مسائل في أطروحة الدكتور النور حمد حول تشريح بنية العقل الرعوى! (1)

يحمد للدكتور النور حمد الاهتمام بالقضايا الكلية الشاملة التي تتفرع منها القضايا الجزئية في مآلات السياسة والاقتصاد والسلم المجتمعي مثلما قام به عبر عشر حلقات في تشريح العقل السوداني الذى رآه رعويا محصنا أو كالمحصن من تعاطى الحداثة التي يراها تتمثل في احترام القانون والسلوك المنضبط بقيم التمدن. وكنت قد حاولت قبل ذلك سبر أغوار الشخصية السودانية في ورقة لي بعنوان “السلطة في الثقافة السودانية” خلصت فيها إلى غلبة صفة (المساواتية) أو Egalitarianismلا لبداوة فينا ولكن لترامي رقعة البلاد الجغرافية وتشتت الكثافة السكانية وغياب سلطة مركزية قابضة قد يتولد عنها مع طول البقاء تضافراً مع نظم تربية تستمد ينابعها من منظومة قيم عند الناس, مظاهر تمدن تتمثل في احترام النظام العام والقوانين المنظمة لحياة المواطنين وغير ذلك. وقد أحسن الدكتور النور باعتبار مساهمته الهامة ضربا من العصف الذهني. قال “كما أشرت هذه المقالات ليست سوى ساحة للعصف الذهني لا يدعي كاتبها أنه ممسك بكل خيوط هذه القضية المعقدة. ما يملكه كاتبها ويمكنه قوله بكل ثقة كبيرة أن هناك أجندة بحثية جمة لا تزال تنتظرنا.” (الحلقة 6 نشت في سودانايل 2 تشرين اثانى/ نوفمبر 2016). وهذه فضيلة أخرى تحسب له ودعوة للكافة لترقية النقاش الموضوعي لتلمس أسرار العقل السوداني للتوافق على إطار عام على الأقل تلتمس عبره المسالك لمعالجة أدواء وعثرات الوطن المزمنة.
والمسائل التي جعلتها عنوانا لهذه المقالة محض ملاحظات رأيت لزاماً عليّ الإشارة إليها ليس بالضرورة استدراكاً على الرجل بقدر ما هي تساؤلات تروم مزيداً من التوضيح والإبانة.
لاحظت في الحلقة الأولى إشارة دكتور النور إلى أنه أدرج في تعريفه للعقل الرعوى أن الفاشية والنازية هبتان رعويتان رغم حدوثهما في حضن الحداثة الغربية وكذلك ما جرى من تمزق للاتحاد السوفيتي ويوغسلافيا سابقا حيث استيقظت النعرات العرقية والدينية من ثبات عميق طويل. أضاف إلى ذلك صعود دونالد ترامب واعتبره انكفائة إلى عقلية الكاوبوى الرعوية. وخلص إلى ان أنه يطلق على ذلك “ثنائية الإنسية والوحشية أو النظام واللانظام أو صراع الجلافة مع الصقل والتهذيب والنبل وعالي القيم.” (الحلقة الأولى 28 سبتمبر 2016).
يستشعر من يقرأ هذا التوصيف أن ثنائية الإنسية والوحشية والنظام واللا نظام دورة تصيب كل الحضارات الإنسانية لا تختص بها ثقافة دون ثقافة وأن التراكم الحضاري الهائل والمتطاول لا يعتبر ترياقاً يمنع وقوعها لمن تجاوز مراحلها كالحداثة التي ظلت تضطرد لأكثر من قرنين في المجتمعات الغربية.
وبالتالي لم أجد مسوغاً للتفصيل الدقيق ? بعد هذا التعريف الذى استنتجه أنا دون أن ألزم به الدكتور بطبيعة الحال- للظاهرة وكأنها خاصية عربية قعدت بالمجتمعات العربية دون سواها وهى قاعدة بالفعل وعاجزة لا شك في ذلك. وينبغي أن يصوب النظر إلى دراسة هذه الظاهرة كظاهرة تتكرر رغم تراكم التجارب الإنسانية التي ترى فيها الحداثة أنها تتجه بالتراكم والعبر, دوما إلى مراق أعلى وفضاءات من الإخاء الإنساني أرفع.
