بوادر التعاسة في اقتصاد العواسة

رأي

بوادر التعاسة في اقتصاد العواسة

حسن أحمد الحسن

طالبت المعارضة السودانية بإقالة وزيرالمالية بسبب الغلاء وارتفاع الأسعار وضيق الأحوال المعيشية والبطالة ،ولعل من سوء حظ الوزير الذي يمارس مهامه في ظروف بالغة التعقيد الاقتصادي بعد أن «ذهب الجنوب مع الريح « أن عبارات فلتت منه بطريقة غير رسمية وهو يدعو المواطنين إلى العودة إلى الكسرة «أو العودة إلى والعواسة « قد فاقمت من حالات الترقب التشاؤمي لدى العامة، والتي تنذر بظروف صعبة غير خافية على احد بعد فقدان الخزينة العامة لموارد أساسية من العملات الصعبة والنقد الأجنبي بعد أن يستأثر الجنوب ببتروله عقب الانفصال المشؤوم .
ولكن القضية ليست قضية وزير ليس له فيها سوى التنفيذ، بقدرما هي قضية سياسات عامة ومسؤولية تضامنية يعبر عنها نظام وحكومة وحزب حاكم ظن ان سنوات الفترة الانتقالية لاتفاق السلام لن تنقضي، وان الجنوب لن يذهب، وان الوضع الاقتصادي لن يتعرض لهزات تدق بعنف على أبواب الفقراء وعامة المواطنين . هم نفسهم المواطنون الذين عليهم تسديد فواتير جميع الحسابات الخاطئة لحكامهم وعليهم أيضا ان يشاركوهم في رقصاتهم الشعبية على طريقة الهنود الحمر.
أما وزير المالية فقبل أن يتجه بمقترحاته إلى زيادة الأسعار وإرسال إشارات بضرورات ربط الأحزمة لإقناع الناس بتجاوز المرحلة ،كان عليه لو كان يملك ذلك المقترح في ظل تعارض المصالح الخاصة للمستفيدين في ظل النظام الحالي أن يبادر بإتخاذ قرارات أكثر أهمية وإجراء مكاشفات أكثر وضوحا لإقناع الناس بتحمل أية تبعات جديدة بالإجابة على تساؤلات تملأ صفحات الانترنت وتطرح أحيانا خجلة في الدوائر الاجتماعية .
أولا : كما معلوم أن معظم المنشئات العامة التي تم إنجازها أو التي تحت الإنشاء من سدود وجسور ومطارات ومشاريع زراعية وغيرها مولت في معظمها من صناديق عربية وقروض أجنبية خارجية سيسددها المواطن ، وهي أهم المنشئات ،وحتى مظاهر العمران الراقية التي إزدانت بها العاصمة وبعض المدن هي ملكيات خاصة حول معظمها الكثير من علامات الاستفهام باستثناء بعض المباني والمقرات الحكومية .
وخلال أكثر من خمس سنوات تدفقت فيها مليارات الدولارات من عائدات النفط من حصة الشمال لم تقدم وزارة المالية كشف حساب للمواطنين يوضح أرقام ما تم الحصول عليه من هذه العائدات خلال هذه الفترة ، وفيم أنفقت ، وماهي المشاريع التنموية العملاقة التي صرفت فيها هذه العائدات كما تفعل ذلك جميع الحكومات المسؤولة بل ان الحديث عن عائدات النفط ومصارفها كاد أن يكون شيئا محرما ومنطقة ممنوع منها الاقتراب او التصوير وهي مال عام من حق جميع السودانيين.
ثانيا : أن ميزانية الدولة المعلنة توضح ان مايصرف على الأمن يتجاوز الستين في المئة من نسبة الميزانية مقابل أقل من ستة اوسبعة فقط لكل من الصحة والتعليم وهو مايهم المواطن وهي ميزانية مختلة ولامبرر لها خاصة في ظل « اتفاق سلام أفضى للانفصال المشهود في الجنوب « ، وفي ظل محاولات دائبة عبر المنابر لحلحلة الأزمة في دارفور عبر منابر التفاوض السلمي بعد فشل الحلول العسكرية وصعوبتها في ظل رقابة دولية مستحكمة مما يطرح سؤالا أليس المواطن السوداني هو أولى بالستين في المئة من الميزانية التي تصرف على الأمن لتصرف على طعامه وعلاجه وتعليمه بدلا من أن تصرف على قمعه .
وبالأمس فقط أثبت التونسيون بطلان نظرية الأمن وهو ذات الخطأ الذي ارتكبه الرئيس التونسي صاحب النظرية الأمنية الصارمة التي لم تسعفه حتى للملمة احتياجاته الخاصة هربا من أصوات الجوعى والعاطلين عن العمل .
