شتان مابين طالبٌ يُقبلُ قَدمَ مُعَلِمِهِ ومعلمٌ يدمر مستقبل طلابه

بسم الله الرحمن الرحيم
يقول الله تعالى: (كما أرسلنا فيكم رسول منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون) سورة البقرة الأية 151
وقال صلى الله عليه وسلم: (إن الله لم يبعثني معنتاً ولا متعنتاً ولكن بعثني معلماًوميسراً)م
وقال أمير الشعراء أحمد شوقى:-
قُـمْ للمعلّمِ وَفِّـهِ التبجيـلا
كـادَ المعلّمُ أن يكونَ رسولا
أعلمتَ أشرفَ أو أجلَّ من الذي
يبني وينشئُ أنفـساً وعقولا
لاشك أنَ جميع أفراد الشعب السودانى الكريم قد إستنكروا وإستهجنوا السلوك القبيح والشاذ الذى ظهر من بعض الأشخاص الذين ينتحلون صفة المعلم بمدرسة الريان الثانوية الخاصة بنين بالدخينات، وذلك عندما قاموا بالإحتيال على أكثر من خمسين طالباً، وأوهموهم بأنهم قد قاموا بكل الإجراءات المتبعة لدى وزارة التربية والتعليم بولاية الخرطوم، وكذلك أكملوا كل الإجراءات ذات الصلة مع لجنة إمتحانات الشهادة السودانية القومية، إلى أن إتضح أمرهم وإنكشفت ضمائرهم الخربة، وعقولهم الخواء ، أمام أولياء أمور الطلاب المساكين خاصةَ، بالإضافة لعموم أهل السودان، ولكننى أود أن أقارن بين الذى حدث لهولاء الطلاب الأبرياء، من هولاء الذئاب الذين يدعون بأنهم معلمون ورسل معرفة، وبين رجالٍ علماء أمناء أقوياء، يعملون ليلاً ونهاراً ، وبكل تجرد ونكران ذات من أجل رفعة أوطانهم وتقدم شعبهم عن طريق مهنة التعليم الشريفة، لذا أنهم يستحقون صفة المعلم بتمامها وكمالها وزيادة ، وذلك لتضحياتهم الكبيرة التى قدموها من أجل تعليم أبناء وبنات وطنهم، فالحكاية الأولى، أخبرنا بها أستاذ جامعى، بقوله انه وفى السبعينيات من القرن الماضى، وفى مدرسة محمد حسين الثانوية بنين، كان هنالك طالباً متميزاً على أقرانه فى الفصل الثانى بالمدرسة المذكورة أعلاه، وكان يأتى أول الفصل فى كل الإمتحانات، وفجاةً تدنى مستوى هذا الطالب وأصبح لا يهتم بدروسه، ولا يهتم بلبسه ونظافة جسمه، فلاحظ مشرف الفصل هذا التدهور الذى حدث للطلاب، وطلب منه أن يقابله فى المكتب وبالفعل تمت المقابلة، وأصر المعلم على الطالب بأن يوضح له سبب تدنى مستواه هذا، ففى بدأية الأمر رفض الطالب أن يوضح السبب الحقيقى لتدنى مستواه، ولكن مع إلحاح المعلم، إعترف الطالب بأنَ السبب الرئيسى هو أنه يسكن مع شقيقه فى منزل واحد، وأنَ زوجة شقيقه هذا، كانت تقول له دوماً (أمشى شوف ليك شغل أحسن ليك من القراية)، ونفس هذا الكلام تقوله صباح مساء لزوجهاوالذى هو شقيقى لكى يقنعنى لترك المدرسة والإتجاه للشغل، ولما كثرت على الضغوط ذهبت وإشتغلت مع صاحب مصنع باسطة، حيث يبدأ العمل معه منذ خروجى من المدرسة، إلى منتصف الليل ، حيث إننى أقوم بدفع طبلية الباسطة من المصنع إلى السينما حيث يقوم بشرائهاالجمهور، وبعد أن يتم البيع أعود للمصنع للنوم وهكذا دواليك (أى أنه لا زمن لغسيل الملابس او نظافة الجسم)تخيل ماذا فعل هذا المعلم العظيم قال له بالحرف الواحد:إذهب للمصنع وجيب شنطتك وتعال اسكن معى فى البيت ومع أولادى، ولك أن تتخيل عزيزى القارئ أنَ هذا البيت ليس ملكه إنما مستأجره فقط، وبالفعل حضر هذا الطالب وسكن مع هذا الأستاذ المربى العظيم إلى أن إمتحن الشهادة السودانية ونجح نجاحاً باهراً، ودخل إحدى كليات الطب وتخرج فيها طبيباً وأصبح إختصاصى كبير فى ألمانيا يشار إليه بالبنان، وعندما قام