لذلك تنشغل مراكز البحوث في العالم حالياً في بحث هذا التراجع في مجتمعات الحداثة الغربية الذى أشار إليه دكتور النور ورأى فيه انتكاسة إلى رواسب رعوية ,وهو تراجع أسموه ب “الشعبوية أو Populism ” التي تجتاح مجتمعات قطعت أشواطاً بعيدة في مضمار الحداثة في أوروبا وأمريكا الشمالية مع ارتدادات عنصرية وشحنات تطرف دينية تنذر بالويل والثبور وفظائع الأمور للأقليات العرقية والدينية في أجواء تشبه أجواء النازية والفاشية. والأمر يلاحظ أيضاً على نطاق المعمورة وخارج أرض الحداثة الغربية ففي بلد كالهند ? أكثر دول العالم الثالث نجاحاً في ترويض الحداثة الغربية داخل السياق الهندي – وصل حزب بهاراتا جاناتا إلى السلطة وهو حزب يتبنى قومية هندوسية متشددة ذراعها الأيديولوجي منظمة تسمى RSS بعد عقود من حكم حزب المؤتمر الأكثر ليبرالية وتسامحا مع مكونات الهند الأخرى والأقرب إلى قيم الحداثة. وبروز بهاراتا جاناتا اليميني في الهند يصعب وصفه بالعقلية الرعوية إذ أن الهنود جميعاً عاشوا في كنف مركزية سياسية واحدة على مر القرون .وفي ذات السياق نذكر عمليات الإبادة لشعب الروهنقا في بورما. ولا يفوتنا بالطبع الإشارة إلى انتعاش المشاعر المذهبية المتشددة الطاحنة والحرب الضروس المشتعلة في البلاد العربية وفي إفريقيا.
وهنا لابد من التفريق بين القيم المدنية التي يحرسها الخوف من القانون وبين رعاية القيم المدنية في رعاية حقوق الآخر وقدسية نفسه وممتلكاته. فصرامة القوانين الرادعة في كنف سلطة شديدة الصرامة لا يجعل إذعان الناس حداثة ومدنية فانقطاع التيار الكهربائي في مدن صناعية كبرى (وكوزموبلتان ) يؤدى لارتفاع معدلات الجريمة بشكل لافت فقط في سويعات ذلك الانقطاع كنهب المحلات والسطو على ممتلكات الآخرين وغير ذلك من الجرائم بينما يقل ذلك في مجتمعات تعتبر بمعايير الحداثة في أسفل درجات الحداثة يحصنها من ذلك السلوك اللامتمدين, منظومة قيم وعادات مرعية يحترمها المجتمع .والشاهد هنا أن القانون والنظام لا يصنعان مدنية تتفوق على ما يمكن وصفه بالا حداثة والتراكم وتطاول المدة يشبه غطاء على جزئيات أثاث عندما يرفع تجدها كما تركتها وهو ما حدث بعد سقوط منظومة دول المعسكر الاشتراكي وما يحدث دوما في أنظمة تحفظ النظام فقط بقوة الحديد والنار.
و الخلاصة في هذه المسألة تحديداً فيما أرى أن دورة الإنسية والوحشية داء بلا وطن ولا هوية مثل الأمراض العضوية تصيب كل من ضعفت مناعته وتوفرت لديه اسباب الإصابة بها. وهكذا تساقطت الحضارات العظيمة من قديم وارتدت مجتمعاتها عن سلوكيات التمدن.
