أشكيت….عبور في اللون الأصفر

تحقيق: علي ميرغني
عشر ساعات كاملة يستغرقها الطريق من أمام وزارة الخارجية في شارع الجامعة إلى وادي حلفا التي تحفظ ذاكرة الشعب السوداني هتاف أهلها (حلفا دغيم ولا باريس)، لكن نفس المسافة قبل اكتمال طريق السليم وادي حلفا كانت تتطلب أكثر من سبعة أيام يرتسم فيها المعنى الحرفي لوعثاء السفر.
مناسبة سفري إلى وادي حلفا هي حضور الاحتفال بالتشغيل التجريبي لمعبر أشكيت/قسطل على الحدود مع مصر، التي غنينا لها مع كابلي يوماً (يا أخت بلادي يا شقيقة)، لكن الأجندة السياسية وضعت كثيراً من المعوقات في تواصل أبناء النيل.
نظلم المعبر لو اختصرنا معناه في تسهيل السفر وتبادل المنافع، فهو شريان آخر يضخ الحياة على شاطئ النيل، الشريان الأزلي، ولا أكون مبالغاً لو قلت إن المعبر سيكون رابطاً بين أفريقيا جنوب الصحراء وشمالها وأوروبا، بل حتى قارة آسيا، وشاهدت فعلاً سيارة أوروبية عبرت البحر المتوسط إلى مصر وإلى السودان عبر أشكيت لتصل إلى القلابات في طريقها إلى جنوب أفريقيا.
افتتاح المعبر يعني حركة تجارية وبشرية واسعة، تتطلب تنسيقاً وتهيئة على عدة مستويات، على أقل تقدير الزيادة العالية في عدد مستخدمي الطريق من شاحنات وبصات وسيارات خاصة تتطلب استعدادات شرطية تناسبها في الكم والكيف، أيضا الارتفاع المتوقع في عدد السياح الذين سيصلون السودان عبر هذا المعبر لها مستحقات تبدأ من تدريب الكوادر البشرية المتوقع استيعابها في هذا المجال ولا تنتهي عند الاستراحات على الطريق والفنادق فضلاً عن الخرط التي توضح المسافات زمناً وكيلومترات، وأين توجد الخدمات اللازمة للسياح.
مجهود كبير
قبل الذهاب في تفاصيل ما بعد افتتاح معبر أشكيت/قسطل، ربما من باب أن من لا يشكر الناس لا يشكر الله، يكون لازما على من يستعمل الطريق من السليم إلى وادي حلفا أن يعطي الشركات المنفذة له، ووزارة الطرق والجسور حقها، ويقول: إنه عمل كبير وضخم، تطلب تضحيات كبيرة من العمال والمهندسين، الذين نفذوه في ظروف طبيعية قاهرة ودرجات حرارة قمة التطرف بين باردة جدا ليلا وحار جدا نهاراً.
أين صديق عبد الرحيم؟
نحن من جيل درسنا جغرافية السودان ولنا أصدقاء زرناهم افتراضاً، أحدهم صديق عبد الرحيم في القولد، الذي أكلنا معه الكبيدة، لكن المشهد الآن في القرى التي يمر بها طريق السليم وادي حلفا يعطيك صورة مخالفة تماماً لتلك التي اترسمت في عقلنا الطفولي، قرى لا حياة فيها، بيوت سقوفها مخلعة، يبدو أن أهلها هجروها بعد أن أصبحت الحياة فيها طاردة، وكما عرفت فالنخيل ما زال يعطي بسخاء، لكن ظروف السودان الجيوسياسية قللت الطلب على التمور، فأصبح التمر بلا ثمن ومنتج غير مربح، يضاف إلى ذلك عامل آخر، السماح باستيراد التمور من السعودية مما أدى إلى دق آخر مسمار في عهد التمور.
المقابر المهجورة
قد لا تصدق أنني مررت على مقابر مهجورة، نعم مهجورة، ليس لأنها امتلأت، وأصبح تتضاحك من تزاحم الأضداد، لكن هيئتها تدل على أن آخر جثمان دفن فيها منذ عقود، ببساطة لأن القرية لم يعد فيها إنسان يموت فيتم دفنه فيها.
يحبون العاجلة
المحليات والوحدات الإدارية في السودان جبلت على حب التحصيل، والعتب هنا على قانون الحكم المحلي، سلوك هذه الوحدات الإدارية، وسعيها غير الرشيد وراء التحصيل، جعلها لا تنظر أبعد من التحصيل السريع من أي مورد كان، بدون النظر إلى تبعات الممارسات الاقتصادية المراد تحصيل الرسوم منها، على المجتمعات المحلية من منظور بيئي ومجتمعي وربما حتى على نطاق الأمن القومي.
