تساؤلات تلوح في الأفق بشأن مستقبل دارفور والبلاد على خلفية أحداث (مستريحة)

الخرطوم- رندا عبد الله
منذ أكثر من ثلاثة أيام، والبلاد مشغولة بالأحداث التي جرت بين القوات المسلحة (الدعم السريع) وقوات (موسى هلال)، أما اليوم وقد انجلت ضبابية الأحداث وصار مصير (هلال) أكثر وضوحا، فإن تداعيات القضية ما تزال قيد نظر الخبراء والمحللين رغم أن الحكومة تنتظر أن تقود الخطوة إلى مزيد من الاستقرار في إقليم دارفور.
وكانت الحكومة قد اتهمت موسى هلال بدعم قائد القوات المسلحة الليبية خليفة حفتر وأعلنت قبل أشهر عن ضبط مجموعة تتبع لهلال ضمن آخرين قادمين من ليبيا يخططون لتجنيد ألف مواطن من دارفور لصالح قائد الجيش الليبي.
وفي وقت سابق ساند موسى هلال، القوات الحكومية في حربها ضد التمرد قبل أن تنقلب العلاقة بين الطرفين مؤخرا على خلفية رفضه إدماج قواته في الدعم السريع.
الآن وقد أصبح (هلال) قيد الاعتقال والتحري انتظارا لمحاكمته (عسكريا)، فإن تساؤلات عديدة بدأت تلوح في الأفق بشأن مستقبل دارفور والبلاد على خلفية أحداث منطقة (مستريحة).
(1)
يقول النائب البرلماني الصادق آدم لـ(اليوم التالي) إن القبض على (هلال) لم يأت من فراغ لكونه رئيس (مجلس الصحوة) الذي دخل فيه معارضون للدولة أشهرهم علي مجوك الذي انضم للحركات وتحدث باسم مجلس الصحوة، وبالتالي فإن الدولة ترى أن (مجلس الصحوة) هو مجلس خارج القانون وخارج إرادتها، ومن هنا يرى آدم أن القبض على هلال سيمضي بالأمور إلى الأفضل.
والحال كذلك، فقد واجهت حملة جمع السلاح منذ بدايتها انتقادات من البعض لكونها تعاملت مع الإدارات الأهلية بشكل غير سليم، ومن هذا الجانب الساخط على الحملة وأساليبها تتبدد فرضية أن اعتقال (هلال) قد تعقبه حالة من الاستقرار في دارفور أو حل إشكالية الحدود بين السودان وليبيا، أو حتى توقعات أن تتم تسوية سياسية بين الحكومة والحركات المسلحة.
وفي هذا الصدد يشير عيسى مصطفى رئيس كتلة أحزاب الأمة وحزب التحرير والعدالة القومي إلى أن أحداث (مستريحة) حولت مناخ السلام الذي ساد بالمنطقة نتيجة لاتفاقية الدوحة لسلام دارفور إلى (مناخ حرب) على حد قوله، بعد أن كان هنالك سلام واقعي، مشيرا إلى أن اعتقال (هلال) وما تم بمستريحة أعاد لأذهان الناس بالمنطقة أصوات الرصاص وقال: هذا المناخ يشجع الحركات المسلحة على أن تعود إلى دارفور باعتبار أن هنالك توترات أمنية، محذرا من أن هذا سيكون أكبر دافع لعودتها باعتباره يشكل لها غطاء، مشيرا لأن هلال كان أحد دعائم الأمن في دارفور من منطلق زعامته القبلية ويتبع للإدارة الأهلية كركيزة أساسية لها دورها المعروف.
ومضى عيسى قائلا: ظللت أحذر كسياسي وبرلماني وأحد نواب دارفور في البرلمان من السلبيات التي صاحبت عملية جمع السلاح في دارفور كونها قد تؤدي إلى إذكاء التوتر في دارفور أكثر من أن تؤدي الغرض المقصود، مشيرا إلى ان بوادر ذلك بدأت تتضح الآن، إذ يقول إن عملية جمع السلاح لا يمكن أن تتم في شهر أو شهرين في وقت وزع فيه السلاح منذ عشرات السنين.
وشدد عيسى مصطفى على ضرورة أن تتم الحملة بمراحل متعددة تشمل التوعية الأمنية ومراحل مشاركة كل قادة المجتمع من نواب وتشريعيين وتنفيذيين وزعماء المجتمع حتى يوصلوا المواطن الحامل للسلاح إلى مرحلة قتاعته بتسليم سلاحة بمعنى أن الضمان الأساسي للحملة هو إيصال المجتمع لهذه القناعة، معتبرا أن ذلك ليس بالضرورة أن يرتبط بهلال أو اعتقاله.