ثالثا : هناك لغط كبير يثار على صفحات الانترنت وتقارير حول الفساد الاقتصادي وودائع من المال العام في بنوك خليجية وماليزية واستثمارات في أسواق المال لشخصيات من سدنة السلطة وهو لغط إن صدق فهو كارثة وإن كان محض افتراء فعلى من يهمهم الأمر تبرئة أنفسهم ، وكما هو معلوم فإن مجتمعات السودانيين الخاصة في أتراحهم وأفراحهم في الداخل والخارج زاخرة بمثل هذه المعلومات .
هذه مجرد إشارات يعلمها القاصي والداني يجب إجلاءها قبل مطالبة المواطن بربط الأحزمة واستشراف واقع جديد وهو قد يفسر في نفس الوقت مطالب المعارضة للحكومة واستخفاف الأخيرة بها.
انفصال جنوب السودان سيتيح لحكومة المؤتمر الوطني فرصة للجلوس أمام مرآة الواقع إن هي اغتنمت تلك الفرصة لترى الأشياء على حقيقتها وطبيعتها ومحاولة إصلاح ما أفسده صقورها سياسيا ومنتهبو المال العام اقتصاديا والإقدام على فتح الأبواب والنوافذ لترتيب البيت الداخلي على أسس من الحرية والعدالة واحترام الرأي الآخر دون استخفاف يقود إلى نهايات بن علي.
فنظرية الأمن السياسي واستعراض أدوات القمع ضد خصوم السلطة ومعارضيها لم تعد مجدية ، والاتهامات ببث الحقد والكراهية ضد الدولة وتسفيه المعارضين والسخرية من آرائهم لم يعد مقبولا أو لينطلي على أحد ، وفوق كل هذا وذاك فعيون العالم وآذانه وأصابعه وحتى أقدام ليست بعيدة ،ويكفي مانشهده في دارفور من جيوش أممية ، ومانشهده في الجنوب من وفود ورقباء على سلوك الحزب الحاكم لم تجد الحكومة إلا التعامل معها وكسب ودها ورضائها طمعا في تطبيع أولى به أهل السودان .
السودانيون فقط وحدهم من سيحلون أزماتهم ومشاكلهم إن هم أحسنوا ترتيب بيتهم واحترموا آراء بعضهم وتواضع الحكام فيهم للمحكومين منهم لأن الحلول الخارجية لم تأتِ إلا بـ «يوناميد» والمحاكم الجنائية وأطياف المبعوثين من أميركا في أقصى الغرب حتى الصين في أقصى الشرق، وأصبحوا هم وحدهم أهل الحل والعقد كنظار القبائل ومشائخ القرى والبوادي فيما أصبح أهل الحل والعقد من السودانيين أهل البلاد وركبانها في مقاعد المتفرجين يستجدون حق المشاركة في إدارة شؤون بلادهم وهو وضع مقلوب لابد من تصحيحه سودانيا .
إن ما يأمله كل سوداني حادب هو أمن بلاده واستقرارها وازدهارها بكل مابها من شقوات غلبت عليها وهو أمل لن يتأتى إلا بإعادة صياغة جديدة للعلاقة بين السلطة الحاكمة والمعارضة سياسية كانت أم مسلحة ،تفتح الطريق لمائدة مستديرة يُستخلص من أوراقها حل سوداني يطفئ نار النزاعات في دارفور ويعيد رتق النسيج الوطني في باقي أجزاء الوطن على أسس من الحرية والديمقراطية واحترام حقوق المواطنين ، وإلا فإن حلولا أخرى ستفرض نفسها لاتملك أية حكومة بكل ما تختزنه من أغنيات الحماسة ان تصدها .
* واشنطون

الصحافة

تعليق واحد

  1. ان كل ماقلته هو عين الصواب و لكن هذه المعارضة باسمائها التى كرهها الشعب السودانى وذلك بسبب بسيط ان كل هؤلاء يعملون لمصالحهم الشخصية و للمحاسيب والاقرباء فقط وانظر اليهم و الى افراد اسرهم انهم فى نعيم دائم ولا فيهم من يبيت القوى او يتغدى طعمية او دكوة ؟؟؟ فكان الله فى عون محمد احمد الغلبان الذى يشقى طول اليوم ويكد ويكدح من اجل لقمة عيش شريفة وكذلك من ضاق به الحال وهاجر السنين الطوال من اجل الاسر فى السودان ؟؟؟ ولازم يتحد ابناء السودان الفضل لوضع حلول عاجلة والا سوف يتقطع السودان ويصبح دول عديدة .نسئل الله العافية وان الله على مايشاء قدير .. ودمتم

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..