مقالات سياسية

عقوبات غير ذكية للانتقام من الصحفيين و الناشطين

لبنى أحمد حسين

عقوبات غير تقليدية أبتدعتها السلطة للانتقام من الصحفيين و الناشطين في السودان: الاستدعاء اليومي ، الحجز ، الاعتقال ، السجن و الغرامة كلها عقوبات تقليدية من الممكن ان تطال الصحفيين و الناشطين في كل مكان في محيطنا العربي و الافريقي . لكن قريحة النظام السوداني العاجز عن وضع حلول للمشكلات الاقتصادية و السياسية الخانقة تفتقت لتبتكر عقوبات أخري غير تقليدية . تتنوع تلك العقوبات لتشمل: الحظر من السفر ،حجب المقالات، المحاكمات الكيدية، المنع من الكتابة ،حلق شعر و كوي جسد النساء، التشريد من العمل ،الجلد، التحرش و التهديد بالاغتصاب، منع الاعلانات الحكومية، مصادرة الصحيفة بعد طبعها ،المحاربة في الررزق، الجلد، منع استخراج الشهادات الجامعية و الدراسية، ليس هذا فحسب، بل لم يسلم حتى الموتى، حيث حظرت السلطات اليوم إقامة تأبين لفقيدة البلاد المربية و الرائدة النسائية فاطمة احمد ابراهيم دون ذكر اسباب واضحة.

الزميلان الشريفان الجسوران د. زهير سراج وعثمان شبونة ممنوعان من الكتابة بالصحافة الورقية في السودان منذ عام او قرابة العام وذلك بتكرار مصادرة الصحيفة التي يكتبان فيها من المطبعة حال نشرها اعمدتهما ، والاول د. زهير، أوقف من الكتابة (سبع مرات) خلال الخمس سنوات الأخيرة، و لفترات وصل بعضها عام و نصف. و كان الزملاء الافاضل خالد فضل ، رشا عوض ، فائز السليك و غيرهم موقوفين من الكتابة بالصحف المطبوعة منذ سبتمبر 2011م بعد ان تعرضت صحيفة الجريدة التي استضافتهم للمصادرة من المطبعة عدة مرات بعد نشرها مقالاتهم ، و هددت الجريدة بالاغلاق كما اغلقت صحيفتهم الاولي” اجراس الحرية ” بعد انفصال الجنوب . اغلقت ” اجراس الحرية التي كانت تتعرض لمضايقات اثناء الفترة الانتقالية فى السودان و التي كانت تنادي بالحرية و المساواة و العدالة فيما بقيت صحيفة اخري كالبركة الآسنة لتأوي العنصرية و تغذي الكراهية و تدعو للانفصال . و عموماً لم يتوقف أي من الكتاب الممنوعين من الكتابة عن الكتابة ، اعمدتهم و مقالاتهم المنشورة على الانترنت يعاد نشرها بعشرات المواقع السودانية كما يتم تداولها عبر الواتساب و الفيسبوك و غيرها من الوسائط.

لم يسلم من تسلط الساديون ا حتى اولئك الذين اغتربوا و غادروا السودان و اجبروا على مفارقة الاهل و الحبان بعد احتكار النظام للسلطة و الثروة و التضييق على معاش الناس و انفاسهم و استبدالهم اهل الكفاءة باهل الولاء.

في أواخر نوفمبر 2016 نجح لاول مرة في ظل نظام البشير “عصيان مدني” دعا له ناشطون و مواطنون عاديون أحتجاجاً على قرارات حكومية بزيادة الاسعار. في ذات الفترة و بطلب من السلطات السودانية أعتقلت السلطات السعودية ثلاث من المدونين الوطنيين من السودانيين المقيمين بالسعودية و هم أبو القاسم سيد أحمد ، الوليد إمام ، علاء الدين الدفينة لدعمهم دعوة العصيان المدني ” في السودان آنذاك . حاول رئيس اتحاد الصحفيين السابق للأسى د. محي الدين تيتاوي ألصاق تهمة داعش بالمعتقلين و هو يعلم أن مشاربهم الفكرية أبعد ما تكون عن داعش التي تشترك مع حكومته – اي تيتاوي- في الشرب من ذات البئر.

الاية التي تعّمدت الحكومة تلاوتها على مسامع السودانيين المقيمين بالمملكة باعتقالها المناضلين الثلاث هي: “أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ ” . و بالفعل ، في يوليو من هذا العام تم ترحيل الثلاث بطائرة خاصة الي الخرطوم و لقضاء شهوراً أخرى من الاعتقال و التعذيب. و ما أسهل التعذيب البدني و الجسدي أمام الالم و العذاب الذي مرّت به أسر المعتقلين من قلق و خوف على مصير ابنائها وسط انكار و تكتم على مكان اعتقالهم. أطلقت الخرطوم سراح المعتقلين دون توجيه اتهام او محاكمة و لكن بعد أن فقدوا وظائفهم بالسعودية . المهندس المناضل وليد الحسين أحد مؤسسي موقع “الراكوبة الشهير ” كان قد سبق المناضلين الثلاث و بدأت به سُنة اعتقال السودانيين بالسعودية بطلب من الحكومة السودانية ، حيث قضى الحسين بسجون السعودية ثمانية أشهر منذ منتصف 2015 و حتى مارس 2016.

