مقالات سياسية

عضلات الذاكرة  وذاكرة الساسة

رغم مرور ما يقارب العام على ثورة ديسمبر المجيدة لا زال بعض الساسة يعيشون حالة من الذهول وعدم المقدرة على استيعاب اهم دروس هذه الثورة المدهشة. ان عالمها اكثر ادهاشا من عالم أليس فى بلاد العجائب . الساسة الذين لم يتعلموا منها درسًا واحدًا هم الساسة الذين يمتلكون ذاكرة لها عضلات تفوق عضلات مايك تايسون ومحمد على كلاى وغيرهم من عتاة الملاكمين. انها ذاكرة  قوية لا تترك لهم مجالًا لا للتفكير ولا للإبداع. انهم يعيشون بيننا ويتحدثون عن الثورة ويصرون على استخدام جمل مفيدة مثل سودان الثورة وثورة الشباب ولا تخلو مقالات معظمهم عن ذكر السودان الجديد وعن ادعاء الحديث باسم الثوار ومن قامت الثورة من اجل إنهاء حكمهم فى ذات الوقت. وقد يرهقون ذاكرتهم ويكادوا ان ينتصروا عليها بالضربة القاضية ويحلق خيالهم بجناح او نصف جناح فيأتى الإبداع مساومة والمقاومة هزيمة والثورة إطارًا  لبقايا عظام المساومات التاريخية . لقد حلق خيالهم بعض الأمتار فوق رؤوسهم وهبط على معجم اللغة العربية فحمل المساومة وأضاف اليها كلمة تاريخية فصارت ذلك المخلوق العجيب. ذلك البعاتى الذى يرتدى الجلابية والسروال الطويل ويلف رأسه بعمامة مثل عمامة ترباس بلا قلب نابض ولا دم يجرى فى عروقه. انهم فى غاية السعادة بهذا البعاتى وهذه المساومة التاريخية وهذا التنظير الخارج من سحارة الماضي برائحته المعتتة التى تجرح الأنوف. مساومة مع من ولماذا نساوم وبيوت الأشباح لا زالت أشباحها تحلق فى بعض البيوت السودانية. لا زالت رائحة الفساد تعم كل مدن وقرى بلادنا وليس هناك بيت الا وفيه شهيد او قتيل او متضرر. اية أشواق للإسلاميين وهل الثورة ضد الإسلام حتى نساوم لنحقق أشواقهم ؟
وهل سيكرر شعبنا ذات المهزلة من نوع الإسلام هو الحل حتى وان كتب بعض ساستنا المعلقات فى مدح الدولة الإسلامية؟
ان إسلام اهلنا والذى هو مكون اصيل من وجدانهم هو جزء من هذه الثورة وهو قطعًا ليس إسلام من يتاجرون بالإسلام . هل نساوم أشواق القتلة للقتل والطغاة للظلم واللصوص للنهب؟
يقتلنى ان ينظر باسم الثورة من لا ينتمى اليها ومن يظن ان الثورة قد انتهت بالخروج الى الشارع وإسقاط الطاغية وان تشكيل الحكومة الانتقالية هى مرحلة  تطور بطيء لا علاقة له بالثورة. من يظن انها مرحلة الصفوة الذين لا عمل لهم الا التفكير ، يفكرون بذاكرتهم التى انتفخت عضلاتها والتى لم تترك شبرا للثورة وللإبداع. تسمية المرحلة بمرحلة المساومة بالإنجليزية او بالفرنسية او الألمانية لن يعطيها شرعية. الذى لا يمتلك المقدرة الفكرية والشجاعة لنقل الفعل الثورى وروح الثورة الى مرحلة التنفيذ،  المرحلة الانتقالية،  ليصمت. الذى يظن ان هناك خطًا احمر او اخضر بين ما قبل تشكيل هذه الحكومة وما بعدها ينظر لعدم مقدرته على الابتكار الذى هو فعل ثورى دون ادنى شك ، ويبرر لقصر خياله واستخدامه لذاكرته فقط.
ان منطق الأشياء اليومية، منطق المألوف ورياضيات البساطة تقول انه لا يمكن ان يسقط شباب عزل طاغية مدجج بالسلاح لا يتورع فى القتل. ان منطق الأشياء المألوفه يقول انه لا بد من قائد كاريزما كالخمينى او لينين ليحرك الشارع وليسقط الطاغية. لقد كان القائد الكاريزما والذى يعمل ويكدح وليس متفرغا للكتابة والتفكير هم هؤلاء الشباب الذين حملوا ارواحهم على اكفهم وامنوا بقضيتهم ولم يتركوا شبرًا واحدًا لذاكرة الماضي المتخم بالفشل، فشل الساسة الذين يتذكرون فقط ليثنيهم عن الفعل الثورى والإصرار عليه والتمسك به. لقد هتفوا حرية سلام وعدالة وأسقطوا الطاغية ليحرروا ارواحهم وأجسادهم من أشواق الاسلاميين أمثال البشير وعلى عثمان وعلى الحاج والطيب سيخة ورامبو وكل القتلة.
احمد الفكى
زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..