العمل لما بعد الإنقاذ

إن الناظر ببصيرة ثاقبة وعقل متفكر لابد أن يدرك أن هذا النظام المسمي الإنقاذ قد صار في عداد الموتي إكلينكياً، وكل ما يُرى منه حالياً لا يعدو كونه فرفرة خروج الروح من جسده الخبيث، لذلك ليس من العقل والمنطق أن نلبث في هذا العذاب المهين إنتظاراً لدابة الأرض أن تأكل منسأته، لأن الإنهيار إذا كان مفاجىءً أعقبته فوضي عارمة، وعندها لن يتصور ما سوف تؤول إليه الأحداث، وما يمكن أن يصيب الممتلكات من دمار وخسائر والأنفس من زهق وتشريد، ولن نجد جبلاً يعصمنا من طوفان القتل والإنتقام، وسوف يحال بيننا وبين وطننا بموج الظلم والظلمات، وسوف نكون من المغرقين في بحر من التشظي والتفتت والصوملة.
لذلك لابد أن يتصدي نفر من أبناء هذا الوطن الأوفياء والمخلصين الذين منَ عليهم الله بالعلم والمعرفة والوطنية لواجب العمل لدرء المخاطر المحدقة ببلدهم، وذلك بالتنادي لوضع الخطط والبرامج التي يمكن تنفيذها لإنقاذ ما يمكن إنقاذه حال زوال كابوس الإنقاذ الجاسم علي صدر السودان لربع قرن من الزمان، والتي دُمِر خلالها الأخضر واليابس وأُفسِدت فيها الكثير من الذمم والأخلاق، وتهتك فيها النسيج الإجتماعي بسبب تبني الجهوية والقبلية وتقسم فيها الوطن بسبب حب السلطة وضيق الأفق وشيء من العنصرية.
إن المسئولية تقع علي الجميع للتحرك ونفض غبار السلبية وإبداء قدر من إسداء الجميل لوطن الأهل والآباء والأجداد، سواءً بإعمال الفكر أو بذل المال أو المدافعة بالنفس، ولابد أن يتكامل كل ذلك تحت راية وطنية، موحِدة لا مفرِقة، مؤثِرة لا أنانية، مفكرِة ومدَبرِة لا منفعلة ومندفعة، حكيمة لا متهورة، مبدعة لا مقلدة، فرداً كانت أم جماعة.
كما ذكرت لك أيها القارىء الكريم فإن هذا النظام منهار ويتخبطة الفساد والمحسوبية وسوء الإدارة، وتنهشه صراعات مراكز القوي بلا رحمة، ولكنه يرتكز علي منسأة القبضة الأمنية الباطشة، وأمر آخر أكثر أهمية وهو تغبيش الوعي الجمعي للشعب بسلاحين فتاكين وهما التخويف من الفوضي ومتلازمة {أها البديل منو}، وهذه الأخيرة تلام عليها المعارضة بكل أطيافها، لأنهم إن لم يستطيعوا إقناع الشعب بوجود البديل القادر علي إدارة شئون البلد عند إنتهاء حكم الإنقاذ، فليس عليهم إلا الصمت وإنتظار الكارثة والتي لن تطيح بالنظام وحده ولاكنها سوف تكون بقوة تدمير ثلاثية تطيح بالنظام والمعارضة والشعب الفضل، وساعتها لن ينفع البكاء علي اللبن المسكوب علي رمال الفوضي والتشظي.
قبل إستعراض ما يجب عملة هناك حقيقة تتمثل في أن كشف فضائح الفساد وسوء الإدارة التي تتسابق الوسائط الإعلامية في إبرازها {ورغم أهميتها في تعرية النظام وإضعاف موقفه} لكنها صارت من قبيل المعلوم من الإنقاذ بالضرورة، فراعي الغنم في أقصي منطقة نائية بالسودان صار لديه موبايل وتصله كل هذه الأخبار لحظة نشرها، إذاً الأمر بحاجة إلي فعل أكثر من مجرد كشف فساد وسوء إدارة البلد من قبل النظام، نحتاج فعل يشعر الشعب أن هناك بديل مقنع وجاد يمكن أن يقود البلد لبر الأمان، وليتحقق ذلك أقترح الآتي:
القناة الفضائية: معلوم أن وسائل الإتصال الجماهيرية لها أثر بالغ في توجيه الرأي العام والتأثير علي الحراك الشعبي لدرجة غسل الأدمغة، مثال {قناة الجزيرة} قبل أن يعتري مصداقيتها الكثير من الوهن، وحتي الإذاعة رغم إنفضاض السامر عنها، حتي الآن لها بعض التأثير {راجع كلام عبد الله مسار عن راديو دبنقا}، لذلك يجب أن تكون القناة الفضائية هدف إستراتيجي ملح في هذه المرحلة، وبما أن موقع الراكوبة الإلكتروني صار يحتل مكانة إعلامية سامقة في خاطر معظم السودانيين، فإن هذا الواقع يلقي علي عاتق الفائمين علي أمر الراكوبة مسئولية الإطلاع بتبني هذه الطروحات والترويج لها والمساهمة في قيامها.
الخطة الإسعافية: لا يخفي علي علم معظم الناس أن الدولة تحتاج لمرافق إستراتيجية قائمة وتعمل بكفاءة وإلا عمت الفوضي وصار قانون الغاب سيد الموقف{أنظر المثال الليبي}، وهذه المرافق تتمثل في أجهزة القضاء والشرطة والجيش، لذلك يستوجب الأمر وضع خطط لتكوين قاعدة بيانات بكل اللذين تم فصلهم للصالح العام من هذه الفئات والعمل علي تهيئتهم لملىء أي فراغ قد ينتج عن إنهيار النظام.
الدعم الإقتصادي: يجب التحسب لعدم حدوث فجوات في العملة الحرة والمخزون الغذائي والدوائي، ويمكن تكوين فريق عمل للإتصال بالدول الصديقة والشقيقة للمساعدة ويكون من أشخاص مشهود لهم بالتجرد والوطنية ويملكون صلات وعلاقات دولية متينة.
الفترة الإنتقالية: يجب العمل منذ الآن علي بحث ومناقشة كيفية إدارة الفترة الإنتقالية وتفاصيل المهام التي سوف تنجز فيها وتحديد فترتها الزمنية، وكذلك إعطاء ضمانات وصلاحيات للفريق الذي سوف يوكل إليه هذه المهمة، والإتفاق علي المعايير التي سوف يتم من خلالها إخيتار هذا الفريق ورئاسته، وذلك لضمان إنتقال سلس للسلطة وتطمين الشعب وتضييق إي فرصة لنشوء خلافات.
في الختام هذه مساهمة متواضعة نتمني التفاعل معها بالنقد والإضاف لمزيد من التجويد بإعتبار كل جهد هفه حب الوطن يستحق أن ينظر إليه بإيجابية، والله الموفق والمستعان