المسألة الثانية : أنه في ضوء ما تقدم فالعقل الرعوي ليس صفة عضوية دائمة لعرق معين بقدر ما هي مرحلة تأريخية تزول بزوال أسبابها فالقبائل الجرمانية التي قضت على الإمبراطورية الرومانية كانت قبائل وصفت بالبربرية والتوحش لكنها ذابت في سلوكيات ما بقى من الحضارة الرومانية ولم تحول دون استئناف مسيرة النهضة الأوربية ولو بعد حين.
كذلك إمبراطورية المغول في الهند في القرن السادس عشر والتي تفرعت من إمبراطورية التتار التي أسسها جينكزخان وهى ربما تكون من أسوأ دورات التوحش البشرى, أرست قواعد التمدن والحضارة في شبه القارة الهندية ولا تزال شواهدها من الأبنية العظيمة والأضرحة the artifacts أعظم ما تفاخر به الهند من تراثها. والشاهد هنا أن التوحش الذي دمغ سيرة المغول وغاراتهم على غرب آسيا وعلى الهند تحديدا لم يدم ولم يصبغ العقل الهندي المغولي برعوية دائمة بل تميزت معظم عصور أولئك السلاطين بالتسامح إذ ظلوا يحكمون بلدا غالبية سكانه يدينون بالهندوسية دون أن يُكرهوا على تركها. والعرب أنفسهم تمدنوا وبنوا حضارة عظيمة في الأندلس ليس مجرد أبنية كالتي في قصر الحمراء وقرطبة وإشبيلية بل في الفكر والفلسفة والفنون بل ساهموا في ترقية العقل الغربي كما هو معلوم وكذلك فعلوا في بغداد. ويرى بعض الباحثين أن العرب قبل جاهليتهم كانوا أهل حضارة خاصة في أطراف الجزيرة العربية قرب فارس والروم (الغساسنة والمناذرة) مستعينين بمصادر تاريخية غربية يمكن البحث عنها بغرض التوثيق والتيقن وأن الجاهلية أعقبت ذلك التمدن.
وكنت في هذا السياق قد استعرضت في مقالة لي محاضرة للدكتور جعفر ميرغني عن شعر امرؤ القيس (الشعر الجاهلي بين الدكتورالدكتور طه حسين والدكتور جعفر ميرغني- سودانايل 16 يونيو 2015) أورد فيها من بطون كتب التأريخ القديم ما يدل على ذلك.
والشاهد هنا أن التوحش ورعوية العقل ليست سجية في العرب دائمة دون غيرهم من خلق الله ولكنها حال تصيب كل الحضارات في دورات يعقب بعضها بعضا.
ونواصل إن شاء الله طرح هذه المسائل بدءاً بتشريح حالة السودان .
(يتبع)
فهم الحضارة والتمدن عندك , وعند الدكتور النور حمد , وعند الدكتور عبد الله علي إبراهيم , مفهوم ديني يعني ( الكمال ) , وليس مفهوما إنسانيا يعني تقليل عذاب الإنسان بالعقل والتقنية . ولهذا تنحصر النقاشات في الجوانب الأخلاقية للحداثة ولا تعداها إلى جوانب الاكتشافات العلمية وتغير رؤية الإنسان للعالم . وعندما تقول تأسيا بذلك المفهوم إن القانون والنظام لا يصنعان مدنية فإن هذا القول لا يقل خطأ وانحرافا عندما تقول إن تطور الطب وعلم الأدوية لم يطل في عمر الإنسان ولم يبد بعض الأمراض الوبائية أو يقلل من خطرها . هذا الجانب الأخلاقي للحداثة هو الذي سول لك أن تصل لتلك النتيجة الغريبة عندما تقول : ” إن انقطاع التيار الكهربائي في بعض المدن الكبرى يؤدي لارتفاع معدلات الجريمة بينما يقل ذلك في مجتمعات في أسفل قائمة الحداثة تحميها عادات يحترمها الجميع ” . وتقول ذلك دون اعتبار لأي نوع آخر من التحليلات الاجتماعية للمدن الصناعية الكبرى ولا أي تحليلات نفسيةأخرى تجعل من هذا الإنسان غير إنسانك ( الرعوي ) في القرى حسب اعتقاد النور حمد , فأنت لا تلقي اعتبارا لاكتظاظ هذه المدن بالسكان ولا نوعية هؤلاء السكان حيث تكون المدن الصناعية مواطن هجرة من كل بقاع العالم يحتم ااختلافاتها المزيد من الحرية وضعف الرقابة وترك كل شيء تقريبا للمسئولية الفردية حيث يأتون من كل فج عميق ومن نفس القرى التي ( ذات منظومة قيم وعادات مرعية يحترمها الجميع ), ولم تلق بالا لتطور الجريمة نفسها بفعل تطور القانون ووسائل المكافحة وأساليب كشف الجرائم وكل ذلك تركته جانبا ولم تر سوى أن انقطاع التيار الكهربائي الذي يؤدي إلى زيادة النهب والسلب لا يدل إلا على نتيجة واحدة هي ضعف المدنية والتمدن في قلب الحضارة الصناعية .
