونهجه في إدارة البلاد، دون شرط أو قيد، وبهذا تكون مساعي “المؤتمر الشعبي” و”الإصلاح الآن” لعودة حزب “الأمة” وبقية القوى السياسية التي انصرفت عن غلوطية الحوار محضَ سرابٍ بقيعةٍ.
(5)
لا يمكن تقييم هذه المساعي، التي تبدو في ظاهرها الرحمة، مهما أحسن المرءُ الظنَّ فيها، إلاَّ في خانة الخدمات المبذولة مجانا من أجل عيون النظام ؛ ليصل لانتخابات مزورة جديدة، ستقاطعها دون شك القوى الوطنية الحريصة على تغيير هذا الوضع البائس، وبهذا تكون محصلة كل هذه الزيطة والزمبليطة ، غرس ريح لن يحصد الوطن الجريح من ورائها سوى المزيد من عواصف الانشقاقات في الصف الوطني، والحروب الأهلية.
(6)
إنَّ إصرارَ حزبي “المؤتمر الشعبي” و”الإصلاح الآن” على السير في الحوار، مهما كانت الظروف وبأي ثمن، ما هو إلا استجابة ساذجة لهواجس تكرار التجربة المصرية في السودان، وفي هذا خطل سياسي كبير، فالخرطوم ليست القاهرة، والبون شاسع بين الوعي والمواعين المنظمة للعبة السياسية هنا وهناك، والدليل على هذا احتواء الساحة السياسية السودانية للحركة الإسلامية، ورفض فكرة نبذها وإقصائها بعد انتفاضة إبريل الشعبية عام 1985م، على الرغم من أنها كانت السادن الأعظم للنظام مايو المقبور.
(7)
هرولة حزبي “الشعبي” و”الإصلاح” لخلق اصطفاف يميني يتجاهل بقية القوى السياسية؛ بغرض إنجاح “الحوار” باعتبار أنه المخرج الآمن و”الجودي” العاصم لسفينة الإسلام السياسي من الغرق ، لن يجدي الشيوخَ فتيلةً، ولن يقودَ الوطنَ لبرِّ الأمان، فهو طريقٌ مجربٌ ووعرٌ، سيكرس الانشقاق، ويزيد حالة الفرز حدة، ويفضي لتكرار فصول الأزمة الوطنية وتعقيدها، عوضًا عن حلحلتها.
(8)
الأزمة الوطنية قد تشعَّبت وتعقَّدت أكثر خلال حكم الحركة الإسلامية، ويصعب تجاوزها دون بناء تحالف وطني عريض، مسلح بفكر راشد، يستوعب مخاطر المنعطف الذي تمر به البلاد، يكون في مقدوره مواجهة التحديات ، وإتاحة الفرصة أمام الجميع للمشاركة في الحل، ورسم طريق الخروج من عنق الزجاجة، ولن يستقيم هذا الأمر إلا عبر عقد مؤتمر دستوري جامع، تتوافر في ممثليه الثقة ويبتعد الجميع خلال مداولاته عن عقلية التشكيك المسيطرة على أذهان بعض القوى السياسية.
(9)
على الجميع أن يفهم أن الخيارات الوطنية قد تقلصت، وأضحت محصورةً في بقاء الوطن ككيان موحد وقوي، وهذا يتطلب وضع مصالح الوطن العليا فوق المصالح الذاتية والحزبية، أو التمسك بتلك المصالح الضيقة ليتلاشى الوطن وينفرط عقده لعدة أوطان ضعيفة ومتناحرة، يسهل على دول الجوار المتربصة والقوى الدولية النيل منها ونهب ثرواتها.
** الديمقراطية قادمة وراشدة لا محال ولو كره المنافقون.
تيسير حسن إدريس 23/07/2014م