أعني هنا التعدين العشوائي أو الأهلي، نظرة سريعة على المخلفات الآدمية في مناطق تجمعاتهم ترجح لك أن هذه المناطق موعودة بحميات وأوبئة، وأن المسألة مسألة فقط، يضاف إلى ذلك السلوكيات السالبة الأخرى التي سمعت عنها، وهي قطعاً دخيلة على مجتمعات ريفية محافظة غالباً يكونون من أسرة كبيرة واحدة، وكل الشواهد في تأريخ البشرية تؤكد أن اجتماع المال الساهل (الذهب) مع الفراغ يقود مباشرة إلى انحراف مجتمعي خطير.
والأغرب أن عوائد المستخرج من هذه المناطق لا يرجع لها في أي شكل من الأشكال، ربما إلا انتعاش بيع الخدمات اللازمة لهؤلاء (الدهّابة)، في شكل مطاعم وترحيل وأمكنة للنوم، وهي قطعاً دخل قليل لا يغير الوضع الاقتصادي لهذه المناطق، ويخرجها من وهدتها إلى وجه القرن الواحد والعشرين.
خارج الشبكة
أثناء رحلتنا توقفنا لوجبة الأفطار في منطقة التمتام، بالطبع هو مطعم شعبي وخدماته تقل كثيرا عن شبيهاته على شارع التحدي (الخرطوم شندي)، مع ملاحظة أن افتتاح معبر أشكيت/ قسطل يعني بالضرورة حركة سياحية كبيرة ونحن على أبواب الشتاء موسم السياحة، لكن أين البنيات التحتية اللازمة لصناعة السياحة، والسيّاح هنا غربيون من بلاد مستوياتها الخدمية عالية، ولا يمكن أن يقبلوا بهذا المستوى.
سألت أحد الصبيان الذين يشتغلون في المطعم في منطقة التمتام إن كان يعلم عن افتتاح معبر أشكيت/ قسطل، كأني حدثته عن ثقب الأوزون، أو ربما خلاف أنجلينا جولي مع خطيبها، لا يعلم أصلا إلى أين يقود هذا الطريق أبعد من الملتقى وربما كريمة، فضلاً عن معرفة معبر أشكيت قسطل.
وهنا يبرز سؤال مهم، أين دور وزارة السياحة الاتحادية؟!.
الفراغ الخلاق
على الرغم من أننا غادرنا فجراً، لكنني حرصت على التمعن في كل تفاصيل الرحلة، خاصة من بعد منطقة السليم، لأن هنا تتصارع عدة عوامل مختلفة ومتبائنة، غالباً سيتنج عن هذا الصراع مجتمع جديد، أو حياة جديدة، قطعاً ليست التي كانت قبل افتتاح معبر أشكيت/ قسطل، ربما من حيث الإنسان- نفسه، أو غالباً في طريقة الحياة والثقافة.
مخاوف ومحازير
وادي خلفا مدينة يعتاش أهلها على حركة البواخر والمسافرين، تحمل الباخرة أسبوعياً حوالي (500) راكب معظمهم تجار، بالإضافة إلى بعض الصنادل الخاصة بنقل البضائع والسيارات، يعمل في ميناء وادي حلفا النهري (120) عاملاً، يرون في معبر أشكيت مهدداً قوميًا لأمنهم الاقتصادي.
الغرق للمرة الرابعة
رئيس العمال في الميناء النهري، حضر غرق مدينة وادي حلفا في الستينيات، وهو طفل صغير، لكن ذاكرته تحمل إلى الآن مشاعر فقدان البيت للمرة الأولى، ثم حضر الغرق مرة ثانية عندما ارتفعت مياه بحيرة النوبة مرة أخرى، وللمرة الثالثة يغرق بيته بسبب تواصل ارتفاع مستوى البحيرة، لكنه يرى أن كل هذه الكوارث طبيعية، وقدر رباني، والرضا بالقدر عبادة، لكنه يقسم بكل عزيز إن الغرق الرابع لا يمكن السكوت عليه، يقصد غرق وادي حلفا بسبب تحول الحركة التجارية إلى معبر أشكيت/ قسطل.
لكل أزمة حل
مخاوف رئيس عمال ميناء وادي حلفا النهري وجدت استجابة من الجهات الشعبية أو ربما هي إحدى منظمات المجتمع المدني في المنطقة.