تحليلك اقرب للمنطق (ولا نقول صواب او خطأ لانها مجرد اراء)من تحليل د النورحمد
ولكن اختلف معك فى جزئية صغيرة انك افترضت ان طبيعة الانسان هى التمدن او المدنية لو عكست الافتراض وقلت معى ان الفطرة الانسانية السليمة هى التوحش (قانون الغاب اقرب مثال) لوجدت تفسيرا منطقيا لكل ماذكرت اعلاه من حيث الحضارات وانهيارها والتحول لشعوب رعوية لمدنية اى انها حاله تتغير وفقا للمعطيات ان تقوم حضارات او تؤدى لانهيارها
اعنى بمفهوم بسيط دون تطويل فى الشرح او شطط ان الله خلق الانسان كباقى المخلوقات دون استثناء (الفطرة الانسانيةالسليمة هى التوحش قانون الغاب)ولكن لاحقا هذبه بالاديان مقابل الفضائل والمكاسب التى يجدها (لتنازله عن توحشه) فى الدنيا والاخرة ففعل جزء ذلك وجزء اخر تنازل عن توحشة بالمدنية التى اسسها الانسان او اوجدها بالقوانين وجزء اخر لاهذا ولا ذاك ظل بفطرتة الانسانية الطبيعية (التوحش)
فلانستغرب من افعال التوحش لدى الانسان بهذا المنطق ولكن هذا الانسان الذى تنازل طوعا عن فطرته السليمة اذا لم يجد المقابل الذى كان يرجوه مقابل تنازله ينتكس ويعود الى اصله اى فطرتة الانسانية السليمة(التوحش)
ودمت
فهم الحضارة والتمدن عندك , وعند الدكتور النور حمد , وعند الدكتور عبد الله علي إبراهيم , مفهوم ديني يعني ( الكمال ) , وليس مفهوما إنسانيا يعني تقليل عذاب الإنسان بالعقل والتقنية . ولهذا تنحصر النقاشات في الجوانب الأخلاقية للحداثة ولا تعداها إلى جوانب الاكتشافات العلمية وتغير رؤية الإنسان للعالم . وعندما تقول تأسيا بذلك المفهوم إن القانون والنظام لا يصنعان مدنية فإن هذا القول لا يقل خطأ وانحرافا عندما تقول إن تطور الطب وعلم الأدوية لم يطل في عمر الإنسان ولم يبد بعض الأمراض الوبائية أو يقلل من خطرها . هذا الجانب الأخلاقي للحداثة هو الذي سول لك أن تصل لتلك النتيجة الغريبة عندما تقول : ” إن انقطاع التيار الكهربائي في بعض المدن الكبرى يؤدي لارتفاع معدلات الجريمة بينما يقل ذلك في مجتمعات في أسفل قائمة الحداثة تحميها عادات يحترمها الجميع ” . وتقول ذلك دون اعتبار لأي نوع آخر من التحليلات الاجتماعية للمدن الصناعية الكبرى ولا أي تحليلات نفسيةأخرى تجعل من هذا الإنسان غير إنسانك ( الرعوي ) في القرى حسب اعتقاد النور حمد , فأنت لا تلقي اعتبارا لاكتظاظ هذه المدن بالسكان ولا نوعية هؤلاء السكان حيث تكون المدن الصناعية مواطن هجرة من كل بقاع العالم يحتم ااختلافاتها المزيد من الحرية وضعف الرقابة وترك كل شيء تقريبا للمسئولية الفردية حيث يأتون من كل فج عميق ومن نفس القرى التي ( ذات منظومة قيم وعادات مرعية يحترمها الجميع ), ولم تلق بالا لتطور الجريمة نفسها بفعل تطور القانون ووسائل المكافحة وأساليب كشف الجرائم وكل ذلك تركته جانبا ولم تر سوى أن انقطاع التيار الكهربائي الذي يؤدي إلى زيادة النهب والسلب لا يدل إلا على نتيجة واحدة هي ضعف المدنية والتمدن في قلب الحضارة الصناعية .
