وجوه أخرى للإستثمار

(كلام عابر)
عبدالله علقم
[email][email protected][/email]

وجوه أخرى للإستثمار

كتب الكاتب السعودي الدكتور خالد الباطرفي في صحيفة “سعودي جازيت” الإنجليزية اليومية تحت عنوان” الاستثمارات السعودية السودانية وغابة البيروقراطية”، فقال:
تلقيت دعوة من رجل الأعمال السعودي الشيخ محفوظ بن محفوظ لحضور مؤتمر سعودي سوداني يعقد في الرياض الشهر القادم بهدف تعزيز التجارة وتشجيع الاستثمار في السودان خصوصا في مجالبنية التحتية والزراعة. كل منا يحتاج للآخر. المملكة العربية السعودية لديها الكثير لتقدمه لإعادة بناء السودان الذي مزقته الحرب والوفاء باحتياجاته السوقية. يمكن لرأس مالنا الخاص استغلال فرص كبيرة لم تستغل بعد في البلدان الأفريقية المجاورة.

اطلق على السودان اسم”سلة غذاء”العالم العربي منذ عقود طويلة لن معظم البلدان العربية تفتقر للموارد المائية والسودان يمتلك من هذه الموارد ما هو فوق حاجته. إن نهر النيل بفرعيه الأبيض والأزرق اللذين يلتقيان في الخرطوم، يهب الحياة لمساحة من الأرض بحجم مساحة أوروبا. أطلق عليها اسم السودان، “ويعني الأسود في اللغة العربية” نسبة للون التربة. النيل الكريم يحمل معه التربة الخصبة من يوغندا واثيوبيا ليخصب الاراضي الواقعة على ضفتيه. كانت مصر تتمتع بهذه الهبة حتى قام الرئيس الراحل جمال عبدالناصر ببناء خزان أسوان في سنوات الستين من القرن الميلادي الماضي فأدي ذلك لحجز التربة الخصبة من الذهاب مع النهر إلى الشمال.

بعد استقلال السودان من بريطانيا العظمي وانفصاله من مصر في 1956، تباطأ التطور المدني والتنمية بفعل الحروب الأهلية والاضطرابات السياسية. لكن اليوم ، وبنهاية الحرب بين الجتوب والشمال والهدوء النسبي في دارفور التفتت الحكومة السودانية أخيرا إلى بناء وتطوير البلد الفقير.

من الناحية الأخرى يواجه العالم، خصوصا منطقتنا، نقصا خطيرا في المياه والغذاء، ومع الاحتباس الحراري العالمي وزيادة أعداد السكان، أصبح الكل يسعى لتأمين موارد غذائية مضمونة. ظلت المملكة العربية السعودية تعمل لسنوات عديدة على معالجة هذه المشكلة. مبادرة الملك عبدالله تدعو للاستثمارات الخاصة في البلدان الآسيوية والأفريقية. استجاب كثير من المستثمرين، مثل الشيخ محمد حسين العمودي، لنداء الملك فقاموا، بمساعدة دعم حكومي وقروض حكومية سخية، بالاستثمار بكثافة في تطوير الزراعة في أثوبيا جارة السودان غير العربية.

ألم يئن الأوان بعد للتوجه شمالا للاستثمار في السودان؟ ظاهريا يبدو الأمر معقولا، فالبلد يملك كل المكونات الأساسية: الماء، والتربة الخصبة، والطرق، والموانيء، والمطارات، والكهرباء، والموارد البشرية والسلام.

عندما زرت السودان في 2002 برفقة الأمير محمد الفيصل، رئيس مجلس إدارة بنك فيصل، كانت البنية التحتية ضعيفة والخدمات متردبة لكنها تطورت بقدر كبير منذ ذلك التاريخ. كانت البلاد آنذاك غارقة في الحرب في الجنوب والغرب والشرق، لكنها أصبحت اليوم أكثر سلما وأمنا. هناك مشكلتان باقيتان بعد.. هما البيروقراطية والظلم. في السودان مثل كثير من بلدان العالم الثالث لا يتم التقيد بالقوانين في كل مرة وعندما يتم التقيد بها فإن ذلك لا يكون دائما لتحقيق الأفضل.

البيروقراطية تسبب الاحباط للمستثمر المحلي نفسه ناهيك عن المستثمر الأجنبي. يشكل البيروقراطيون العنيدون عقبة كبيرة بتجاهلهم أو تأخيرهم أو رفضهم تنفيذ أحكام المحاكم وأوامر المسؤولين التنفيذيين. على سبيل المثال، أقام مستثمر سعودي وشريكه السوداني معرضا للصادرات عام 1989 في العاصمة الخرطوم، ولقي ذلك المعرض رواجا كبيرا بوصفه بوابة يمكن أن تؤدي لإقامة روابط تجارية وثيقة، ولكن عندما انتهى المعرض لم يسمح لمنظميه باستعادة موادهم المعروضة كما وعدوهم من قبل وتكبدوا جراء خسارة بلغت ملايين الدولارات. قاموا برفع قضية قضت فيها لمحكمة بالحصول على تعويض من الحكومة،وأمر رئيس الجمهورية بالتنفيذ الفوري لحكم المحكمة. مرت الآن أكثر من عشرين سنة على صدور الحكم ولم يسترد المستثمرون شيئا.