أبو بكر بخيت المدير التنفيذي للغرفة الفرعية لأصحاب البصات السفرية في وادي حلفا، أبدى اقتناعا بوجهة نظر رئيس العمال الذي يحمل هم بقية زملائه الـ (120).
الحل يكمن في أن يقضي الركاب المسافرون إلى أسوان عبر أشكيت ليلتهم في مدينة وادي حلفا، على أن تذهب البصات السفرية إلى المعبر بدون ركابها، الذين ترك أمر ترحليهم إلى أشكيت للحافلات المحلية، بالتالي يمكن ضمان استمرار عمل هذه الحافلات، بالإضافة إلى تنشيط خدمة الفندقة والكافتريات في وادي حلفا، الغرفة على لسان مديرها التنفيذي التزمت بتحمل تكلفة الترحيل إلى أشكيت.
هزيمة جوهر فكرة المعبر
لكن هذا الحل قد يبدو غير مقنع لأن أحد أهم فوائد افتتاح معبر أشكيت قسطل هو اختصار الوقت والجهد البدني عبر السفر برحلة واحدة إلى أسوان، في الوقت الحالي وغالبا إلى القاهرة بعد انقضاء الفترة التجريبية لعمل المعبر بعد ثلاثة أشهر، وفي حال جعل الرحلة تشمل مبيتاً في وادي حلفا تفقد فكرة المعبر أهم محاسنهاأ وربما تصبح غير جاذبة إن لم تكن طاردة فعلاً.
حجيج صعيد مصر
يمكن للسودان أن يستفيد بدرجة كبيرة من معبر أشكيت في حال تسهيل مرور حجيج صعيد مصر، والمعتمرين عبر الأراضي السودانية إلى بورتسودان ثم ميناء جدة الإسلامي.
لكن ذلك يتطلب مجهودات كبيرة من الجهات السودانية ذات الصلة، ربما أولها وضع الفائدة القومية فوق كل المكاسب المحلية والولائية الأخرى- بمعنى آخر التفكير في الأمر بنظرة شاملة ربما التنازل عن بعض المكاسب والرسوم مقابل فوائد أكبر، مثل فرص العمالة التي يمكن أن تستحدثها رحلة البصات المصرية من أشكيت إلى أبو حمد، ثم عطبرة إلى سواكن، تبدأ من محلات إصلاح الإطارات، والأعطال الخفيفة، ولا تتوقف عند البترول، وتنشيط قطاع الفنادق، والمطاعم.
ولوكالات السياحة مخاوفها
التقيت في الخرطوم بمدير وكالة سياحة وسفر- معز ماهر- وهو من أبناء وادي حلفا، ويعمل في قطاع تنظيم الرحلات السياحية من أوروبا إلى السودان وعبره إلى أثيوبيا في طريقها إلى جنوب أفريقيا.
أبدى معز تخوفه من أن يؤدى تشغيل معبر أشكيت إلى تحول النقل بين البلدين عن الميناء النهري، مما ينتج عنه موت النقل النهري، لكن أين المشكلة هنا؟، يشرح معز أن السيطرة على النقل النهري من الجانب المصري يقع تحت سلطة وزارة التجارة، أي أنها نظرة سياسية اقتصادية، بينما السيطرة على المعابر البرية تقع تحت سلطة قوات حرس الحدود الاستخبارات المصرية، أي نظرة سياسية أمنية، هذا يعني أن أي توتر سياسي بين البلدين يعني تلقائياً إغلاق المعابر هذه، والتأريخ القريب يؤكد ذلك، والنتيجة أننا نكون وضعنا النقل النهري تحت رحمة الجيش المصري.
أرقين هو المشكلة
مدير ميناء وادي حلفا النهري، مجدي محمد عبد اللطيف، موقعه يؤهله أكثر من غيره لتقيم محاذير افتتاح معبر أشكيت على وادي حلفا، يضاف إلى ذلك أنه خارج أية تأثيرات عامل الانتماء إلى المدينة.
حسب مجدي نجد أن العملاء المستهدفين من معبر أشكيت ليسوا هم عملاء الميناء النهري، 98% من مستخدميه هم من التجار، وعادة تصل بضائعهم إلى طن تقريباً، وهذا يعني أن الأفضل لهم استخدام الميناء النهري؛ لأن البصات لا يمكن أن تحمل بضائع بهذا الوزن، بينما نجد أن حوالي 2% فقط من عملاء الميناء النهري هم من المرضى، أو السياح، وهم يحملون بضائع أقل بكثير، ويمكن أن يفضلوا استخدام البصات عن طريق معبر أشكيت.