تحليلك اقرب للمنطق (ولا نقول صواب او خطأ لانها مجرد اراء)من تحليل د النورحمد
ولكن اختلف معك فى جزئية صغيرة انك افترضت ان طبيعة الانسان هى التمدن او المدنية لو عكست الافتراض وقلت معى ان الفطرة الانسانية السليمة هى التوحش (قانون الغاب اقرب مثال) لوجدت تفسيرا منطقيا لكل ماذكرت اعلاه من حيث الحضارات وانهيارها والتحول لشعوب رعوية لمدنية اى انها حاله تتغير وفقا للمعطيات ان تقوم حضارات او تؤدى لانهيارها
اعنى بمفهوم بسيط دون تطويل فى الشرح او شطط ان الله خلق الانسان كباقى المخلوقات دون استثناء (الفطرة الانسانيةالسليمة هى التوحش قانون الغاب)ولكن لاحقا هذبه بالاديان مقابل الفضائل والمكاسب التى يجدها (لتنازله عن توحشه) فى الدنيا والاخرة ففعل جزء ذلك وجزء اخر تنازل عن توحشة بالمدنية التى اسسها الانسان او اوجدها بالقوانين وجزء اخر لاهذا ولا ذاك ظل بفطرتة الانسانية الطبيعية (التوحش)
فلانستغرب من افعال التوحش لدى الانسان بهذا المنطق ولكن هذا الانسان الذى تنازل طوعا عن فطرته السليمة اذا لم يجد المقابل الذى كان يرجوه مقابل تنازله ينتكس ويعود الى اصله اى فطرتة الانسانية السليمة(التوحش)
ودمت
الدكتور خضر هارون .. بعد التحية ..
مقاربتك تدل على علم ودراية بسير التاريخ وصيرورته .. دكتور النور لم يقل إن (الرعوية ) حالة خاصة ترتبط بالعقل العربي.. ولم ينفي أنها قد تنتاب المجتمعات التي شارفت على (نهاية التاريخ) أو في طريقها لذلك حسب فوكوياما ..فتظهر في صورة ما أسماه النور (الشعوبية ) كحالة النازيين وحالة ترامب حالياً .. لا أرى خلافاً جوهريًاٍ بينك وبين دكتور النور على الأقل فيما كتبته أنت حتى الآن بصدد في مقاربتك فيما يخص أطروحة دكتور النزر التي أكد في أكثر من موضع أنها لا زالت فطيرة ..
لكن أقول بكل صراحة أن الذي حيرني : كيف لعقلٍ مثل عقل الدكتور خضر هارون لديه معرفة بأدوات التحليل المعرفي العصري وسير التاريخ وإدراك العلاقات البعيدة بين الأشياء بدلالة (إدراك الكليات ) التي هي سمة من سمات الفلاسفة ..