في يناير 2017 في قاعة المغادرة بمطار الخرطوم الدولي ، ألقي جهاز المخابرات السوداني القبض على عبد المنعم عمر إبراهيم بابكر، رئيس المكتب الخارجي لحزب المؤتمر السوداني الذي عاد إلى السودان من المملكة العربية السعودية حيث يعمل لتلقي التعازي في رحيل والدته.. أطلق سراح عبدالمنعم بعد ان فقد عمله بالسعودية ايضاً. و في الاسبوع الماضي منعت سلطات مطار الخرطوم الزميل علاء الدين محمود الذي يعمل باحد الصحف الخليجية من مغادرة البلاد الي مقر عمله بالامارات ، افادته بورود اسمه في قائمة المحظورين من السفر ، و علاء الذي رجع الي السودان في زيارة عائلية قصيرة مهدد بفقد عمله اذا طال غيابه . كل هذا و النكتة ان الحكومة التي شردت الشعب و بددت و هربت امواله ، تأمل في استقطاب اموال السودانيين العاملين بالخارج.

الاصدقاء ، المفكر الحاج وراق و عبدالمنعم سليمان كان نوع تعذيبهما أشد ألماً و قسوه ، حيث انتقلت والدة كل منهما الى الدار الآخرة دون ان يستطيعا ملازمتهما في المرض و أخذ عفوهما او القاء النظرة الاخيرة عليهما و تشييعهما. وضعت الزميلة أميرة الحبر صغيرها بعيداً عن حضن امها الذي طالما انتظرته . سمعت الزميلة رشا عوض زغاريد عرسها عبر الموبايل. و ما بكيت كما بكيت الزميلة المرحومة أمل شكت التي رحلت بغتة في وحدة و غربة ، أمد الله في اعمارنا جميعاّ
الزميلة الصامدة امل هباني و اثناء تغطيتها الصحفية لجلسات محاكمة ناشطي مركز تراكس الحقوقي العام الماضي ، كل ” جريمتها” انها طلبت من فرد جهاز الامن الذي طلب منها تسليمه هاتفها الجوال و عدم التصوير ان يبرز هويته او ما يفيد بانه رجل أمن .. تم اعتقال امل و وسوء معاملتها أثناء الاحتجاز.. ثم.. لتتفاجأ فوق هذا بأمر قبض عليها ! حيث بادر الخصم و الحكم او المعتدي بتقديم شكوى ضدها ليطبق المثل العربي ” ضربني و بكا .. سبقني و اشتكى ” ، واستمرت المحاكمة حتى صدور الحكم ضدها يوليو الماضي بغرامة باهظة او السجن اربعة اشهر.. و ليست هذه هي المرة الاولى ، كانت الاولي شكوى جهاز الامن ضد الصحفية لدى المحكمة الدستورية ، اى والله ، الدستورية ..بحجة انها اشانت سمعة جهاز الامن بتناولها قضية الناشطة و الفنانة التشكيلية صفية اسحاق و الاخيرة اتهمت جهاز الامن باغتصابها جماعياً حين اعتقالها . الزميلة النابهة عدد من الناشطات و الصحفيات تم تهديدهم بالضرب و بالاغتصاب.

الناشطة و المدونة الصامدة نجلاء سيد احمد تم ضربها ضرب غرائب الابل اثناء تصويرها لموكب احد الشهداء الشرفاء و كذا الاديبة رانيا مامون، بالاختطاف و سلامتها هددت الطبيبة الاديبة الزميلة الدكتورة ناهد محمد الحسن . الزميلة النابهة شمائل النور تعرضت لحملة تكفير منظمة . و الزميلة المثابرة سهير عبدالرحيم تنضم لقائمة شرف الكتاب الموقوفين بأمر السلطان . هكذا تتعدد اشكال و انواع العقاب و الانتقام و تتجدد ، و لا تتواني السلطات العاجزة عن ايجاد مخرج لمشكلات السودان المختلفة ، عن ابتكار اشكال جديد تثير دهشة المتلقي ، كاتبة هذا الموضوع هددت من قبل قوات الدعم السريع – كما أفاد حامل الرسالة – بدهس أهلي بشاحنة، كان ذلك نهاية يونيو 2016 و قبل اسبوعين فقط من بدء استخدام الارهابيون الشاحنات كسلاح ضد الابرياء في نيس الفرنسية منتصف يوليو 2016
.. صدفة عجيبة!
https://ara.alrakoba.net/news-action-show-id-238999.htm
تتعدد وسائل الانتقام ، ليس ابتداءاً بالمعتقل و لا انتهاءاً بالحظر او حلق شعر رأس النساء و كي اجسادهن بالمكواة كما حدث للزميلة سمية هندوسة . و بلغ القهر مداها بالحكم و تنفيذه بالجلد 20 سوطاً على الامين السياسي لحزب المؤتمر السوداني مستور احمد محمد ورفيقيه إبراهيم محمد زين و عاصم عمر بسبب مخاطبة جماهيرية ، و هو ذات عاصم عمر الطالب المناضل المحكوم بالاعدام في قضية قتل شرطي بالملتوف خلال مظاهرة طلابية بها الالاف من الطلاب احتجاجا على قرار بيع مقر لجامعتهم ، جامعة الخرطوم ، في محاكمة اعتبرت غير عادلة.

