مقالات سياسية

كيف يحدث السلوك الجمعي ، أو تكوين القطيع؟؟

حمزة محمد حمد
مفهوم: العدوى الإجتماعية:

كثيرًا ما يتبادر إلى أذهاننا سؤال مثل كيف انتشرت مثل هذه الأفكار السخيفة والتافهة في مجتمعاتنا؟، كيف تحوّلت هذه الأفكار إلى قضايا يدافع عنها الأفراد وينصبون العداء لمن ينتقدهم فيها ، ولماذا يحدث أن نرفض الأفكار ثم ما نلبث إلا أن نقبلها!. ولماذا نشعر أننا صرنا فجأة مقلّدين لفكر آخر وجماعة أخرى ، أو حتى شخص آخر ربما نرى فيه شيئًا مثاليًا؟ ومن ثم كيف تنتشر الأفكار في المجتمع الواحد أو بين المجتمعات المختلفة؟  في هذا المنشور لن نتطرق للدوافع النفسية والاجتماعية بقدر ما سنتحدث عن الآلية الاجتماعية التي تُحدث كل هذه التغيّرات .

هناك مصطلح في علم الاجتماع يسمى ب “العدوى الاجتماعية”، مفهوم هذا المصطلح بسيط ، وهو يشابه مبدأ العدوى في الطب ، أي أن الشخص المصاب بمرض معدي يمكن من خلال قيامه بسلوكيات محددة أن ينقل هذا المرض لشخص غير مصاب به ، تعمّد ذلك أم لا.

ذات الأمر ينطبق على التفاعلات الاجتماعية ، أي أن سلوك جماعة ما داخل المجتمع أو خارجه مع امتلاكها لسلطة أو علو ثقافي أو علمي أو سياسي أو أيدولوجي أو ما إلى ذلك ، يمكن أن يؤثّر على سلوك جماعة أخرى ، بتغيير أفكار أو توجيهها أو التأثير عليها.

وبين هذا وذاك إذ تتجسّد أمامنا هُويّتان : هُويّة العقل واللّاعقل ، ومنهج الباحثين عن الحقيقة ، والمزيّفين لها من أرباب المصالح .. هُويّة يُحرّكُها العقل والبحث عن الحقيقة ، وهُويّة مدفوعة بالأهواء والمصالح. وأخطر ما في المسألة هو تغليف المصالح بالمقدَّس الديني ، إنه اختلاف الانتماء ، بتعبير الفيلسوف طوسكانو ، وجود أشخاص يفكّرون في مجتمع يرفض التفكير ، مجتمع حريص على صناعة القطيع!!!.

لماذا القطيع إذن؟؟🐑🐂
القطيع سهل الترويض، ينقاد بلا مساءلة ولا انتقاد، القطيع لا يفكر ، لا يستشرف المستقبل ، القطيع يعيش على التقليد والاجترار ، القطيع يحمد الله على الكلأ والأعلاف ، القطيع جاهز للتناطح لا التطارح ، القطيع ممنوع من ممارسة التفكير وامتلاك أفكار يتطارحها ، لنجد أنفسنا أمام التصور السبينوزي حين تُحوِّل السلطةُ الفاسدةُ الأفرادَ إلى حيوانات وآلات صماء ، آلات تتحكّم فيها آليات السلطة التي أنتجتها ، وتُحركها هائجة ضد المخالفين ، مادامت السلطة هي التي تشرف على برمجتها ، والبرمجة هنا هي المقدَّس الديني ، وردة الفعل تجاه من يخدشه قد تكون قاتلة.

