مواطنو الفاو بين مطرقة طريق الموت وسندان الضرائب

الفاو: علي الدالي : عبد العليم الخزين
بعد شكاوى واتصالات عديدة من مواطني مدينة الفاو قررنا أن نشد الرحال إلى تلك المنطقة للوقوف على أرض الواقع انطلاقاً من المثل الذي يقول : ( من رأى ليس كمن سمع )، فبدأنا الرحلة من الميناء البري بالخرطوم قطعنا المسافات والعربة التي تقلنا تنهب شارع الأسفلت في رحلة البحث عن حقيقة ما يجري في مدينة تعتبر المدخل الرئيس لشرق البلاد، المدينة التي تلفها الجبال وتغطي مساحاتها خضرة تميل إلى الصُفرة الخفيفة معلنة نهاية انتظار المزارعين موسم حصاد الذرة والسمسم وغيرها من المحاصيل، لكن سرعان ما اختفت تلك الطبيعة الجميلة بمجرد دخولنا سوق المدينة، فذات الأرض المخضرة غطتها االنفايات والغازورات علاوة على الشوارع الرديئة ذات (الحُفر ) العميقة كلها بددت فرحتنا وحوَّلتها إلى حزن كبير وآسينا من خلاله مواطني الفاو.
طريق الموت بالقرية 3
مررنا بعدة كيلو مترات عبر هذا الطريق الذي يبدو وكأنه خارج من معركة استخدمت فيها الراجمات والدانات الثقيلة، فالتصدعات التي شاهدناها تحكي عن إهمال كبير من المسئولين الذين وحسب حديث المواطنين معنا أن عدداً منهم يستخدم هذا الطريق مثله مثل المواطنين العاديين، واستغرب المواطنون من عدم صيانته في وقت ظل فيه الطريق على هذه الحالة لسنين عدداً، فالطريق الذي تم تعبيده إبان العهد المايوي يربط عدداً كبيراً من القرى يقول عنه عضو المجلس التشريعي السابق لولاية القضارف أحمد الفضل عجبنا: إنه أصبح مهدد لحياة الإنسان، فهو طريق حيوي يربط المدينة بالقرى، وذكر عجبنا أنا إحدى الحالات المرضية تم إسعافها عبره، وقبل وصولها إلى المستشفى لقيت المريضة حتفها وانتقلت إلى الرفيق الأعلى بسبب وعورته، وقال لنا عجبنا: إن الطريق أصبح كالابن مجهول الأبوين، فالولاية تقول: إن صيانته مسؤولية مؤسسة الرهد، فيما تتبرأ المؤسسة من مسؤوليتها وتلقي بالملامة على الولاية.
أزمة ديوان الضرائب والتجار
بينما نحن نقوم بالتصوير ونجري استطلاعاً بالمواطنين أستوقفنا أحد التجار وكشف لنا عن هويته، وقال: إنه رئيس شعبة تجار الإجمالي بالمدينة ويدعى عبد الباقي محمد حامد، ثم بدأ يحكي عن أزمة نشبت بين شعبته وديوان الضرائب بالفاو، وسرد لنا قصته بقوله: إن مشكلتهم الحقيقية تتمثل في الضريبة السنوية التي تُقدر من قبل الديوان بدون ضريبة في وقت تتفاوت فيه رؤوس الأموال وحجمها المتدوال بين كل دكان وآخر، وقال: إن موظفي الضرائب يقومون بمسح لدكان واحد، ثم يقدرون لبقية الدكاكين. وأضاف قائلاً: ( مجرد مطالبتنا بحقوقنا يتم تهديدنا بأن تأتي الضريبة في العام القادم مضاعفة ثم نلوذ بالصمت.
مدير الضرائب يترافع
حتى نقف على الحقائق ذهبنا إلى مكتب ضرائب الفاو لمقابلة مدير الضرائب،
وصلنا مكتب الضرائب ورحَّب بنا الأستاذ عبد الناصف قسم الله، كشفنا له عن هويتنا وحكينا له تفاصيل ما نقله لنا التجار، لكنه أعتذر بلطف نسبة لسفر المدير ونائب المدير، ثم أجرينا اتصالاً هاتفياً بالسيد مدير ضرائب الفاو الأستاذ عبد الباقي وطرحنا استفساراتنا عن فحوى شكاوى التجار.
وبدأ المدير حديثه لنا عن أي ضريبة تحدَّث لكم التجار؟ ثم لم ينتظر منا إجابة وأخذ يخبرنا أن التجار اشتكوا من الضريبة بالقياس (بالصف)، يعني بدون مسح ضريبي، وقال لنا: لعلمكم.. الضريبة مال على رأس المال الضريبي على العائد من أرباح رأس المال (المال الفي البنك ليس عليه ضريبة)، وأضاف قائلاً: في إنسان بشتري بضاعة بمليار وآخر بعشرة مليار، وهنا طبيعة السلعة بتختلف، وفي تاجر يشتري بالكرتونة وآخر بالجوال، وفي إنسان يشتري بالرطل، كيف يتساوى ذلك مع هذا ؟ ونحن تأتينا معلومات الضرائب من الكمبيوتر، وفي البطاقة الضريبية والرقم التعريفي، فأي بضاعة يتشتريها الشخص يجب أن تُضمَّن في الفاتورة وتتوفر لنا معلومات عنها .
داخل المستشفيات
تعمَّقنا في قلب قرى مشروع الرهد نتلقى شكاوى المواطنين، فالبعض منهم يظن أننا نملك عصى موسى، فيما يظن آخرون أننا أصحاب قرار، بيد أن مرافقينا قالوا لنا: اسمعوا شكاوى الجميع، فالناس هنا على سجيتهم، لكننا ركَّزنا كل جهودنا في أن نقف على بعض ما أتينا من أجله ونعكس للمسئولين اهمالاً كبيراً لقرى يقطنها الآلاف من البشر يحتاجون إلى خدمات، لكن يبدو أن البعض يؤجل تقديم تلك الخدمة المستحقة إلى حين موسم المقايضة، ( الأصوات مقابل الخدمات )، فالصحة هنا تحتاج إلى جهد كبير.
جولتنا كشفت عن أن قرى الرهد ليس بها مراكز صحية، وأن وجدت في بعض القرى فهي تعاني من نقص كبير وحاد، مثالاً من القرية (1) إلى القرية (10) يوجد بها فقط عدد 2 من الاختصاصيين ودائماً يتم إسعاف الحالات إلى مستشفى الفاو التي تعاني هي أيضاً من نقص حاد جداً في المعينات الطبية لكثرة الضغط عليها، لأنها المستشفى الوحيد الذي يستقبل المرضى من القرى والمدن الواقعة بين مدني والقضارف ورفاعة والحواتة.
التيار