الفاشية تطل برأسها من جديد بعد نتائج انتخابات البرلمان الأوربى

أجريت الانتخابات العامة للبرلمان الأوربى فى الفترة ما بين الثانى والخامس والعشرين من شهر مايو 2014 والتى تعتبر الانتخابات الثامنة فى تاريخ الاتحاد الأوربى الذى يضم ثمانية وعشرون دولة. كما شارك عدد كبير من الأحزاب السياسية الرسمية فى تلك البلدان دون أن تسجل مقاطعة أو طعن فى شفافية وصحة سير العملية الانتخابية وفقاً للنظم والقوانين التى تحكم العملية.
بناء عليه يمكن القول أن نظام الانتخاب للبرلمان الأوربى المجرب خلال ثمانية دورات انتخابية أثبت صلاحيته بدليل أنه مقبول من قبل الناخبين كأداة أو وسيلة ديمقراطية تضمن الحق والمشاركة فى عضوية البرلمان حسب نسبة الأصوات التى تحصل عليها التى يحددها قانون الانتخابات.
قبل أن نخوض فى تفاصيل ونتائج انتخابات البرلمان الأوربى أرى أهمية طرح السؤال الآتي الذي أصبح مثار خلاف وجدل محتدمين حول عملية الانتخابات بصورة عامة وصندوق الاقتراع بصورة خاصة كوسيلة وأداة معتمدة للوصول الى كراسى الحكم فى بلدان العالم الثالث؟
هنالك من يرفض التجربة الديمقراطية الغربية جملة وتفصيلاً ولا يرى فائدة من التعامل معها سواء كان من الناحية النظرية أو العملية وله أسبابه ودوافعه. هنالك من يقر بأهمية العملية الديمقراطية الغربية من الناحية النظرية والعملية وكتجربة يمكن الاستفادة منها وفيما تقدمه من حلول للكثير من القضايا المستجدة التى تجابه بلدان العالم الثالث خاصة فى مجال الديمقراطية ونظام الحكم. بالإضافة الى ذلك العلاقة التى تربط بلدان العالم الثالث اقتصادياً وسياسياً بدول أوربا وعسكرياً وأمنياً والتى لا فكاك منها بالنسبة لبلداننا فى الوقت الحاضر.
دعونا من هذا المنطلق نتعرف على ما جرى خلال انتخابات البرلمان الأوربى وما أفرزته من نتائج وما سيترتب عليها من تداعيات سيكون لها حسب تقديرى تأثير كبير على علاقة دول الاتحاد بالعالم الثالث.
نسبة لأن أعداد الأحزاب التى اشتركت فى الانتخابات كثيرة سنقتصر فى عرض النتائج التى أحرزتها الأحزاب التقليدية الكبيرة ذات الوزن السياسي فى دول الاتحاد خاصة فرنسا وبريطانيا.
بالنسبة لفرنسا كانت هزيمة الحزب الاشتراكى مدوية والتى وصفها الرئيس الفرنسى أولاند بأنها عبارة عن الزلزال الذى حدث تحت أقدام حزبه الاشتراكى الذى يقف فى قمة السلطة. النسبة التى تحصل عليها الحزب الاشتراكى حوالى 25% من الأصوات. تجدر الإشارة الى أن السيدة مارين هي ابنة مؤسس الحزب السياسي اليميني المشهور لوبان.
فى بريطانيا نال حزب الاستقلال الذى يدعو لاستقلال بريطانيا حوالى 28% من الأصوات وحزب العمال على 25% من الأصوات وحزب المحافظين على 23% من الأصوات.
أما فى المانيا كان نصيب الاتحاد الديمقراطى المسيحى 30% من الأصوات والحزب الاشتراكى الاجتماعى الديمقراطى 27% من الأصوات. الأحزاب التى تمثل اليسار كانت نسبتها من الاصوات ضعيفة لا تتعدى الثمانية فى المائة كذلك كان الحال بالنسبة لأحزاب الخضر التى كان لها تمثيل لا بأس به فى البرلمانات السابقة.
فيما يتعلق بالانتخابات فى جمهورية التشيك تجدر الاشارة الى أن هذه الانتخابات تعتبر أول انتخابات تدخلها لأنها انضمت مؤخراً للاتحاد الأوربى.