كثير جدًا من سلوكياتنا تُبنى على هذا الأساس ، بعضها يدخل في شكل من أشكال “الضبط الاجتماعي”، وهي آلية لضبط سلوك الأفراد داخل المجتمع الواحد ، حتى تصبح لدينا سلوكيات مشتركة تعزّز من ثقافة القطيع ، وصناعة الغباء في آن واحد!.
سواء كانت تلك الأفكار سخيفة من الناحية المنطقية أو عقلانية لدى البعض .. إذ لا يتطرّق معظمهم للغاية من هذا الفعل بقدر تطرقهم للفعل!.
وإن كان الفعل هو الذي يُحدث تلك السلوكيات التي تزيد من عوامل الارتباط بين مكوناته. لتتشكّل بالنهاية تلك المقولة المشهورة في علم الاجتماع [ لا أحد يأمر ، لكن الكل ينفذ !]. وبتشكّل الملامح العامة للمجتمع بعاداته وسلوكياته تنتظم الخطوط الأساسية وحتى التفصيلية للمجتمع بصورته الكليّة.
وكان ذلك نتيجة أبحاث عديدة منها على سبيل المثال : فقد قام بعض العلماء بتجربة على مجموعة من قرود الشنبازي- تحديدًا- لمعرفة السلوك الجمعي ، أو العقل الجمعي للقطيع .. لأن هذا النوع أقرب إلى السلوك الإنساني.
فأحضروا عدد خمسة قرود ووضعوها في قفص حديدي، وداخل القفص سُلّمًا في أعلاه فاكهة الموز ، ثم أحضروا ماءً مغليًّا ، فكلما أراد أحد القرود تسلّق السلم لأخذ الموز ، رشوه بالماء المغلي فنزل ، ويصعد السلم أحد غيره ، فيقومون برشه بالماء المغلي فينزل ، وهكذا حتى نال كل واحد من الخمسة قرود نصيبه من الماء المغلي دونما يأخذ شيئًا من الموز.
وبقي القرود ينظرون إلى الموز في رغبة ولهفة ولكن يخشون من الرش بالماء المغلي!.
ثم قام العلماء بإخراج واحد من الخمسة وإدخال واحد جديد مكانه.
فلما رأى الموز في أعلى السلم تسلّق مسرعًا لأخذه ، لم يرشه العلماء بالماء المغلي هذه المرة. ولكن في سلوك غريب أمسك به القرود الأربعة وأنزلوه دونما يعرف السبب!.
ثم أخرجوا واحدًا من الأربعة الأوائل وأدخلوا مكانه آخر جديدًا .. فلما رأى الموز حاول تسلق السلم فأمسك به الأربعة ثلاثة من الأوائل ورابعهم الذي لم يرش بالماء المغلي وأنزلوه من السلم قبل أن يصل إلى الموز وهو لا يدري لماذ أنزلوه.
ثم أخرجوا واحدًا من الثلاثة وأدخلوا مكانه آخر ، ففعل مثل الاوائل ولكن تفاجأ أن الأربعة ينزلونه دون أن يعرف السبب.
وهكذا فعل العلماء ، كلما أخرجوا واحدًا، أدخلوا مكانه آخر .. ولكن القرود تفعل مثلما فعلت مع السابق!.
فخلص العلماء إلى أن السلوك الجمعي يصنع الغباء ، ويرفع من درجته لدى الجماعة ، والأمة ، والشعب .. ويحوّل الأفراد والجماعات إلى قطعان بشرية ليس إلّا .. ثم ينتظم السلوك من تلقاء نفسه لا أحد يأمر لكن الكل ينفّذ..!.

