الى المجتمع الاقليمي: ايهما افضل، سودان حى ام ميت؟

لا أظن ان احدا بات يشك فى ان السودان ، أو بالاحرى ، النظام السودان قد مات او هو فى سبيله الى الموت فى اى لحظة . المسالة لم تعد تحتاج الى دليل ، فالادلة ” على قفا من يشيل ” ، كما يقول بسطاء اهلنا المصريين . غير اننا نذكر ببعض أهمها كمقدمة لهذا المقال:
ارتفاع اسعار كل شئ بشكل جنونى ، مع نقص السيولة وانعدامها تماما لدى البعض .
الجرائم غير المعتادة فى المجتمع السودانى ، والتى أصبحت من الاخبار اليومية المعتادة .
التدهور المريع فى كل مجالات وسبل الحياة : الصحة ، التعليم ، الاخلاق ..ألخ
تدهور الاحوال فى مناطق الحرب بصورة جعلت موت الناس بسبب الاستخدام العشوائى للسلاح من قبل الدعم السريع والبطئ ، حدثا يوميا وكذلك بسبب الامراض المعروفة وغير المعروفة وبسبب الجوع ، فمن لم يمت بالسيف مات بغيره.
خروج الكثيرين من مؤيدين سابقين للنظام عليه ، حتى أن كتلة التغيير فى البرلمان وصلت الى حد القول بأن حل المشكلة فى تخلى الوطنى عن الحكم !
وخارجيا ، الادلة تترى :
الرئيس الصومالى يدعو شعبه للوحدة ونبذ الخلاف حتى لايصل حال بلاده الى حال السودان !
اثيوبيا وارتريا يصلان الى اتفاق يجعل السودان خارج اطار العبة الاقليمية بالكامل .
المجتمع المسمى بالدولى يقرر سحب اليوناميد من دارفور فى العام 2020 ، أى مع الانتخابات الرئاسية المزعومة ، التى سجن محمد على الجزولى بسبب رفضه لها !
الاهم من هذا كله ، هو ما أشرت اليه فى مقال سابق ، من ارهاصات عن تحرك دولى واقليمى ساخن ، لانقاذ مايمكن انقاذه ، طبعا للمصلحة ، قبل ان يأتى طوفان الثورة الشعبية التى ستقتلع النظام من جذوره . وهذا هو بيت القصيد من هذا المقال : السؤال : هل الافضل للمجتمع الاقليمى ، وليس الدولى ، موت هذا النظام واحلال بديل حى ، أم احلاله ببديل لايغير شيئا ولكنه، كما يظنون ، سيحافظ على مصالحهم؟!
وسؤال يتسلسل من هذا : هل سيستطيع أى نظام مصنوع ومدعوم من الخارج ان يحافظ على وجوده من غير ايجاد حلول حقيقية لمشاكل طال امدها فى السودان ؟ وقبل هذا وذاك : هل ينسى هؤلاء واؤلئك مافعله الشعب السودانى وبشكل غير متوقع، بنظامين سابقين كانا مدعومين من الخارج ؟!
اجابتى القاطعة على هذه الاسئلة ، هى ان الاوضاع فى السودان قد وصلت الحد الذى يجعل اى حل لايستجيب لطلبات كل الشعب السودانى الملحة ، والتى لم تعد تقبل التأجيل أو الحلول الوسط ، لن يجدى حتى على المدى القصير . والذين يتوقعون غير ذلك ، اما انهم لايعلمون عمق المشكلة السودانية ، التى جعلت بلد كالصومال ينأى بنفسه من ان يصل الى الحالة السودانية ، واما انهم لايعلمون طبيعة الشعب السودانى التى برهن عليها فى تاريخه القريب .
ومع ذلك فانا لا اتوجه بحديثى هذا لما يسمى المجتمع الدولى ، وذلك لعدة اسباب :
أولها : انه لايمكن الحديث اليوم عن مجتمع دولى ، كما كان الامر على أيام الحرب ضد التمييز العنصرى فى جنوب افريقيا ، أو حتى عند الاتفاق على غزو العراق مقابل غزوه الكويت ! راجعوا ما يحدث فى القضية الخليجية والقضية السورية بل والقضية السودانية ، وستجدون مواقف مختلفة بل ومتناقضة بين دول المجتمع الدولى . كل منها يتابع مصالحه الخاصة من كل قضية ، وهى بالضرورة مصالح متعارضة .