افتتاح معبر أرقين يساوي موت حلفا
لكن مدير ميناء وادي حلفا النهري يشير إلى نقطة خطرة جدا يمكن أن تعدّ النهاية الحتمية لمدينة وادي حلفا، إن لم تعمل الجهات المختصة على تلافي ذلك منذ الآن، من المنتظر أن يتم افتتاح معبر أرقين، على الجانب الغربي لبحيرة النوبة خلال سنة أو أكثر قليلاً.
وتكمن خطورة معبر أرقين في أنه يمكن مستخدميه من نقل البضائع مباشرة من الخرطوم إلى القاهرة أو حتى الإسكندرية وبالعكس؛ لأن استخدام معبر أرقين يوفر أكثر من أربع ساعات بالإضافة إلى قرابة المئة جنيه عن كل طرد وأكثر من مئة وخمسين جنيهاً عن كل رأس بقر أو إبل يتم تصديرها.
يرجع ذلك إلى أن استخدام معبر أشكيت يعني استخدام العبارة النهرية من قسطل إلى أبو سمبل وهي مسافة (17) كيلومتراً تستغرق قرابة الساعتين، ويعني ذلك مزيداً من تكاليف النقل والعتالة ومزيداً من الزمن، بينما باستخدام معبر أرقين تكون الرحلة مباشرة دون الحاجة إلى استخدام عبارة، كما إن الطريق من دنقلا إلى أرقين أقصر من السليم إلى أشكيت.
إذن كيف الحل؟
حتى لا تموت مدينة وادي حلفا بموت الميناء النهري، وتحول الحركة إلى أرقين، يرى مدير الميناء النهري أن الحل يكمن في إنشاء جسر يربط حلفا بأرقين عند منطقة (جومي) عشرة كيلومترات جنوبي مدينة وادي حلفا؛ مما يسمح لسكان المدينة بالوصول إلى معبر أرقين والعمل هناك.
يبقى أن نقول: إن تقاطعات المصالح القومية والإقليمية تستهدف مرة أخرى مدينة وادي حلفا، التي سبق أن غرقت ضحية لمصلحة جمهورية مصر، والآن بعد خمسين سنة تواجه مصيراً أشد قسوة من الغرق، الموت البطيء ثمناً للمصلحة القومية على النطاق المحلي، ومصلحة مصر على النطاق الإقليمي، لكن ما زال في الوقت بقية لمعالجة ذلك، ووضع التدابير الكافية، قبل أن يصبح معنى أغنية صلاح ابن البادية (فات الأوان) طعماً مراً على الجميع.
التيار
.
صار طريق الجمال –اسفلت–اشكيت—-ابوسمبل
سيعود مركز العالم حول وفى هذا المكان كما كان فى عهد
رمسيس —-هنا القى سيدنا موسى فى النيل وفى ابو سمبل
اخرجوه الى قصر الملك رمسيس—-
القى فى اشكيت وتم انتشاله فى ابو سمبل
الراجل دا بيتكلم عن أي بلد أنت بتشتم تأك السم كابيدة شنو الأكلتو ولو ما أكلت كنت حتقول شنو … أصحي يا بريش في أي شبر في السودان الهجرة بطريقة مخيفة لكن ليس بهذه الطريقة؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
أتفق معك لأن الخطورة ستكون علي مدينة وادي حلفا … علي الأقل من الناحية الإقتصادية.. وبالتأكيد المصريين حسبوها الف مرة لصالحهم فقط دون الإهتمام بمصالح السودان ونضحيات أهالي وادي حلفا من أجلهم لأن الحكومة السودانية تبصم فقط علي كل ما تريده مصر … وكل مرة نسمع من المصريين يا ابن النيل وهو في سره ( حسب إعتقادي) يقول يا ابن الكل……………….
أتفق معك لأن الخطورة ستكون علي مدينة وادي حلفا … علي الأقل من الناحية الإقتصادية.. وبالتأكيد المصريين حسبوها الف مرة لصالحهم فقط دون الإهتمام بمصالح السودان ونضحيات أهالي وادي حلفا من أجلهم لأن الحكومة السودانية تبصم فقط علي كل ما تريده مصر … وكل مرة نسمع من المصريين يا ابن النيل وهو في سره ( حسب إعتقادي) يقول يا ابن الكل……………….