ولعلّ الكثير منكم قرأ أو سمع بقصة “خرفان بانورج” في الأدب الفرنسي التي رواها الكاتب: “فرانسوا رابلي”.
وبانورج هذا كان على متن سفينة تحمل قطيعًا من الخراف بغرض بيعها لتاجر يدعى “دندونو”، فوقع شجار بين بانورج ودندونو ، فقرّر بطريقة ماكرة أن ينتقم منه ، فطلب أن يشتري منه خروفًا وأغراه بالسعر العالي ولجشع التاجر وافق على الصفقة ، فاختار الخروف الأكبر وأعطاه ثمنه.
وفي مشهد غريب أمام التاجر أخذ دندونو زعيم الخراف من قرنيه وجرّه إلى طرف السفينة وألقاه في البحر ، فما كان من أحد الخرفان من القطيع إلا أن تبع خطى زعيم الخرفان ، فقفز وحده من السفينة .. وهكذا تتابعت بقية الخرفان الواحد تلو الآخر في تدافع زرافاتٍ ووحدانًا ، قفزًا من السفينة وسط محاولات يائسة من التاجر الجشع منعها من القفز. ولكن دونما فائدة وسط دهشة وحسرة من دندونو.
فكان إيمان الخرفان بما يفعلونه بقدر من الرسوخ أعلى من أن يُقاوم.
وبدافع الجشع حاول الإمساك بآخر الخرفان لإنقاذه ، ولكن كان  الخروف يقرّر مصيره مثلما مصير إخوانه القطيع فأسقطه معه ليموتا سويًّا غرقًا.
وخلصوا من هذا المشهد المأساوي إلى التعبير الشائع في الأدب الفرنسي ب “خرفان بانورج”!.
يعني انسياق الجماعة بلا وعي أو إرادة وراء آراء وأفعال الآخرين!.
وما يطلق عليه “سياسة القطيع أو القطعان البشرية”، التي تتبع -بلا توطين للنفس- زلّات البشر ونزواتهم وأهوائهم ورغباتهم.

قال الله تعالى في أمثالهم :
” إِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ۗ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ “.البقرة: (170).
وقال أيضًا : “بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ” .. الزخرف : (22).
وقال كذلك: “وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ۚ أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَىٰ عَذَابِ السَّعِيرِ”.. لقمان : (21).
وعن مثل هذا بكّت الله عزّ وجلّ عليهم ، وعن أسفهم وندمهم يقول : “وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا”.. الأحزاب : (67).

على الجانب الآخر ، وفي مشهد مختلف تتشكّل العدوى الاجتماعية في إطار سلطوي ، يسعى لتغيير مفاهيم المجتمع من خلال استخدام عديد من الوسائل التي تعمل على إكراه الأفراد على اعتناق ما بدا يومًا ما مستحيلًا ، هذا الإكراه قد يغلّف بالعديد من الأساليب التي تعمل على خلق واقع جديد ، وتعد قوة الحديد والنار إحدى تلك الوسائل .. وقبل ذلك استغلال السلطة المادية أو المعنوية لفرض الأمر المعيّن بالقهر والإكراه ، وتحت التهديد بالإقصاء والنفي ، والحرمان من الحقوق الواجبة شرعًا وعقلًا وعرفًا ، والإقدام على تنفيذ ذلك الوعيد ولو أدى إلى ضرر أبلغ قد جاءت الشريعة لدرءه وصونه ، عملًا بالمقاصد الكليّة للشريعة الإسلامية!.