ود الريس
دكتوراه في الخدمات المصرفية ، وباحث ومصرفي
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. بسم الله الرحمن الرحيم

    اخي الكريم د. ود الريس لك التحية والتقدير .. ولشرفاء الراكوبه المحررين الاعزاز ولروادها الكرام الاحترام ..

    شكرا لك وانت تدق اجراس التحذير ..وما قلته حقا .. والنظام يتكئ علي جهاز امنه ولن ينفعه وان شاء الله سيهرب كما هرب جهاز امن مايوا لكن المشكله ان هذا النظام اوجد ميليشيات غير جهاز الامن
    وهي مستعده لتحويل البلاد الي صومال .. فمثلا حصار الخرطوم بالمسمي قوات التدخل السريع.. مجموعة
    من البلطجية ورعاة الاعنام امثال المدعوا حمدتبي وغموتي هذا ..

    ثانيا تكرمك بتناول اهمية قناه تلفزيونيه واذاعيه لازالة التغبيش علي الشعب .. حقيقة هذه مهمه جدا وانا كنت قد دعوت لها عبر صفحات الراكوبه واتفق تماما معك .. ولكن كيف ىلية التنفيذ ..كنت قد اقترحت فتح حساب من قبل شباب الراكوبه ويشكلوا له لجنة تتلقي تبرعات ترسل مباشرة اليه من
    احباء وطننا الكرام في الداخل والخارج .. وبعد سقوط النظام تتحول الي قوميه او شركه اهليه

    مع اعتبار راسمال التأسيس فداء للوطن من قبل المخلصين له ..

