وهل يعتزل المرء وطنه؟ا

وهل يعتزل المرء وطنه؟

فيصل محمد صالح

غضب الزميل نيال بول، رئيس هيئة تحرير صحيفة “سيتيزن” الانجليزية من دفاع عميد الصحافة السودانية محجوب محمد صالح المستميت عن الوحدة، فدعاه لاعتزال العمل الصحفي بدعوى أنه فقد اللياقة الذهنية والفكرية المطلوبة لمتابعة التطورات السياسية في العالم، وانعكاساتها على السودان (سيتيزن- العدد218، الأحد 8 أغسطس 2010).

قدم نيال دفوعات كثيرة في اتجاه الانفصال، ولست معنياً هنا بالرد عليها لأن هذا نقاش آخر، وأنا والأستاذ محجوب ضيوف على صحيفة نيال بول ، حيث يتم ترجمة ونشر زاويتينا فيها بشكل يومي، لكني معني بفكرة الاعتزال من حيث هي.

ألاحظ أولاً أن المسألة قامت على الخلاف في الرأي، وليس للأستاذ نيال أية دلائل أخرى على عدم اللياقة الذهنية للأستاذ محجوب محمد صالح غير أنه يختلف معه في الرأي، ولا أعلم كيف يجعل نيال من رأيه مرجعاً للحكم على الناس، ليس فقط بأنهم مخطئون، ولكن بأنهم غير قادرين على إنتاج آراء وأفكار إنسانية؟. بل مضى نيال أكثر فاتهم محجوب محمد صالح بأنه لا يؤمن بأفكار وقيم مثل العدالة والمساواة في العلاقات بين المجموعات المختلفة، وإنه ، مثل أبناء جيله، يؤمن بالحروب والدمار وعدم الإنسانية والعبودية.

هذه اتهامات لن يقبلها من يعرف تاريخ محجوب محمد صالح وعطاءه الوطني والصحفي لمدة تزيد عن نصف قرن، وهو تاريخ مبذول للعامة ومكتوب ومنشور على صفحات الصحف والكتب، وليس تاريخاً سرياً. وصحيفة “الأيام” التي كان محجوب محمد صالح أحد مؤسسيها الثلاثة وما يزال يرأس تحريرها هي أيضا كتاب مفتوح وناصع البياض في الدفاع عن الحريات والديمقراطية والعدالة والمساواة في السودان، وهي دفعت ثمن مواقفها، ولا تزال تدفع ذلك حتى الآن.

ثم إن الصحفيين الذين يصلون سناً معينة في كل بلاد الدنيا يعتزلون المهام الإدارية والتنفيذية في الصحف، لكنهم لا يعتزلون إبداء الرأي في القضايا الوطنية والعالمية الهامة، بل إن آراءهم تكتسب أهمية وقيمة كبيرة بحكم خبراتهم وتراكم تجاربهم ومعارفهم، وتتسابق الصحف والمجلات على استكتاب هؤلاء بشكل راتب ليرفعوا من مستوى الحوار والنقاش في القضايا الهامة.

ولا أعلم كيف توصل نيال لأن كتابات محجوب وأمثاله عن الوحدة تهدد فرص العلاقات السلمية في المستقبل بين الشمال والجنوب،لأنها تزيد من عداء وكراهية الجنوبيين للشمال، كما قال؟ هذه الكتابات تدعم أحد خياري الاستفتاء، والزميل نيال يدعم اتجاه الانفصال، لكن سيجيء يوم يذهب فيه الناخبون الجنوبيون لمراكز الاقتراع ليختاروا أحد الخيارين، وما سيريده الناخبون هو الذي سيتحقق ويتوجب على الجميع احترامه، وحدة كان أم انفصالاً، فلم التخوف والاستعداء واستباق النتيجة بتقريرها من الآن؟

هل يؤيد نيال بول إجراء الاستفتاء في مواعيده أم يقترح إلغاءه وعدم إجرائه من الأساس؟ في ظني أنه يؤيد إجراء الاستفتاء، فما المشكلة في أن يدعو أي شخص لأحد الخيارين حتى تحين لحظة الاقتراع. ما يهدد العلاقة المستقبلية بين الشمال والجنوب ليس الدعوة لأحد الخيارين، بل محاولة غلق الباب أمام الناس ليناقشوا كل الخيارات الممكنة وحسناتها وسيئاتها.

لا أحد يعتزل وطنه وهمومه ومشاكله مهما بلغ من السن ومهما أقعدته الأيام وهدته المحن، فما بالك إذا كان شخصاً نشطاً وحيوياً ومبادراً مثل محجوب محمد صالح.

الاخبار

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..