ثانيها : ان اولويات المجتمع الدولى لاتشمل السودان فى الوقت الحاضر , والدليل ، أن الاهتمام الذى تجده القضية اليمنية ، مثلا ،- وأنا أشك فى ان ما يحدث فى اليمن اسوا مما يحدث فى مناطق الحرب فى دارفور وجنوب النيل الازرق وكردفان ، بل وما يحدث فى الخرطوم من انفلات امنى وحياتى بشكل عام ? لاتجد قضية السودان الجزء اليسير منه . تابع اخبار القنوات الدولية وستبرهن لك على ما ادعى .
فاذا فرغنا من موضوع المجتمع الدولى وجئنا الى هدف المقال الموجه الى المجتمع الاقليمى ، فسأبدأ ايضا بطرح بعض الاسئلة عليه :
هل تظن بعض بلدان المجتمع الاقليمى ان موقفها ، مثلا ، من المحكمة الجنائية سيمنع تقديم بعض رؤسائها الى تلك المحكمة ، فى أى وقت يرى المجتمع الدولى مصلحته فى ذلك ؟!
هل تظن بعض تلك البلدان ان بعض مشاكلها المعلقة فى السودان ستحلها سلطة لايرضى عنها الشعب السودانى ؟!
هل يظنون ان المشروعات التى يحلمون باقامتها فى السودان يمكن ان تنشا بغير رضاء الشعب ؟
من جانبى ارى ، كما نوهت من قبل فى عدد من المقالات ، ان الاجدى لدول الاقليم الافريقية والعربية ، ان تسعى لجعل التغيير الحقيقى فى السودان ممكنا ، وذلك على الاقل بامتناعها عن التدخل فى الشأن الداخلى مع او ضد النظام ، فالشعب السودانى ، حسبما اعتقد جازما ، قادر على ان يحقق ذلك التغيير دون مساعدة ، ولعل فى نتائج التغيير الذى حدث بتدخلات خارجية فى بلداننا العربية والافريقية مايبرهن خطلها .
من ناحية اخرى ، فان امكانيات السودان الهائلة لم يعد فيها شك . فاستمرار النظام حتى الآن برغم فعائله التى اعترف بها قبل الآخرين ، دليل على تلك الامكانيات ، التى لايختفى شئ منها الا ليظهر بديله . ذهب البترول الى الجنوب فحل محله الذهب حتى عن طريق تعدين عشوائى ! وامكانياته البترولية الكامنة فى دارفور وغيرها من مناطق البلاد والتى كشف عن مداها الخبير البترولى العامل فى منظمة البترول الافريقية واليورانيوم ، وماخفى من نفائس يعلمها المجتمع الدولى أكثر منا ، ولهذا يتدافع عليها . هذا بالاضافة الى الامكانيات الزراعية الهائلة التى جعلت منظمة الزراعة العالمية تعتبر السودان احدى سلال غذاء العالم الثلاث . وبالطبع لاانسى الامكانات البشرية للسودانيين ، التى ظهرت فى الخليج ، وفى بلدان العالم الاخرى ، التى أضطروا اليها هربا من جحيم الانقاذ . وما التعليقات الساخرة التى اصبحنا نسمعها من ” اخوتنا ” العرب ، الارد فعل ايجابى على المقدرات التى اظهرها شباب السودان الذى هاجر الى تلك البلدان .
فى بداية سبعينات القرن الماضى ، فى السنوات الاولى من عهد نميرى قبل ان يظن انه عبقرى زمانه ، عندما طرح شعار ” السودان سلة غذاء العالم ” ، جاء نفر من علماء السودان والعالم العربى وتحت رعاية الصندوق العربى للتنمية بالكويت وقاموا بوضع خطة لتنمية السودان حتى يتمكن اولا من الاكتفاء الذاتى كخطوة نحو اكفاء العالم العربى من احتياجاته الغذائية الرئيسة . كانت خطة رائعة ، وأظن انها مع بعض التعديلات تكون قابلة للتطبيق حتى اليوم . ولكن ? ولكن هذه لم لاتدعنى !-
كماهى العادة فى عالمنا العربى حالت التطورات السلبية المحلية والاقليمية دون تنفيذ تلك الخطة ، وظل بعدها مبنى فخما فى قلب الخرطوم تحت مسمى الهيئة العربية للتنمية الزراعية ، ظل يسخر من ذلك الوهم !
تحت الحكم اللاديموقراطى ، الذى يخلق المناخ الملائم لنمو الفساد وغيره من دواهى، “للاتنمية ” ، يصبح من المستحيل تحقيق التقدم . فاذا اراد اخوتنا فى الاقليم الاستفادة الحقة من موارد السودان ، فان الاساس لايكون الا قيام نظام ديموقراطى حقيقى لدينا ولديهم ، وهذا ما لايريده المجتمع المسمى بالدولى !
[email][email protected][/email]