مثل هذه الحوادث تخيف المستثمرين السعوديين الجادين. قد تكون لديهم النوايا الحسنة للاستثمار في بلد عربي عزيز وجار لكنهم يشكّون في وجود بيئة أعمال عادلة منظمة ترحب بهم وبالتالي لا يستطيعون المغامرة بوقتهم الثمين وجهدهم الشاق وأموالهم العزيزة.
نصيحتي للسودانيين أن يوفروا هذه البيئة الصحية قبل أن يدعوا المستثمرين.عليهم توفير قوانين ومفوضية تتمتع بالصلاحيات لفرض هذه القوانين. حرية انتقال العملة الصعبة دخولا وخروجا أمر لا بد منه. يجب حل جميع القضايا العالقة. بدون القيام بهذه الخطوات لا أستطيع أن أوصي باستثمار السعوديين في السودان العزيز. ما من أحد يستطيع المغامرة بأمواله التي اكتسبها بشق الأنفس في غابة من البيروقراطية.

إلى هنا انتهي مقال الكاتب السعودي الذي أطلعني عليه الأخ محمد الحسن عباس، وليس لي فيه سوى فضل الترجمة من الإنجليزية إلى العربية.

وعن الموضوع نفسه،الذي نتفق مع كثير مما ورد فيه، نقول أن السودان في حاجة فعلا للاستثمارات الجادة والمستثمرين الشرفاء، ويجب أن يكون اجتذاب المستثمرين للاستثمار في السودان هدفا استراتيجيا بغض النظر عن النظام السياسي الحاكم، ولا أعني هنا، ولا يدخل في مظلة الاستثمار الجاد،محلات الشاورمة وصوالين الحلاقة وغيرها من “الاستثمارات” الهامشية والطفيلية التي اندفعت نحو بلادنا كالسيل من البلدان “الصديقة” و”الشقيقة” في ظل فوضى استثمارية متواصلة غير خلاقة. هناك مستثمرون طفيليون استنزفت “استثماراتهم” الاقتصاد الوطني وتضاعفت أرباحهم وتراكمت خلال سنوات قليلة لتعادل أضعاف عديدة من رأس المال المستثمر بمعدل يفوق كل المعدلات المعروفة، بفضل ما حصلوا عليه من اعفاءات وامتيازات سخية من الدولة، وخير مثال لمثل هؤلاء هو بنك فيصل الذي لم يمول قط نشاطا انتاجيا، صناعيا كان أم زراعيا،طوال فترة عمله الطويلة في السودان والتي بدأت في ظل ظروف استثنائية.

يجب أن يوجه الاستثمار إلى المشاريع الانتاجية والبنى التحتية التي تسهم في التطور الاقتصادي والاجتماعي والتي توفر فرص العمل والتدريب واكتساب الخبرة والتطوير الذاتي لأبناء الوطن وتكون إضافة للدخل القومي وفي نفس الوقت تحقق عوائد عادلة ومشروعة للمستثمر الذي هو بالضرورية مؤسسة ربحية لا توزع أموالها صدقةعلى الآخرين. هذا هو الاستثمار المثالي الذي تسعى الحكومات لجذب استثماراته وأمواله،أو هكذا يجب. هناك عدد من المستثمرين السعوديين وغير السعوديين الجادين الذين تضرروا كثيرا من تجاربهم غير الموفقة في الاستثمار في السودان، بل وتختزن ذاكرة بعضهم وقائع سلبية كثيرة غير مشرّفة، لكن في المقابل هناك نوع آخر من صغار “المستثمرين” الذين انصرفوا للممارسات المدمرة للاقتصاد والمضاربات في الأراضي بأريحية وسهولة لا تتوفر لهم في بلادهم عبر وسطاء سودانيين فألحقوا أضرارا بليغة غير مرئية بالبلد وبالمواطن. ليس كل المستثمرين ملائكة.

نتفق مع الكاتب على ضرورة توفير البيئة الصحية الجاذبة للاستثمار وفق قوانين وسياسات عادلة وثابتة تحفظ للمستثمر حقوقه مثلما تحفظ للوطن حقوقه، هذا أمر هام وأساسي للاستثمار، ويتساوى مع ذلك أهمية مبدأ عدم فتح أبواب الاستثمار إلا للمستثمرين الجادين الذي يسندهم تاريخ طويل من السمعة الحسنة والخبرة والقدرة المالية، لكن يجب أن يسبق ذلك كله استقرار سياسي وسلم اجتماعي ما زال في رحم الغيب،وربما يتهيأ في سنوات قادمة.

تعليق واحد

  1. اى جهة مهما كانت تاخذ عملة صعبة خارج السودان وهى عهول هدم للسودان وليس اقتصاده فقط .لذلك كل مستتثمر يجب ان يأخذ ارباحه واى اموال تخصه عينيه مما انتج ان كان مجال زراعى صناعى حيوانى ان كان فى السودان من قلبه على البلد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..