أعجب لعقلٍ مثل هذا أن ينتمي إلى أيديولوجيا الأخوان بل إلى درك سحيق من تفكير الأحوان اسمه حكومة المؤتمر الوطني .. فلله في خلقه شؤون .. (ملتوٍ أو جاهل أنت) .. هذه الأخيرة أنفيها عنك بدلالة تأكدي من خلال ما كتبت أنك تمسك بتلابيب التحليل المعرفي .. وتجيد السباحة فيه شأنك شأن النور ونقد وحيدر إبراهيم وغيرهم كثير من أبناء السودان الذين خبروا الكليات وسلكوا دروبها .. فاللهم أهدي أخانا خضر لتصالح مع الذات يذهب عنه عناء التيه ليذوق يوماً حلاوة وحدة الفكر والشعور..
في مساهمة (العقل الرعوي)…مزيد من الإرباك
بالتاكيد هي ظاهرة خطيرة و ملاحظة لجدلية تاريخية جديدة او متجددة للمفكر (النور حمد)…و هي كارثيات تظهر من حين الي اخر كماليس الامر هنا تحليل تاريخي للظاهرة ففي تاريخيتها يمكن الرصد و انما اشمل لها انثربلوجيا و اجتماعيا ان لزم الامر و اظن الضاربين في الامر ساروا علي نهج صحيح و بقدرما هناك ملاحظات (د.عبد الله علي ابراهيم) حول الاصطلاح و اصراره علي انها (البرجوازية الصغيرة)..و اقحام التحليل الماركسي كمنظار اوحد و قادر و سباق ..و بان الامر يرمي بطرف او اخر للشيوعية و كيف انهم اتهموا يوما في حداثيتهم التي لملم جلبابها من اسن الريف و البادية ورعويتها المسوؤل المتهم لكارثيات الماثل ( ..نحو دماثة ثورية)..الا ان الامور لها جوانب اخري لابد من ذكرها هنا ان لم تكن اصلا جزء من الحوارات التي نشاءات او سفر النور المبشر و المنتظر..!!
اولا – تفتت المركزيات الحاكمة وتسرب كثير من مائها الذهبي من تحت سقف ادارتها بفعل الحداثة او ما بعدها متمثلة في اعادة تشكل او هندسة المجتمعات علي ضوء عصر المعلوماتية الواسع و ثورة الاتصالات بالاخص.. كتشبيه تمثيل تاريخي بظهور الطباعة في اوروبا و فقدان المؤسسية الكنسية لزمام الامور و محورها المكرس لحق الملك الإلهي (Divine Right of Kings)..
ثانيا – كما ان الامر برمته يمكن تفسيره كردود افعال و تصرفات طبيعية لمجتمعات الاقليات من مذهبية و اثنيات و قوميات و غيرها لما الم بها من هوان جراء استحواذ المركز لميراث الاستعمارية و عدم حسن تصرف الطغم الحاكمة و الوطنية فالميل كل الميل وارد بتصرف عدم الحكم النيابي او المدني و حراسته من قبل الالة الديمواقراطية كضامن حداثي يسائر الامر…
ثالثا – كما لا يفوتنا بان امر النور الحمد قد يوغل في العقل الرعوي ليس كظاهرة لها تمظهراتها المتنوعة وحسب و اعادة حولياتها المارخنة و المتوقعة و انما كبنية عقلية (Mental structure) الامر المربك و المستعصي للتحليل الا من خلال التمظهر نفسه و تظل تهمة تتقاذف ككرة اللهب و تنكر من الكل في هذا نفع شيد.
رابعا – ففي السياق و النص القراني نجد درس التفسير و التأويل (التفسير بيان وضع اللفظ إما حقيقة أو مجازاً، والتأويل تفسير باطن اللفظ) . أيضا تأول الاحلام …هنا نجد معكوس العملية برمتها فالتفسير و التأويل تعبيران للحدث و نحن مكلفون علي ضوئهما مماثلتهم للواقع و تصحيح الانطلوجي الانساني و انحرافاته تزلفا و تعبدا..اذا النص اولا ثم الانطلوجي ثانيا و ليس كمعركة (العقل الرعوي) الانطلوجي اولا ثم النص….و اي قضاضة ..!!!