‫13 تعليقات

    1. ما ينطبق على القردة والخراف، تلك الحيوانات العجماء ليس ينسحب بالضرورة على الإنسان الذي ميزه الله بالعقل والعاطفة والإرادة الواعية وكرمه بالنفس الإنسانية المختلفة عن النفس الحيوانية المحدودة بحدود الفطرة الحيوانية الأساسية. فالنفس موجودة لدى الحيوان والإنسان والجان. فبينما جبلت نفس الحيوان وقيدت بالفطرة الحيوانية الطبيعية وهي المحدودة بحاجيات الجسم الفطرية من الحفاظ على البقاء بالبحث عن الطعام والتهامه والمحافظة على النوع بالغريزة أو الشهوة الجنسية والحفاظ على النفس وسلامتها بميزة معرفة العدو بالهروب للنجاة منه أو المواجهة للقضاء عليه، ولا تستثار نفس الحيوان الفطرية الصرفة أي غير المقيدة بعقل إلا عند الحاجة فلا يهاجم الأسد مثلآ مزيدا من الفرائس وهو شبعان حيث يفضل النوم وهو حاجة طبيعة أخرى وإنما قد يهاجم عدوه إن عرض عليه وهو في حالة الشبع والاسترخاء ويبدو غالبا أن حاجيات الحيوان الفطرية لا تتداخل وإن كان يخضع الحيوان لأشدها إلحاحا عليه أكثر من الحوائج الأخرى فتراه في فترة النزوة الجنسية قد يمتنع عن الأكل ومطاردة الفرائس.
      أما النفس الإنسانية وبفضل العقل الذي ميزه الخالق به دون سائر الحيوانات فإنه يطغى على حيوانيته الفطرية فيكبتها أو يذهب عكسها وحتى عكس عواطفه الفطرية من حب الطعام بالصوم والبقاء بالاستشهاد أو الموت دون العرض وحماية النسل أو حماية الغير ونسل الغير من ذات النوع وكبت كافة شهواته الفطرية وعواطفه الطبيعية. وهذا ما يسمى بالنفس الواعية الإنسانية المختارة وهي قد تفرق من نفس الجن الواعية لكن المجبولة على الشر غالبا دون الخير رغم العلم بالخير والشر، وكذلك الحيوان فللحيوان نفس واعية لكن وعيها وبالتالي إرادتها مقيدة في حدود الحاجيات الجسدية الفطرية لا أكثر، فالحيوان يميز بين عدوه الطبيعي كما يعرف صديقه وزوجه ويميز غذاءه، ويعلم عدوه ويميز سلوكه العدائي من سلوكه غير العدائي نحوه فيتقيه أو يهاجمه وقد تدفعه عاطفة حفظ النسل أو حفظ النوع إلى العداء والاعتداء على أو اتقاء كل ما من شأنه تهديد ذلك وقد يرمي بنفسه إلى التهلكة لا بسبب اختياره الانتحار وإرادته ذلك وإنما التماسا للنجاة ولكن بطريقة اتباع القطيع الفطرية المركبة في حيوانات القطيع العاشبة من الانعام والأفيال والبقر الوحشي والغزلان خلافا لباقي الأنواع الأخرى التي لا يوجد لها عدو مفترس مشترك ويلا التمييز بين قطعان الحيوانات المفترسة كالأسود والضباع والكلاب المفترسة وقطعان الفرائس كخرفان بانورج هذا. فهذه الخراف لم تتحذ هذا السلوك عن إرادة واعية وقوية بالعزم على الانتحار لعدم علمها أن القفز إلى البحر يؤدي للطرق والتهلكة، ولكن فقط بوعيها أو قل إحساسها الفطري بوجوب اتباع القائد وإلا تعرضت للهلاك ليس بالضرورة من مصدر حقيقي وإنما مفترض يرمز إليه اتجاه ذهاب القائد. فالاحساس بالخطر هو الخوف الغريزي الذي يبعثه سلوك القائد في القطيع مرتبطا بوسيلة النجاة الفطرية لدي حيوانات القطيع وهي باتباع قائد القطيع طلبا للنجاة وهذا ما ركبته الطبيعة في الفطرة الحيوانية في الحيوانات التي تحيا حياة القطيع. فالدافع إلى الاتباع دافع غريزي محض فهي لا تملك أن تميز اتجاه النجاة إلا باتجاه القائد ولا تعلم حتى مصدر الخطر الحقيقي إن وجد. فمصدر الخوف واتجاه النجاة كلاهما في سلوك القائد وإن كان ليس ثمة خطر حقيقي أو النجاة في الاتجاه المعاكس.
      أما ما يطلق عليه “سياسة القطيع أو القطعان البشرية”، التي تتبع -بلا توطين للنفس- زلّات البشر ونزواتهم وأهوائهم ورغباتهم – فلا يمثل لهم بمثال القردة أو الخراف. فهناك اتباع فطري غريزي ناتج عن وعي محدود بوجود خطر في حالة الخراف أو أيضا بوجود خطر في حالة القردة مع عدم اختلاف الكابح الارادي الخارجي في الحالتين، بواسطة القرود التي علمت مصدر الخطر أو بصاحب الخراف الذي كابد في منعها اتباع القائد فتهلك حتى آخر خروف هلك معه.
      وأما القرآن فقد ذم فقط الامعات الذين يتبعون بوعي أو بلا وعي كالأنعام بل أضل سبيلا وهؤلاء الاخيرون هم الإمعات بوعي عن خطل ما يتبعون.
      أما مقولة علم الاجتماع [ لا أحد يأمر ، لكن الكل ينفذ ! فهي لا تنطبق حتى على القردة الذين أمر سابقوهم بإنزال كل جديد غير مجرب أو عالم بالخطر الذي منع سابقيه من الاقتراب من الموز فصار ذلك الخطر معرفة عامة أو تقليدا مرتبطا بشهوة أكل الموز إذا عممنا التجربة على مجتمع القردة والتقليد يتبع عند الإنسان كما القرود دون السؤال عن سببه أو بالأحرى عدم جدوى السؤال عن المصدر طالما لا توجد فائدة بعد أن أصبح تقليدا متبعا على أية حال إن علل العارفون السبب أم لم يعلمه الجاهلون بحقيقة السبب.

