أحفاد ناظم الغزالي يكتسحون برنامج ?أحلى صوت?

فاطمة البدري

لتكون شاعرا عليك أن تذهب إلى العراق، هذه المقولة قالها نزار قباني اعترافا منه بفصاحة العراقيين وقدرتهم على كتابة الشعر وتفردهم في هذا المجال عن غيرهم. بل إن هناك من يقول إن شعراء العراق أكثر من نخيلها، في إشارة إلى عددهم الكبير. ولكن برنامج ?أحلى صوت? الذي يذاع على قناتي ?أم بي سي 1′ و?أم بي سي مصر? قد أضاف مقولة أخرى مفادها أنه في زمن الموسيقى المهترئة التجارية عليك أن تتطلع إلى الأصوات العراقية لتتنفس عبق اللحن الجميل والصوت الساحر.
فمع بلوغ هذا البرنامج آخر محطاته أصبح من الممكن تسليط الضوء أكثر على موسم هذه السنة. حيث كان فيها نصيب الأسد للأصوات العراقية التي نجحت في إقناع المدربين والجمهور على حد السواء. وطبعا كما سبق وأشرنا الى أن هذه المواهب كانت على غاية من التألق والتميز، ولكن نحن نعلم جيدا أن هذه البرامج تعمل وفق سياسة داخلية للقناة. ولا يمكنها بأي حال من الأحوال أن تنفصل عنها، ولهذا يطرح الحضور الكبير للأصوات العراقية في برنامج ?أحلى صوت? هذا الموسم أكثر من سؤال؟
أولها هل تم توجيه البرنامج نحو استقطاب الأصوات العراقية على حساب بقية الجنسيات؟ أم أن القدرات الصوتية للعراقيين كانت الفيصل دون سابق ترتيب؟ وهل أن لدخول الشبكة السعودية لبلاد الرافدين علاقة في إتباع هذا الخيار؟
هي مجموعة أسئلة تطرح دون أن يكون القصد من ورائها التشكيك بقيمة أو حجم الأصوات والمواهب العراقية، بل على العكس من ذلك فهي تحملنا للتساؤل، لماذا غيبت الأصوات العراقية عن برامج المواهب العربية سابقا ما دامت على هذا القدر من التميز؟ فالمتابع لبرنامج ?أحلى صوت? انتبه حتما الى أنه وحتى حلقة السبت الماضي أو بالأحرى الحلقة قبل الأخيرة، التي ظل فيها لكل مدرب موهبتان يحدد الجمهور أيا من بينهما ستبقى، أن نصيب الأسد كان لأبناء دجلة والفرات أحفاد ناظم الغزالي.
فقد وصل لهذه المرحلة كل من ستار سعد من العراق وخولة مجاهد من المغرب بالنسبة لفريق كاظم الساهر، والتي اقتلع فيها ستار البقاء للمنافسة على اللقب بعد أن اختاره الجمهور. فيما نجح سيمور جلال من العراق أيضا في كسب دعم الجمهور له للبقاء ليوم الفصل على حساب ابن بلده محمد الفارس، بالنسبة لفريق صابر الرباعي.
ونجحت السورية هالة القيصر التابعة لفريق عاصي الحلاني في كسب رهان البقاء على حساب العراقي عدنان برسم. أما بالنسبة لشيرين، فقد تمكنت المصرية وهم من افتكاك مقعد البقاء من نظيرها السوداني نايل.
والملاحظ يرى أنه وبالاستعانة بالمعجم الرياضي فإن دور الثمانية ضم أربعة عراقيين. ووصل إلى المربع صوتان من البلد نفسه، أي بمعدل النصف، هذا دون أن ننسى الأصوات الرافدية العديدة التي خرجت في الأدوار السابقة.
أستطيع الجزم منذ الآن أن لقب ?أحلى صوت? سيكون لأحد العراقيين ستار سعد أو سيمور جلال.

أحداث خفية تدور في الكواليس

وبالعودة إلى ما سلف ذكره فإن اختيار إدارة شبكة ?أم بي سي? ليوم 29 مارس كموعد للإعلان عن انطلاق بث قناة ?ام بي سي العراق? على غرار نظيرتها ?أم بي سي مصر? لم يكن اعتباره أمرا اعتباطيا بالنظر إلى أن هذا الموعد يتزامن مع الحلقة الأخيرة لبرنامج ?أحلى صوت?، والتي سيعلن فيها عن المتوج.
زد على ذلك خروج المتبارية مروة المصرية، التي ظن الجميع أنها ستكون صاحبة اللقب أمام العراقي محمد الفارس، وما أثاره ذلك من جدل. ولعلي أستحضر تصريح مدربها صابر الرباعي هذا الأسبوع في أحد الإذاعات التونسية حول أسباب خروج مروة، حيث أوضح أنه قام بإخراجها بناء على طلبها وبإلحاح دون أن تتسنى له معرفة الأسباب التي دفعتها لاتخاذ هذا القرار.
مضيفا أنه قد حدث معها أمر ما أرهقها إلى درجة ارتفاع ضغطها وإحداث توتر متواصل دون أن تخبره بفحوى ما حدث معها. مع العلم أن صابر الرباعي من أكثر المدربين الذين راهنوا على الأصوات العراقية، إلى جانب أن ألبومه الغنائي الجديد موجه أساسا للسوق العراقية.
وهذا المعطى إنما يؤكد أن هناك أحداثا خفية تدور في الكواليس قد تكون هي جوهر سياسة البرنامج وأهدافه. وهذه الاعتبارات التجارية أساسا قد تكون بمثابة الضربة التي قد تسحق نجاح البرنامج، كما حدث مع عدة برامج أخرى فقدت بريقها بعد أن اكتشف الجمهور حقيقة ما يدور في الكواليس. وإن كان لا بد من الإقرار بأن المواهب العراقية أضفت روحا جميلة على البرنامج، من حيث الصدق في الغناء الذي ترجم معاناتهم دون مبالغة. زد على ذلك أن اللهجة المحلية والمقامات العراقية كانت بمثابة الرهان في شد الانتباه، وكسب دعم الجمهور، الذي تعود سطوة الأصوات اللبنانية والسورية والمغربية.