الدكتور خضر هارون .. بعد التحية ..
مقاربتك تدل على علم ودراية بسير التاريخ وصيرورته .. دكتور النور لم يقل إن (الرعوية ) حالة خاصة ترتبط بالعقل العربي.. ولم ينفي أنها قد تنتاب المجتمعات التي شارفت على (نهاية التاريخ) أو في طريقها لذلك حسب فوكوياما ..فتظهر في صورة ما أسماه النور (الشعوبية ) كحالة النازيين وحالة ترامب حالياً .. لا أرى خلافاً جوهريًاٍ بينك وبين دكتور النور على الأقل فيما كتبته أنت حتى الآن بصدد في مقاربتك فيما يخص أطروحة دكتور النزر التي أكد في أكثر من موضع أنها لا زالت فطيرة ..
لكن أقول بكل صراحة أن الذي حيرني : كيف لعقلٍ مثل عقل الدكتور خضر هارون لديه معرفة بأدوات التحليل المعرفي العصري وسير التاريخ وإدراك العلاقات البعيدة بين الأشياء بدلالة (إدراك الكليات ) التي هي سمة من سمات الفلاسفة ..
أعجب لعقلٍ مثل هذا أن ينتمي إلى أيديولوجيا الأخوان بل إلى درك سحيق من تفكير الأحوان اسمه حكومة المؤتمر الوطني .. فلله في خلقه شؤون .. (ملتوٍ أو جاهل أنت) .. هذه الأخيرة أنفيها عنك بدلالة تأكدي من خلال ما كتبت أنك تمسك بتلابيب التحليل المعرفي .. وتجيد السباحة فيه شأنك شأن النور ونقد وحيدر إبراهيم وغيرهم كثير من أبناء السودان الذين خبروا الكليات وسلكوا دروبها .. فاللهم أهدي أخانا خضر لتصالح مع الذات يذهب عنه عناء التيه ليذوق يوماً حلاوة وحدة الفكر والشعور..
في مساهمة (العقل الرعوي)…مزيد من الإرباك
بالتاكيد هي ظاهرة خطيرة و ملاحظة لجدلية تاريخية جديدة او متجددة للمفكر (النور حمد)…و هي كارثيات تظهر من حين الي اخر كماليس الامر هنا تحليل تاريخي للظاهرة ففي تاريخيتها يمكن الرصد و انما اشمل لها انثربلوجيا و اجتماعيا ان لزم الامر و اظن الضاربين في الامر ساروا علي نهج صحيح و بقدرما هناك ملاحظات (د.عبد الله علي ابراهيم) حول الاصطلاح و اصراره علي انها (البرجوازية الصغيرة)..و اقحام التحليل الماركسي كمنظار اوحد و قادر و سباق ..و بان الامر يرمي بطرف او اخر للشيوعية و كيف انهم اتهموا يوما في حداثيتهم التي لملم جلبابها من اسن الريف و البادية ورعويتها المسوؤل المتهم لكارثيات الماثل ( ..نحو دماثة ثورية)..الا ان الامور لها جوانب اخري لابد من ذكرها هنا ان لم تكن اصلا جزء من الحوارات التي نشاءات او سفر النور المبشر و المنتظر..!!
اولا – تفتت المركزيات الحاكمة وتسرب كثير من مائها الذهبي من تحت سقف ادارتها بفعل الحداثة او ما بعدها متمثلة في اعادة تشكل او هندسة المجتمعات علي ضوء عصر المعلوماتية الواسع و ثورة الاتصالات بالاخص.. كتشبيه تمثيل تاريخي بظهور الطباعة في اوروبا و فقدان المؤسسية الكنسية لزمام الامور و محورها المكرس لحق الملك الإلهي (Divine Right of Kings)..