      1. أشكرك جزيل الشكر على التفصيل الرائع.
        ولكن الغرض من ذكر سياسة القطيع. هو الجانب الأسود السلبي منه الذين يتبعون بلا عقل. فهم كالأنعام بلا عقل. بل أضل سبيلًا من الأنعام. ولذلك نزل القرآن مخاطبًا العقل البشري من الخمول والسقوط في فخاخ التقليد المذموم والإتباع الأعمى.

  1. وكأن الكاتب يهاجم أصالتنا و خدارتنا و هويتنا الغبشاء الباذخة السمحة !!
    وهو لعمرى ما لم يجىء به الاولين ولا الاخرين من الخدر السمحين الاصيلين , وحديثه هذا لا يخرج عن الاستلاب الثقافى المزرى الذى يحاول النيل من خدارتنا و اصالتنا السمحة. المراحات و السعن و الصارقيل , الجلابية و التوب و السروال ابودكة السمح , الصارقيل الذى تغنى له كل المثقفين السودانيين و هو يحفر بعيدا فى باطن الارض , الختان و البطان و الجرتق ودق الريحة ورش اللبن و العرضات الماخمج , ندى القلعة و أيقاع التمتم و الدلوكة و السقطات المتتالية السرمدية التى يعكسها لحن السيرة السمح , شعيفة وأخواتها تكشو وبقبق و كبيرتهم فتفت.
    أن محاولته الفجةّ هى ما سبقه فيه محمد على الالبانى فى مصر , الذى ثار على ارثنا المملوكى السمح و قتل مؤسسى حضارتنا فى القلعة وهربوا من تبقى بعدها الى السودان لتتابع أجيالنا الارث الوحيد المتفرد طبقة بعد أخرى . ومن المبكيات المضحكات أن يطلقوا عليه مؤسس مصر الحديثة و مخلصها من حضارتنا المملوكية السمحة.
    ليت الكاتب كان موجودا فى صالون البروف الدوش رحمه الله بضاحية كولشيستر بلندن , حيث يتجاذب النخب السودانية و مثقفيها و حملة رايتها من الممكن لهم فى المنح الدراسية و الدبلوماسية و التجارية _ أطراف ولب هويتنا السودانوية الغبشاء السمحة , حيث أعد البروف مجلسه بجدارية تتسع بعرض الحائط وطوله لتيس يقف شامخا على جرف , تمتد لحيته لتلامس حشائش المراح تحته و تذوى بها الرياح , عيناه على جانبى رأسه متباعدتان وكأنه يغيب فى الحضرة , خطر لى أنه بعين يرقب ارداف حسناوات كولشيستر من زجاج النافذة و بالاخرى سوق الخدرة الاسبوعى على الناصية.
    يتخذ البروف مكانه متوسطا الكنبة أسفله , فيظلل التيس الشامخ ناصيته بينما تتدلى ساقي البروف الباديه من العراقى الشفاف السمح أسفله فيحركهم ميمنة و ميسرة فيعذب المثقفات من الحاضرات .
    أذكر حينها أن أنطلق وحيه برائعته سعاد , فدقت الدلوكة و تكتك بالحنقوقه سرواله و سوالوا رقعات فى الوسط و عض بخشموا القميص و غاب فى حضرة هويتنا الغبشاء السمحة , ودون وعى منه أطلق ساقيه للرياح وركضنا خلفه حتى وصلنا قصر باكينجهام و دلف على الملكة اليزابيث فأزبد و ارغى و دخل فى نوبة صرع حادة و سقط تحت اقدامها متشنجا وهو يردد :
    شان البت سعاد , أصلى عارف جنها , فى زول بيركز و ينجلد , لكنى عارف لو كل زول فى لندن أنجلد , يانى الاذاها و جنها !!
    فأندلق فنجان الشاى من يد الملكة من الاثارة و الحماسة و الهياج , ولدواعى البروتوكولات الملكية أمرت بأستبعادنا من بريطانيا وهى تمسح فمها بمنديل بشكل عصبى.
    رحم الله البروف , أسس الجمعية السودانية المناهضة للأسمنت هو ومجموعة من الخبراء الاستراتيجين السودانيين الخدر الاصيلين الممكن لهم فى الامم المتحدة و الجامعات العالمية و المؤسسات الاقتصادية الدولية.
    لفظ أنفاسه وهو يرفع أصبعه السبابة متمتما _ غبشاء أبنوسة السمحة الاصيلة الورعة الخدراء.
    فليتك ممسكا على قضاينا مثله و مثل كل قادتنا و مثقفينا و نخبنا الذين أدهشوا العالم فى كل المجالات.