قناة ?التونسية? ونجاح سياسة التركيع

قد يكون هامش حرية التعبير هي المزية الوحيدة للثورة التونسية لا سيما فترة الانتخابات، ولكن هذا الرهان بدأ يتضاءل أمام الإرادة السياسية، التي أثار حفيظتها هذا المكسب. وأن يواصل بعض الإعلاميين التونسيين الذين خرجوا من جلباب الانتماءات الحزبية نضالهم ضد محاولات الإخضاع التي تمارسها السلطة وفق أساليب مختلفة. أعلن البعض الآخر ولاء الطاعة حماية لمصالحه أو مخافة فتح ملفاته القديمة. وهذا كان شأن قناة ?حنبعل? وتبعتها قناة ?نسمة?، التي كانت تصنف على أنها قناة اليساريين. فيما حاولت قناة ?التونسية? أن تتفرد بنمط إعلامي جريء ومتنوع سرعان ما أزعج رجال السياسة. ومن هنا بدأ مشوار عملية التركيع التي انطلقت بصاحب القناة والمبدع في تونس سامي الفهري الذي تم الزج به في السجن لمدة سنة بحجة تعامله مع العائلة الحاكمة أيام بن علي. وتم الإفراج عنه بصفقة تنازل بمقتضاها عن القناة التي بيعت لسياسي ورجل أعمال.
وفقد بذلك الفهري كل صلاحياته السابقة في التسيير والتحكم في توجهات القناة التي يعلم الجميع أنه سبب نجاحها.
وتواصل سيناريو تركيع القناة الذي اتجه نحو دفع أكثر الإعلاميين جرأة في القناة معز بن غربية إلى ترك العمل بها في سيناريو حبك بعناية. وتلا ذلك إيقاف برنامج ?عندي ما نقلك? الذي يقدمه الإعلامي علاء الشابي على خلفية حلقة 22 تشرين الاول/ نوفمبر 2013 والتي قام فيها باستدعاء مواطن للبرنامج ووضعه في مواجهة مع شاب على انه ابنه من علاقة غير شرعية. وأمام رفض الرجل الإقرار بأبوة الشاب تم اللجوء إلى التحليل الجيني الذي أثبت أن لا صلة بين الطرفين. وهو ما حمله لمقاضات مقدم البرنامج بتهمة التعدي على الحياة الخاصة ومس كرامة الرجل وإلحاق أضرار فادحة.
وبالنظر إلى بقية الحلقات أو ما يبث على القنوات التي قدمت ولاء الطاعة لا يمكن نعتها بالاستثنائية. ولكنها حملت الـ?هايكا? آو هيئة الاتصال السمعي البصري إلى إصدار قرار بوقف بث البرنامج لمدة شهر وتغريم القناة بـ200 ألف دينار تونسي.
ولعلها محاولة للضغط على مقدم البرنامج لأنه من المحسوبين على الجناح المغضوب عليه. فيما بقي مقدم برنامج ?لا باس′ نوفل الورتاني محل انتقادات واسعة من الأطراف التي نالت الرضى، ومحل تتبع من عدد إلى آخر حتى موعد حلقة 15 آذار/مارس الماضية. حيث استضاف الورتاني في برنامجه السالف ذكره الملقب بـ?أبي قصي? ليتحدث عن جهاده في صفوف جبهة النصرة الإرهابية في سوريا. وقد أدى هذا اللقاء إلى اعتقال الشاب والتحقيق معه، فيما قالت عنه عائلته أنه تم التغرير به للتصوير في البرنامج لأن مداركه العقلية لم تكن تسمح له بالإفصاح عما تحدث عنه. وأنه يعاني اضطرابات نفسية، إلى جانب إدمانه متابعة مقاطع الفيديو عن حرب سوريا.
ويروج أنه تم إيقاف هذا البرنامج على اعتبار أنه بث للبلبلة ونشر معلومات زائفة والتشويه. وفي الحقيقة هي مطبات قد يقع فيها أي إعلامي في العالم. لكن تم استغلالها بعناية من الجهات التي كانت دائما تسعى إلى انتزاع الأسماء الفاعلة في القناة، وقد يكون نوفل الورتاني آخر الطلقات في قناة التونسية.
ويبقى السؤال المطروح، ما هو الوجه الذي ستكون عليه هذه القناة، التي كانت في فترة ما المحطة الأولى للمشاهد التونسي وفي ظرف قياسي؟

* كاتبة واعلامية من تونس
القدس العربي

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..