http://www.bbc.com/arabic/middleeast/2015/07/150706_sudan_verdict_lashing
ماذا أقول يا صديق وماذا أكتب ؟ فأي الكلمات و العبارات تكفي و تفي لتصوير حالة القهر والازدراء التي يتعرّض لها الصحفي و المدون و الناشط بل و المواطن عموماً في بلاد السودان؟ و بعد كل هذا ، و ما لا تتسع الذاكره لحفظه و لا يتسع الورق لسرده ، قال النائب الاول لرئيس الجمهورية بتباه بالبرلمان : “نفخر بعدم وجود صحفي بالمعتقل” .. يومها كان أحد رؤساء التحرير من ابناء حركتهم الاسلامية لا الاعداء مثلي يقضي ليلته بالسجن بعد ادانته بنشر مقال لاستاذ جامعي يسأل الرئيس عمر البشير من اين لك هذا؟ في املاك و فلل اعترف بامتلاكها البشير في حوار تلفزيوني و لم يوردها موقع ويكيليكس.

يا عزيزي، هذا ليس كل شيئ ، ربما لم يخطر ببالك العقاب الجماعي للصحفيين و جيرانهم في الحارة مئة ” حارة الصحفيين” بام درمان حيث قررت السلطات اخلاءهم قسرياً بطريقة غير مباشرة ، و ذلك ببدء الحفريات لتشييد محطة للنفايات وسط بيوتهم – على بعد مئتي متر – لاستقبال نفايات محليتين يتجاوز سكانهما ثلاثة مليون نسمة ، و حين احتج السكان بررّ مسئول البيئة و هو صحفي سابق مغضوب عليه في اوساط الصحفيين بان الاضرار لا تتعدى الروائح الكريهة ! اذن ، فليشموا العفنة ، عقاباً و جزاءاً لكل من تسول له نفسه التطلع لتنفس نسيم الحرية.

و كما نرى ، ليس حرية التعبير و الرأي والاعتقاد و الحق في الحصول على معلومات و الحق في تكوين الجمعيات والتجمع السلمي و الحماية من الاعتقالات التعسفية أوالتعذيب وغيرها من حريات تتصل بالفكر هي وحدها ما تنتقص حقوق و حريات الصحافيين و المواطنين عموماً في السودان ، هناك حقوق أخرى تهضم : حقُّ اللجوء إلى المحاكم الوطنية المختصَّة للانصاف ، حق التساوي في تقلُّد الوظائف العامَّة ، حق التنقل و الاقامة ، الحماية من البطالة و هواحد حقوق الانسان بنص المادة 23 في بندها الاول من الإعلان العالمي ، و كذلك الحق في مسكن لائق و غيرها من حقوق اساسية واردة في الاعلان العالمي لحقوق الانسان ، و ترد في قاع هرم ماسلو للاحتياجات الضرورية ، بل في بعضها يشترك الانسان و الحيوان ، لكنها تندرج تحت باب الترف في بلاد السودان المحكوم بعصابة الهوس الديني منذ قرابة الثلاثين عاماً.
[email protected]

تعليق واحد

  1. شرور جهاز الأمن السوداني أكثر بكثير من أن تحصى وأكاد أقسم أنه الأسوأ في كل الأنظمة القمعية ما يدلك على أن محمد أحمد السوداني يفسد إذا فسد فساداً قل نظيره وإن صلح صلح صلاحاً عز نظيره! سيأتي يوم حساب القائمين على جهاز الرعب هذا وخصوصاً محمد عطا بتاع جهاز الأمن هذا وزمرته كما جاء حساب السنوسي الذي صار بعد فترة وجيزة بعد سقوط نظام القذافي كالهيكل العظمي بعد أن كان كالثور!

  2. شرور جهاز الأمن السوداني أكثر بكثير من أن تحصى وأكاد أقسم أنه الأسوأ في كل الأنظمة القمعية ما يدلك على أن محمد أحمد السوداني يفسد إذا فسد فساداً قل نظيره وإن صلح صلح صلاحاً عز نظيره! سيأتي يوم حساب القائمين على جهاز الرعب هذا وخصوصاً محمد عطا بتاع جهاز الأمن هذا وزمرته كما جاء حساب السنوسي الذي صار بعد فترة وجيزة بعد سقوط نظام القذافي كالهيكل العظمي بعد أن كان كالثور!

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..