    1. الاخيدر ود خمدنا او ود حمدنا الأصيل.
      على كل حال أشكرك ولكن بالطبع لا أتفق معك في طرحك المتواضع جدًا ولو كنت مستلفًا سلوك البروف ” الدوش” وسقوطه تحت أقدام الملكة اليزابيث يرغي ويزيد في حالة من الصرع كما تقول!
      هذا السقوط الذي ما زال سوداننا يواصل في مسلسلة إلى يومنا هذا بذات الطريقة مع اختلاف الزمكانية والأسماء.
      نحن مجتمع رعوي بدائي لا يعرف طريقًا إلى البناء والحضارة إلا في بعض مناطقنا النيلية.
      وكما يصور الفيلسوف المؤرخ ابن خلدون طبيعة أهل البادية بأنهم ينقضون حجارة العمارة والبناء والمدن ليقيموا عليها ثالثة الأثافي!😪.
      ذات العقلية الرعوية التي لا تميل إلى الاستقرار هي من تدمر أوطانها، لأن الوطن لا يمثل لها شيئًا ذا قيمة!
      فهي لا يقر قرارها على رقعة جغرافية محددة، فهي كالطيور المهاجرة من بلاد إلى بلاد. ولذلك حتى في ثقافتنا الغنائية نمجّد هذا النوع المهاجر الذي لا يعرف استقرارا ولا إقامة وإعمارا!.
      ماذا يفيدنا الرغي والزيد والهمهمات والتمتمات والسقوط تحت أقدام الملكات!.
      وماذا نستفيد من ذلك الخمول ولبس المرقع والدروشة الساذجة، بينما الأمم تصنع وتتقدم وتقدم للبشرية ما ينفعها في عمارة الأرض بكل جميل ومفيد؟!.
      وماذا نستفيد من إرث قطع أوصال شعبنا وأقعدهم عن الانتاج، بل أشعل براكين الغضب الكامنة بدواخلنا، بينما العالم سبقنا في مضمار العدالة والعدالة الانتقالية ونبذ العنصرية والكراهية بحثا عن السلام والعدالة والحرية الحقيقية وتم تجسيد تلك الشعارات واقعًا ملموسا!.
      إن كان هذا الموروث الذي تتحدث عنه يجعلنا ندور خارج نطاق الفلك الذي يعمل في تناغم بديع ، بينما نظهر نحن كقطعة غريبة وشاذة مصيرها السقوط مثل بعض المذنبات، ماذا نستفيد منه وهو لم يعد يقدم لنا ما ينهض بأمتنا وبلادنا حتى تكون في مصاف الدول المتقدمة وهي تملك كافة مقومات النهوض، إلا انسانها الذي أقعتموه عن الانتاج بمثل هكذا خزعبلات!.
      أتركوا الأمة وشبابها، واطلقوا عنهم قيد الوهم الذي تحبسونهم فيه مما جعلهم يفرون منه ويضربون في بلاد الدنيا بحثا عن حياة كريمة ولو ابتلعتهم البحار!.
      واقعدوا أنتم في دندندتكم ونوبتكم وصرعكم ورغيكم وزبدكم وسقوطكم تحت أقدام الملوك ليندلق فيكم فناجين قهوتهم 😅