فى إحدى المرات بزيارة أهله فى السودان، وأثناء مروره فى سوق أمدرمان رأى معلمه الكبير الذى كان سبباً فى نجاحه وصعوده لهذه الدرجات المرموقة فى مجال الطب، فقام هذا الطبيب بإيقاف عربته الفارهة، ونزل منها، وجاء لمعلمه العظيم، وسلم عليه، وقال له عرفتنى ياأستاذ فقال له معلمه لم أتذكرك لأننى درست المئات من الطلاب ويخلق من الشبه أربعين، كما أنَ عامل السن الذى يؤثر على النظر، فقال الطالب لمعلمه أنا فلان الفلانى الذى كان يسكن معك فى البيت ، فأرجوك أن تسمح لى بأن أُقبل قدمك، لأنك أنقذتنى من الضياع، وإنخرطا الإثنين معاً فى بكاءٍ شديد، إلى أن تجمع الناس حولهم لكى يعرفوا سبب هذا البكاءفذكر لهم الطبيب الموقف الأصيل الذى وقفه معه هذا المعلم الجليل، وكيف كان هولاء الرجال الأفذاذ يعاملون طلابهم وكأنهم أبناءهم تماماً، لذا كانوا كالشمعة تحرق نفسها لتضئ لغيرها، فهم علموا القران وعملوا به، وعلموا السنة النبوية الشريفة وعملوابها واتبعوها وتمسكوا بها، فلهم منا كل الإحترام والتقدير، ونسأل الله لهم أن يكونوا فى الفردوس الأعلى فى الجنة مع معلم الإنسانية الأول سيدنا وحبيبنا وقدوتنا محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم.
وبالله التوفيق
د. يوسف الطيب محمدتوم-المحامى
[email][email protected][/email]
ليس غريباً أن تحدث مثل هذه الممارسات الفوضوية ويؤول الحال في الداخل على ما هو عليه الآن (إذا لم تخش عاقبة الليالي ولم تستح فاصنع ما تشاء ) .
فقد أخذ موضوع تلك المدرسة المزورة مساحات واسعة وأحجام كبيرة في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة العامة والخاصة والرسمية وغير الرسمية وكافة قنوات التواصل الاجتماعي ، بالرغم من أن الفساد بات يسبح في كل القطاعات التعليمية والصحية والإنسانية واللا إنسانية والداخلية والخارجية ،،،، الخ.
وَقالوا اِستَبانَت يا اِبنَ عُروَةَ إِبنَتُك فَقُلتُ لَهُم ما ذاكَ في حَقِّهِ نَقصُ
إِذا كانَ رَبُّ البَيتِ بِالدُفِّ مولِعاً فَشيمَةُ أَهلِ البَيتِ كُلِهِمِ الرَقصُ
لاغرابة أن تحدث مثل هذه الممارسات في ظل حكومة استولت على الحكم بالخداع والغش منذ ضربة البداية في 30 يونيو 1989م باعتقالها للدكتور حسن الترابي فيما تبين بعد ذلك أنه الرأس المدبر للانقلاب وظلت حكومة “الكيزان” تظهر هويتها ببطء ولم تعلن انتمائها للجماعات الإسلامية إلا بعد أن توطدت أرجلها الحافية في كل المرافق الأمنية والمدنية عبر نهج أطلقوا عليه ” سياسة التمكين”.
إذا كان هذا هو حال من نصب نفسه وصيا على الوطن وممثلا شرعيا له فلا غرابة أن ينتشر الفساد في أسمى القطاعات ألا وهو “قطاع التعليم” ،،، ونغفل كل ما جرى فيه من تدهور وانحدار لتتفتح أعيننا فقط على مدرسة واحدة مفتوحة عشوائياً ، فقد تحول قطاع التعليم إلى سياسة جمع الرسوم بدلا من جمع العقول والاحتفاظ بها داخل الوطن لتخرج جميع الجامعات السودانية من التصنيف العالمي الصادر من THES_QS World University Rankings في مارس 2013م ويسبقها في التصنيف جامعات فلسطين والصومال (بدون تعليق) ، لقد نهبوا العلم كما نهبوا الصحة ، وما يجدر ذكره بأن مهندس التعريب للجامعات البروفيسر مامون حميده جاءت جامعته المسماه جامعة العلوم الطبية في الترتيب رقم 20095 عالميا بالمركز قبل الأخير وهذا يكفي من ولاه.
لقد حولوا التعليم إلى فوضى تحت إصرار وإلزام أن نتربى عليها