    اما في شأن قولك تمزق المعارضه فهذه يجب التركيز عليها ومزيد من دق الاجراس يامعارضه …

    يااخوانا اذا انتم غير قادرين علي اسقاط النظام فهو سيسقط تلقائيا .. فاستعدوا كدروع لحماية السودان من الصوملة والانهيار واعدوا العدة من الآن لذلك

    اخي تحياتي لك .. ونلتقي ان شاء الله عبرو مراجعات ولك التقدير والاحترام

  2. الأخ ود الريس , السلام عليكم و رحمة الله .

    الحمد لله انه لا زال في السودان من يخطط للغد , و لكم سررت من فكرتك في المراجعة و الاستعداد .

    أسمح لي أخي ان اضيف الي مدارستكم القيمة ما يلي :

    1. يجب استعادة منظمات المجتمع المدني من اتحادات و نقابات مثل نقابة الأطباء و نقابة العمال و المحاميين السودانيين , لقدرتك هذه التنظيمات المدنية علي تماسك اللحمة الوطنية ة قدرتها التنفيذية في لحظات العسر الاداري و التمويلي المتوقع حدوثه بعد زوال هذه الغمة الجاثمة لمدة ربع قرن , و تقوم هذه النقابات بوضع خطط تسيير لمنشئاتها من خلال خطط عمل معده و مصادر تسيير محسوبة و مجهزة سلفاً لتفادي ما ننعته بالصوملة و هو غياب اليات الدولة , و يجب اختيار الكفاءات الوطنية ذات القبول و المقدرة علي العمل .

    2. تكوين مجلس استشاري تخصصي مكون من كفاءات في تخصصات مختلفة تدمج في لجان مثل:
    (أ) لجنة امنية بقيادة ضباط محنكين و ذوي خبرة عن السودان لضبط التفلتات المتوقعة و تسهيل التعامل مع الحركات العسكرية المخالفة للانقاذ و حسم الجيوب التي ستظهر عند سقوط الانقاذ .
    (ب) لجنة اقتصادية ملمة ببنود الصرف و التسيير لادارات الدولة الاساسية و تجهيز موارد التسيير المقدرة من الجهات ذات الصلة من منظمات دولية أو بيوتات التمويل او الدول الصديقة .
    (ج) لجنة قانونية من قضاة و قانونيين مشهود لهم بالنزاهة و الكفاءة .

    يتم اعلان رؤساء اللجان اعلاه و يتم تكوين كل لجنة و وضع أجندة العمل لها و مصادر الصرف و التمويل المنتخبة . مثلاً حضرة القاضي فلان رئيس اللجنة القانونية وضابط من العسكريين النزيهين و اقتصادي معروف مثل كبج .

    علي الاحزاب أن تقوم بدور تأريخي في رتق النسيج الاجتماعي في المناطق الملتهبة مثلاً الأمة في دارفور و كردفان و الاتحادي في شرق السودان و عل يهذه الشاكلة .

    خلال الفترة الانتقالية يجب حل المشكلة الجوهرية القاعدة بالسودان و هي مشكلة علائق الانتاج و التنمية و التحرر من الخطط القديمة التي خلفها المستعمر للانتاج مثل القطن و خلافه و دراسة مشاريع تنموية ذات ربحية مقبولة و عائد اجتماعي لسكان المناطق مثل مشاريع موانئ افريقيا في شرق السودان و التي ستدعم ما يقدر ب 2 مليون سوداني دعم مباشر من و ظائف و استثمارات , و مشاريع للثروة الحيوانية و توطين الرحل التائهون في الأرض و قفل باب مناطق النزاعات بين الرعاة و المزارعين في كل السودان ( هذه من المشاكل الأساسية غير المنظور لها و بيناتها ظاهرة في بدايات مشكلة دارفور و أبيي و كل مناطق النزاع) .
    انشاء مجلس استشاري سوداني للتخطيط و التنمية تلتزم كل الحكومات القادمة باتباع سياساته و تكون خططه بصورة علمية قابلة للتنفيذ الزمني و يكون معروف علي ماذا تحاسب كل حكومة في انجازها بعد نهاية دورتها .

    أخي ود الريس كتر خيرك و الشعب السوداني و وفقكم الله و الي الأمام.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..