الحزبان اليمينيان أنو ANO والأعلى Top 9 نال كل منهما حسب النسبة المئوية تسعة مقاعد أى مجموع ثمانية عشر مقعد للاثنين فى حين ان الحزب الاشتراكى الاجتماعى لم ينل سوى اربعة مقاعد والذى كان الحزب الحاكم بعد انهيار النظام الاشتراكى. الحزب الشيوعى تراجعت نسبته حيث نال ثلاثة مقاعد بدلاُ عن أربعة مقاعد فى البرلمان السابق.
إذا ما أضفنا النتائج التى تحصلت عليها احزاب اليمين مجتمعة فى ايطاليا فإن عدد المقاعد التى نالتها حولى ثلاثة وستون مقعداً. هذا دون شك حصاد كبير لا يمكن الاستهانة به. فى هذا السياق أيضاً اذا ما وضعها النسبة التى تحصلت عليها أحزاب اليمين مجتمعة فى الميزان مقابل القوى الاخرى فإن كفة أحزاب اليمين ستكون الراجحة.
أننى باختيارى العنوان الذى تصدر هذا المقال أردت أن أنبه الى الخطر الداهم القادم الى أوربا والذى اذا ما كتب له النجاح سيمتد الى بقية بقاع العالم لا محالة. علينا أن نتذكر ونفهم من دروس التاريخ أن الفاشية كانت مجرد فكرة فى المانيا وايطاليا وسرعان ما اصبحت قوة منظمة حربياً واندمجت فى الحياة السياسية والا جتماعية والعسكرية. استطاعت ان تدخل الانتخابات البرلمانية عام 1933 وتتحصل على أغلبية برلمانية استولت بواسطتها على مفاصل الدولة وكانت النتيجة اشعال الحرب العالمية الثانية التى احدثت الخراب والدمار بوصفها اكبر كارثة مرت على الانسانية.
في هذا السياق أود أن أذكر أن سكرتير الحزب الشيوعى الألمانى أرنست نيلمان مرشح الحزب الشيوعى للرئاسة نبه بالقول أن من يختار أدولف هتلر إنما يختار الحزب وقد كان. لذلك يجب عدم الاستهانة والتقليل من شأن الانتخابات الأوربية الحالية التى تتصدرها الأحزاب اليمينية التى تسعى الى تغيير المسار الديمقراطى فى أوربا وبالتالى تغيير التركيبة التى يستند عليها نظام الحكم فى الوقت الحاضر وإحلال تركيبة تناهض العولمة وضد المهاجرين وتدعو للأفكار الفاشية العنصرية. للأسف الشديد الشرعية التى اكتسبتها أحزاب اليمين نتيجة انتصارها الانتخابى الذى احدث تغييراً فى ميزان القوى يسمح لها أن تتقدم خطوة أولية فى اتجاه تغيير الهيكل والنظام الذى قام عليه الاتحاد الأوربى. هذا ما جاء فى أول تصريح أدلى به حزب الاستقلال البريطانى مباشرة بعد إعلان نتائج الانتخابات.
فى نفس السياق أعلنت رئيسة حزب الجبهة الوطنية ماريا لوبان أن نتائج الانتخابات تسمح بالدعوة لانتخابات جديدة إذا وضعت فى الاعتبار تراجع نسبة الذين صوتوا للأحزاب التقليدية فى المانيا وفرنسا وغيرها من بلدان أوربا فى الانتخابات المحلية التى سبقت انتخابات البرلمان ثم العدد الكبير من الذين يحق لهم الانتخابات لم يدلوا بأصواتهم فى انتخابات البرلمان.
المواقف السلبية من المشاركة فى الحملات الانتخابية تزداد من قبل المواطنين تغذيها الأزمات الاقتصادية والمالية والبطالة وغلاء المعيشة وارتفاع الضرائب وإيجارات المساكن وقلة الإعانات الاجتماعية التى تقدمها الدولة.
بناء على ذلك ليس من المستغرب أن يتشكل رأي على المستوى الشعبى والرسمي لا يرى فى الاتحاد الأوربى سوى كيان مصطنع لا طائلة من وراه ولا قيمة له.