ثانيا – كما ان الامر برمته يمكن تفسيره كردود افعال و تصرفات طبيعية لمجتمعات الاقليات من مذهبية و اثنيات و قوميات و غيرها لما الم بها من هوان جراء استحواذ المركز لميراث الاستعمارية و عدم حسن تصرف الطغم الحاكمة و الوطنية فالميل كل الميل وارد بتصرف عدم الحكم النيابي او المدني و حراسته من قبل الالة الديمواقراطية كضامن حداثي يسائر الامر…
ثالثا – كما لا يفوتنا بان امر النور الحمد قد يوغل في العقل الرعوي ليس كظاهرة لها تمظهراتها المتنوعة وحسب و اعادة حولياتها المارخنة و المتوقعة و انما كبنية عقلية (Mental structure) الامر المربك و المستعصي للتحليل الا من خلال التمظهر نفسه و تظل تهمة تتقاذف ككرة اللهب و تنكر من الكل في هذا نفع شيد.
رابعا – ففي السياق و النص القراني نجد درس التفسير و التأويل (التفسير بيان وضع اللفظ إما حقيقة أو مجازاً، والتأويل تفسير باطن اللفظ) . أيضا تأول الاحلام …هنا نجد معكوس العملية برمتها فالتفسير و التأويل تعبيران للحدث و نحن مكلفون علي ضوئهما مماثلتهم للواقع و تصحيح الانطلوجي الانساني و انحرافاته تزلفا و تعبدا..اذا النص اولا ثم الانطلوجي ثانيا و ليس كمعركة (العقل الرعوي) الانطلوجي اولا ثم النص….و اي قضاضة ..!!!
أهم ما لفت نظري في هذا البحث وهو كله مهم الحديث عن مدنية للعرب سبقت الاسلام بل الجاهلية ما قبل الاسلام. هل يمكن للباحث الاستفاضة أكثر في هذا الجانب وهدايتنا إلى مراجعه في ذلك. حقيقة يمكن استشعار ذلك في القرآن الكريم والأحاديث النبوية التي تنبي عن مخاطبتها لناس لهم قدر من الثقافة والمعرفة فيما تحمله النصوص نفسها من مباني ومعاني ومن المعلوم أن النص الديني يجيئ مواكباً لواقع الناس ومستوى معرفتهم وثقافتهم. ثم يمكنناأن نستشعر ذلك فيما وصل إلى أيدينا من شعر وأدب ما قبل الاسلام ثم ما بعد الاسلام .. هل تمت قفزة حضارية ما بعد الاسلام إلى أن تتطور الأساليب اللغوية والفكرية من دون محمول قبلي؟! هذه كلها أسئلة يحسن بها أن نجد لها إجابة. شكراً لكاتب المقال وشكراً للأستاذ النور حمد.
أهم ما لفت نظري في هذا البحث وهو كله مهم الحديث عن مدنية للعرب سبقت الاسلام بل الجاهلية ما قبل الاسلام. هل يمكن للباحث الاستفاضة أكثر في هذا الجانب وهدايتنا إلى مراجعه في ذلك. حقيقة يمكن استشعار ذلك في القرآن الكريم والأحاديث النبوية التي تنبي عن مخاطبتها لناس لهم قدر من الثقافة والمعرفة فيما تحمله النصوص نفسها من مباني ومعاني ومن المعلوم أن النص الديني يجيئ مواكباً لواقع الناس ومستوى معرفتهم وثقافتهم. ثم يمكنناأن نستشعر ذلك فيما وصل إلى أيدينا من شعر وأدب ما قبل الاسلام ثم ما بعد الاسلام .. هل تمت قفزة حضارية ما بعد الاسلام إلى أن تتطور الأساليب اللغوية والفكرية من دون محمول قبلي؟! هذه كلها أسئلة يحسن بها أن نجد لها إجابة. شكراً لكاتب المقال وشكراً للأستاذ النور حمد.