(2)
وعن انعكاس اعتقال هلال على استقرار الحدود السودانية الليبية استبعد النائب البرلماني عيسى مصطفى، وجود علاقة بين اللواء حفتر ورئيس مجلس الصحوة هلال قائلا: لا وجود لتحركات عسكرية في دارفور في الحدود أو غيرها وليس هنالك تواصل مستمر وواضح في الحدود، وقال إنه ليس هنالك تواصل على المستوى السياسي بين موسى هلال وحفتر.. وأضاف في تفنيده هذا الاحتمال أيضا: لم أسمع أن موسى استقال من المؤتمر الوطني أو تبنى موقفا واضحا تجاه الحكومة مشيرا إلى أن زعزعة الحدود بين ليبيا والسودان ترتبط بوضع ليبيا الداخلي ما بين الإسلاميين وحفتر وموقف الحكومة السودانية.
فيما رهن في حديثه لـ(اليوم التالي) تحرك الملف السياسي في دارفور بين الحركات المسلحة والحكومة، بمواقف الحركات المسلحة من النظام ومواقف الأخيرة من التفاوض تجاه الحركات المسلحة، معتبرا أن المواقف في النهاية سياسية لجهة أن الحركات تريد الضمانات اذا تم التوصل لاتفاق.
(3)
يتأسف النائب متوكل التيجاني نائب رئيس لجنة العلاقات الخارجية بالبرلمان بوصول الوضع بين بين قوات الدعم السريع وقوات حرس الحدود إلى هذا التأزم، وقال: كنا نتوقع أن يتم تفاهم وانسجام تام بين العمل العسكري المساند للقوات المسلحة عموما سواء أكان (دعم سريع أو حرس حدود)، لكن التيجاني يرى أن هناك تفلتات أمنية كبيرة في دارفور خلال الفترة الماضية خاصة في تلك المواقع والمحليات الغربية في شمال دارفور، معتبرا أحداث مستريحة انتكاسة على المواطن في كل أوجه حياته، لكنه توقع أن تقود عملية التمشيط الواسعة التي تمت في تلك المحليات ستعيد الأوضاع إلى طبيعتها السلمية، وأن تفرض الدولة هيبتها وتعود السلطات القضائية والتنفيذية والتشريعية إلى تلك المحليات.
ويستبعد النائب البرلماني التيجاني وجود صلة بين التسوية السياسية مع الحركات المسلحة وقضية موسى هلال، مشيرا إلى أن الأوضاع الآن تغيرت كثيرا وبالتالي صارت المطالب السابقة للحركات قد تلاشت.
ويرى التجاني أنه لا يوجد (تمرد) الآن في دارفور، ويشير إلى أن التفلتات الأمنية يقوم بها الآن خارجون عن القانون سواء أكانوا في مليشيات أو منفصلين.
(4)
أما محمد طاهر عسيل النائب المسقل في البرلمان فهو يرى أن الوضع الحالي ضبابي، مشيرا إلى أنه لا يعلم حتى الآن رد الفعل على الأحداث الجارية، وأوضح أن قيادات هنا في الخرطوم تبذل جهودا للإصلاح بين الطرفين لانه هم في النهاية ينحدرون من (جهوية) واحدة.
ويعرب العسيل عن أسفه للمواجهات التي تقع داخل القبيلة الواحدة، لأن من شأن ذلك كما يقول يؤدي إلى تشويه صورة البلاد كلها، وأن تأثيراته يمكن أن تمتد إلى الآخرين.
ويدعو العسيل إلى تكوين لجان مستقلة من أبناء دارفور للتحقيق في الأحداث التي تقع في تلك المناطق، وأن تعالج المشكلات في إطار أهلي.
وذكر أن المعلومات الصادرة في وسائل التواصل الاجتماعي لا يعتد بها، وأن المسألة تحتاج إلى تدخل العقلاء ومحاصرة (الشائعات) لجهة أن انفجار الاوضاع سيؤدي لانفجار السودان.
ويستبعد العسيل ما يروج له في الوسائط حول أن الحكومة قد استغنت عن جهود (هلال) بشخص آخر، وقال إنه لم يسمع أبدا مثل هذه الحديث في أروقة الحكومة أو في أي أنشطة لأبناء إقليم دارفور.
ويدعو العسيل إلى التحلي بالصبر في معالجة مثل هذه القضايا سواء من قبل الحكومة أو الذين يقفون ضدها، ورأى أن القضية ليست جهوية وإنما قضية كيف يحكم السودان.
ويرى العسيل أن العلاقة مع ليبيا ليست ذات صلة مباشرة باعتقال (هلال)، موضحا أن المشكلة على الحدود يتسبب فيها موضوع (الاتجار بالبشر)، حيث تشهد الحدود حركة مستمرة بين البلدين، إضافة إلى أن هنالك مجموعات في ليبيا لديها مواقف سياسية ضد الحكومة هنا، وبالتالي هنالك خلافات حول رؤية كل طرف لما يجري هناك.
ويرى العسيل أن حل مثل هذه القضايا يتم عبر الطرق الدبلوماسية المعروفة، وأنها لا تعالج بحلول أمنية فقط.
اليوم التالي.