إزاء كل ما قيل ويقال حول الأزمة التى تجتاح دول الإتحاد الأوربى نتيجة انتخابات البرلمان التى تمثل انعطافاً خطيراً فى مسيرة الاتحاد الديمقراطية، السؤال الذى يطرح نفسه هو: ما العمل وما هو السبيل للخروج من الأزمة وقفل الطريق أمام مخططات ومشاريع قوى اليمين الفاشية؟
مما لا شك فيه أن اتحاد دول القارة الأوربية العجوز لا يسبح فى بحيرة معزولة عن محيطها العالمى إن الرابط والقاسم المشترك بينها وبين بقية دول العالم تحدده العلاقات الرأسمالية السائدة والمهيمنة على أوجه الحياة الاقتصادية والمالية والعسكرية وغيرها. القوة التى أفرزها النظام الرأسمالى العالمى جعلت من الدول الرأسمالية الكبرى وفى مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوربية المنضوية تحت لواء الاتحاد الأورب المتحكمة فى الكثير من الحالات فى أمن واستقرار وسلام بلدان العالم التى لا يمك زمام أمرها والمحكوم عليها بالتبعية. على الرغم من ذلك يمكن القول أن الشرور والمصائب التى خلقتها وسببتها الدول الرأسمالية الكبرى وفى مقدمتها أمريكا عادت عليها بالكثير من الاضرار والانتكاسات يكفى أن نذكر النتائج والهزائم التى تكبدها الجيش الأمريكى فى أفغانستان والعراق ومالحق من ضرر بالشعب الأمريكى اقتصادياً وسمعة ومكانة بين شعوب ودول العالم.
دول الاتحاد الأوربى نالت نصيبها من الأضرار التى سببتها حروب أمريكا التى دعمتها وشاركت فيها. هاهي اليوم تجني ثمار التبعية والإسهام فى تنفيذ المخططات والمشاريع الأمريكية الإجرامية.
هاهي فلول القاعدة الذين عادوا من أفغانستان واستقر كثيرون منهم فى أوربا التى احتضنتهم كمواطنين يتمتعون بكافة الخدمات بما فيها الدبلوماسية. ما اقترفته عناصر تلك الفلول الجهادية الإسلامية من جرائم فى العراق واليمن والمغرب العربى والحرب المدمرة التى تدور رحاها اليوم فى سوريا تتحمل المسئولة الاكبر فيها دول الاتحاد الأوربى التى سهلت إقامتهم على أراضيها ودعمتهم. الجانب الأخطر فى الموضوع هو اختراقهم النسيج الاجتماعى وتغلغلهم فى الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية وبناء مراكز تخدم مشاريعهم العلنية والسرية. اليوم يعتاب المجتمع البريطانى قلق كبير من نشاط تلك المجموعات الإسلامية وقد بلغ الأمر حد التصادم بين وزيرى الداخلية والتعليم حول نشاط الإسلاميين فى مدينة بيرمنجهام الذى إضطر الحكومة نقل الملف للبرلمان للتباحث حوله والعمل على التعرف على ابعاد المشكلة واتخاذ ما يتطلبه الأمر من تدابير.
خلاصة القول أن النتائج التى تمخضت عن انتخابات البرلمان الأوربى الثامنة تمثل حدثاً تاريخياً هاماً وخطيراً فى مسيرة الحياة السياسية الديمقراطية الجديدة التى بدأتها شعوب أوربا بعد الحرب العالمية الثانية والانتصار على الفاشية التى أقسمت على اقتلاعها من الجذور لتبنى على انقاضها حياة جديدة تليق با|لإنسان وتضمن له الأمن والسلام والحرية والعيش الكريم.
ليس أمام مواطنى الاتحاد الأوربى خاصة القوى السياسية الحية المناضلة من أجل الحرية والديمقراطية من سبيل للخروج من الأزمة الحالية سوى الرجوع الى تاريخها العريق فى مناهضة الفاشية واستخلاص الدروس والعبر منها التى يمكن الاستفادة منها فى دراسة التجربة الحالية التى أوصلت قوى الفاشية الجديدة إلى قمة مركز القرار فى الاتحاد الأوربى. أليس حرياً بمواطني الاتحاد الأوربى أن يحاسبوا أنفسهم على الموقف السلبى الذى اتخذوه عندما قاطع اكثر من 80% من الذين يحق لهم التصويت ولم يدلوا بأصواتهم؟!
تلك تجربة يتطلب الأمر أن تستفيد من نتائجها كل شعوب العالم التى ترزح تحت وطأة الأنظمة الديكتاتورية المستبدة التى لا تعرف ولا تجيد شيئاً سوى العبث بحاضر ومستقبل شعوبها.