      1. “فخلص العلماء إلى أن السلوك الجمعي يصنع الغباء ، ويرفع من درجته لدى الجماعة ، والأمة ، والشعب .. ويحوّل الأفراد والجماعات إلى قطعان بشرية ليس إلّا .. ثم ينتظم السلوك من تلقاء نفسه لا أحد يأمر لكن الكل ينفّذ..!.”
        وعليه من الممكن جدا تفسير حالة التخلف والتشرذم التي نعيشها كشعب و “أمة” بسبب السلوك الجمعي “القطيعي” والذي يخنق الفرد وقدرته على التفكير المنطقي، دعك من التأمل الإبداعي. ومن ثم تتراكم الاخطاء وبفعل الزمن والضغط الاجتماعي الذي يلبس القديم هالة قدسية وجلباب مهترئ من التواضع الزائف، وعصاة سحرية ممدودة بعنجهية وازدراء على كل جديد، باسم الأصالة والدين والعادات والتقاليد، تحيل كل جديد وأصيل حقا الى مزبلة الشك وعدم الانتماء.
        كاتب هذا الموضوع نفسه لم يجد بد من التلكأ والتعكز بتلك العصاة محاولا ابطال سحرها بحشر بعض الآيات القرآنية والاستشهاد بها ظنا منه انها يمكن أن توفر له الغطاء من اتهامات القطيع المعلبة. ولكن بحشر تلك الآيات فهو ايضا للأسف يضع الخمر الجديدة (المقال نفسه) في زقاق عتيقة، فشقت الخمرة الجديدة الزقاق، فالخمر تنصب والزقاق تتلف. فيا عزيزي كاتب المقال ضع مقالك الجديد في زقاق جديدة وليس هنالك داعي للرجوع للوراء خطوات بعد أن تقدمت خطوة باستشهادك بالتجارب العلمية (تجربة القردة). فأنت في نهاية مقالك قد اشتريت خروف بانورج ورميته في البحر، فماذا تنتظر؟

        1. نستنتج من كلامك انك تنتقد استشهاد كاتب المقال بآيات من القرءان الكريم .
          اذا كان الاستشهاد في موضعه فهو امر جيد و مرحب به و لو استشهد أحدهم ببيت من شعر او حكمة ما في موضعها يحمد له ذلك , فكيف اذا كان الاستشهاد بكلام رب العالمين .

          أما اذا كان الاستشهاد في غير محله فبين لنا !

  2. طبعا هذا السلوك نتج عنه فساد غالب وسط المتاسلمين قطيع الحضاري و من الصعب علاج هذا السلوك الا بقانون جمعي تعزيري مكتسب من تربية تخضع لسلوكيات سوية تحفظ حقوق الجميع مع اللعانات الجمعية لسلوك القطيع الفاسد

    1. الأستاذ الطيب تاي الله..القطيع لا يُحمد ولا يُشكر ولا يأتي منه خير ألبتة في جميع أحواله، بغض النظر عن اتجاهاته وأيدلوجياته.
      فهو معطّل للفكر والعقل والانتاج…!
      إذا كان الجماعة أو الأمة من الناس على اختلاف الملل والنحل والطوائف والأحزاب تتخذ سياسة القطيع فلا يمكن أن تقدّم للعالم شيئًا مفيدًا، لا في دينها ولا دنياها!.
      لذلك جاء هذا القرآن ليحرّر الفرد من التبعية المطلقة لأي كائن من كان إلا النبي المعصوم صلى الله عليه وسلم.
      فالبشر معرّضون للأخطاء، لذلك يجب توطين النفس وعدم الانسياق وراء أهوائهم وأطماعهم ونزواتهم.
      أما السلطة فهي منوطة بمهام محصورة ومقصورة في عمارة الدنيا وحراسة الدين.
      فإذا خرجت عن هذا، أو قصّرت فيه، لم تكن سلطة شرعية ولو فوّضها غالبية الشعب مثلما نرى في الديمقراطيات الغربية التي فقدت أهم عناصر بقاءها ” العدالة “.
      والإسلام هو الدين الحق إذا ما وجد أمة تجسّده واقعًا في حياة الناس.
      أشكرك على تفاعلك. ولك مني التحية.

