“شونة” القائد الزاكي طمل: مدينة دوكة.. رجل الصعيد المريض

دوكة ? حسن محمد علي
من مركز جنوب القضارف طبقت سيرتها الآفاق، كانت مثلها والمدن الكبيرة تشع بالعلم والمال والأعمال والوعي والمعرفة، ومنها تخرج الأفذاذ، لعبت مدينة دوكة الواقعة في المنطقة الجنوبية لولاية القضارف أدوار تاريخية مهمة في مراحل المهدية، حيث كانت (شونة) القائد المهداوي الزاكي طمل، وكذلك في الحركة الوطنية وتاريخ السودان القريب، ونسبة لمواردها الزراعية الكبيرة كانت ترسل دعمها لكل الولاية ومنها اشتهر التجار والمزارعون، وأصحاب المهن الأخرى.
وجودها على مقربة من الحدود السودانية الإثيوبية أضفى عليها ميزة البلاد الكبيرة والبعد الاستراتيجي لما تمثله من حافظة على تلك الحدود، واشتهرت بسيرة النظار والقبائل والعمد والمشايخ والإدارة الأهلية، الآن دوكة تراجعت بفعل عوامل التعرية التي تعرضت لها في ظل تمدد نظام الحكم المحلي الذي قسمها لتصبح مركزا لمحلية صغيرة محدودة بعد أن كانت مترامية الأطراف من أقصى باسندة وحتى شرق العطبراوي وكساب وتخوم النحل.
هذا التاريخ :
يقول عبد اللطيف عباس عبد المحسن رئيس المجلس المحلي للقلابات الشرقية إن مدينة دوكة كانت تمثل المركز الأهم بين مجالس القضارف الريفية في زمن ما قبل فترة الحكم المركزي، ويشير إلى أن الإدارة كان يقوم بها ضابط تنفيذي واحد يعاونه مهندس مدني لرقعة جغرافية تمثل ثلث مساحة ولاية القضارف الحالية وتمتد إلى أقصى الجنوب والغرب والشرق. ويكشف عبد اللطيف أن ميزانية مجلس دوكة كانت تزخر بموارد مالية ضخمة في أيام مجدها، حيث أن مرتبات الموظفين كانت تنتظر (خزينة) دوكة، بينما ساهمت المدينة في تشييد وبناء شارع الأربعين الماثل حاليا في مدينة أم درمان العاصمة الوطنية للبلاد.
عموديات دوكة :
مثلها والمدن الأوروبية المختلفة التي تعمل بنظام العموديات والبلديات كان هذا النظام الإداري يمثل روح القانون في جنوب القضارف. ويروي السكان المحليون في المدينة القديمة أن العمدة كان شخصا معروفا ومسموع الحديث والأوامر، وأن الشخص الذي يطلبه العمدة يراجع نفسه كثيرا قبل الحضور لجهة ما تمثله إدارته من صرامة وحزم وعدم تلاعب أو سماح بإيذاء المجتمع والناس. من أشهر العمد الذين عرفوا في مدينة دوكة هو العمدة عثمان مختار الذي تمت تسمية أحد شوارع دوكة الرئيسية باسمه، وتضم المدينة أيضا نظارة ود زائد ودار بكر.
تراجع في كل شيء :
دوكة ومركزها الكبير في القرى والحضر التي حولها طالها الكثير من الإهمال والتراجع من قبل الحكومات ومعظم الحكومات المحلية التي تعاقبت عليها في الفترة الأخيرة، فتقسيم المحافظة إلى أربع قطع متناثرة لتلبية دعاوى الحكم المحلي ضعضع من وضعها الاقتصادي وتأثيرها المالي كثيرا. وحسب رئيس مجلسها المحلي عبد المحسن، فإن محلية القلابات الشرقية التي تمثل مدينة دوكة حاضرتها الآن قد تم تقسيمها إلى أربع محليات هي (القلابات الشرقية، باسندة ، القريشة)، وهذا التقسيم حسب عبد اللطيف لم تجن منه المحلية شيئا مفيدا ولا حتى المحليات المنشأة حديثا، وإنما معظم الصرف ذهب للعمل الإداري مقابل الخدمات، وتبدي ذلك جليا ففي إحدى مدارس المدينة في قرية السريفة يقابلك فصل غير مكتمل هو نتاج فترة أحد المعتمدين لمدة تقارب السنتين، بينما تنهض مدرسة تشمل نهرين للبنين والبنات يقوم ببنائها وعلى مشارف النهاية البنك الدولي في ذات القرية.
في الثورة المهدية :
تقول قيادات شعبية من مدينة دوكة إن الزاكي طمل، وهو أحد قادة الثورة المهدية، كان يتخذ من المدينة معسكرا لقواته ودائما ما يستعين بأفراد من القبائل المكونة للمدينة في غزواته لمدن الأحباش، كما أن معركة (القلابات) الشهيرة شهدت استشهاد عدد من الجنود الذين يرجعون بانتمائهم للمدينة.
مرض الصعيد وتاريخ التشكل :
ويروى عن دوكة أنها نتاج لهجرات لعدد من القابائل وسكان القرى الذين هاجروا من مواطنهم الأصلية بسبب مرض الصعيد أو (الكلازار)، ويقول رئيس المجلس المحلي إن مناطق (أب عروة) و(أب قلود) هي المناطق التي شهدت تمدد المدن في الصعيد وتكوين مدينة دوكة من القبائل التي نزحت بعد الحرب العالمية الثانية، والنزوح بسبب تفشي مرض الكلازار الذي مايزال يضرب مناطق في ضفاف نهر العطبراوي.
دوكة هل تعود :
ويبدي سكان المدينة الغارقة في الحشائش الكثيفة وهي تغطي المساكن والبيوت، أسفا كبيرا على تراجع عهدها الزاهر، وبينما ينخرطون في زراعة مساحاتهم وأراضيهم الزراعية إلا أن ما يجنونه من زراعة لا يقيم أود مدينة تعاني من العطش والظلام وتغطيها سحابات الهموم، وهي ترنو من بعيد لتاريخ زاهر وحاضر لا تحسد عليه.
اليوم التالي
كان اهلك ابوكا امش لي ناس دوكا
كان ناس دوكاابوكا ناس القبور نادوكا