  3. “فخلص العلماء إلى أن السلوك الجمعي يصنع الغباء ، ويرفع من درجته لدى الجماعة ، والأمة ، والشعب .. ويحوّل الأفراد والجماعات إلى قطعان بشرية ليس إلّا .. ثم ينتظم السلوك من تلقاء نفسه لا أحد يأمر لكن الكل ينفّذ..!.”

    وعليه من الممكن جدا تفسير حالة التخلف والتشرذم التي نعيشها كشعب و “أمة” بسبب السلوك الجمعي “القطيعي” والذي يخنق الفرد وقدرته على التفكير المنطقي، دعك من التأمل الإبداعي. ومن ثم تتراكم الاخطاء وبفعل الزمن والضغط الاجتماعي الذي يلبس القديم هالة قدسية وجلباب مهترئ من التواضع الزائف، وعصاة سحرية ممدودة بعنجهية وازدراء على كل جديد، باسم الأصالة والدين والعادات والتقاليد، تحيل كل جديد وأصيل حقا الى مزبلة الشك وعدم الانتماء.
    كاتب هذا الموضوع نفسه لم يجد بد من التلكأ والتعكز بتلك العصاة محاولا ابطال سحرها بحشر بعض الآيات القرآنية والاستشهاد بها ظنا منه انها يمكن أن توفر له الغطاء من اتهامات القطيع المعلبة. ولكن بحشر تلك الآيات فهو ايضا للأسف يضع الخمر الجديدة (المقال نفسه) في زقاق عتيق. انصبت الخمر ولم تسلم الزقاق.
    الأجدر وضع الخمر الجديدة في قوارير جديدة. فليس من المقبول أن تستشهد بتجربة علمية (القردة) ومن ثم تتراجع إلى الوراء بحشر آيات من القرآن حشرا، معتقدا بأنها يمكن أن توفر للمقال أو لك غطاء يعصمك من عصاة التقليد الممدودة لتأديب (القردة) مفارقة الجماعة.
    انك في نهاية المطاف اشتريت خروف بانورج ورميته في البحر. فماذا تنتظر ؟

    1. أستاذ طارق..أشكرك على التفاعل وإن كنت غير متفق معك بكل تأكيد على استدراكاتك المستدرك عليها ولا بد.فما تزعمه بأنني بعد أن تقدمت تراجعت!. تقدمت باستشهادي بتجربة علمية ثم تراجعت باستشهادي بآيات من القرآن.
      هل في ظنك أن القرآن يتنافى مع التجارب العلمية ؟، وهل تظن أن التجارب العلمية حاكمة في كل الأحوال على القرآن؟؟.
      إذا كان ذلك كذلك، فأنا وأنت مختلفان من حيث المبدأ..فشخصي ينطلق من مبدأ الإيمان المطلق بوجود الله تعالى وقدرته واعجاز القرآن الذي لم تبلغه بعد عقول البشر إلى قيام الساعة. مع أن التجارب العلمية أثبتت في كل مرة تقدم القرآن وسبقه بألف وأربعمائة وأربعين عام أحدث الاكتشافات العلمية.
      وحيث استشهدت بالآيات القرآنية في محلها من إبطال سياسة القطيع وأنها سببًا في ضلال كثير من ضل عن الصراط المستقيم.
      فما الذي تعيبه علي والاستشهاد صحيح؟؟!.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..