بدعة التسوَل الهاتفي

هاتفني شخص لم يكن رقمه ضمن قائمة معارفي ولم يمهلني إذ انبرى بكل حميمية يصب على جفاف دهشتي سلاماً ومدحاً وسؤالاً عن الحال مع كبير العشم في معرفته من خلال الصوت، غير أن نبراته الصافية لم تطرق باب أذني من قبل، فأعلنت له فشلي ربما لأنني هرمت أو ربما لأن شبكة ذاكرتي معطلة، غير أنه أصر على شد حبال التحدي لمعرفته إلى أن شعر بنيتي الصادقة في قطع الاتصال. عندها ذكر لي اسمه الذي كان غريباً على مخزوني المعرفي، فقلت لنفسي ربما أنني مخطئ ولذا لا داعٍ لإحراجه بعدم المعرفة على أمل أن تتضح حقيقته من خلال الثرثرة. وما أن أحس بمهادنتي حتى قال بأنه يمر بطاريْ عجول وأن هدفه من الاتصال حاجته لبعض المال راجياً تحويله له كرصيد على رقم هاتفه المتصل، وأضاف أنه لم يشأ الاتصال بشخص آخر لأنه واثق من انسانيتي وشهامتي في مثل هذه الظروف. وبما أنني أصلاً لا أعرف شخصاً بذلك الاسم فقد اعتذرت له وقطعت الاتصال، ثم ما أن تحريت عبر البرنامج الذي يدل على اسم الشخص المتصل حتى جاءني اسم مغاير لما ذكر وكان أيضاً خارج نطاق قوائمي. هنا بالفعل وقطعاً – إزاء كل فعل شائن أو ضار باستخدام الهواتف – تنهض أهمية حملة تسجيل معلومات مالك كل شريحة هاتفية وتتجلى قدرة وسائل الاتصال المعلوماتية الحديثة في كشف المستور.

يبدو أن هذا الأسلوب يقع ضمن منظومة البدع الجديدة في فنون التسوَل الهاتفي، فقد ذكر لي أحد الأصدقاء أن التسوَل، الذي كان قاصراً على فئة معينة وأمام المساجد، صار هاتفياً ويقوم به أناس لا تنطبق عليهم صفات المتسولين. فمثلاً هناك من يتصل بعشرات الأرقام التي ينتقيها عشوائياً ثم يعترف أولاً لمن يجيب بأنه لا يعرفه ولكن يرجو منه تحويل رصيد لا يزيد عن خمسة أو ثلاثة جنيهات لكي يتمكن من الاتصال بأسرته لأمر هام لأنه لا يملك في تلك اللحظة مالاً أو رصيداً في هاتفه، فلا يتردد الشخص في التحويل لأن الطلب قليل وقد لا يصدر من شخص إلا في ظروف ضاغطة. وهكذا يكرر المتسول الهاتفي الاتصال بعشرات الأشخاص وأغلب اتصالاته تصيب الهدف فيظل يتلقى التحويلات التي يحولها لدى أقرب مشتري إلى مال يجري بين يديه ويكون بذلك قد حقق المرام وهو جالس في بيته.

وبما أن الحديث عن التسوَل، لا أود أن أبرح هذا المقام دون الإشارة الى ما سبقني إليه الكثيرون حول ظاهرة تسوَل الوافدين وأطفالهم المجندين لاستجداء العطف عند إشارات المرور كأنهم فرق تعزف ألحاناً مدوزنة بتناغم تتخلله كلمة (مساعدة) المحفوظة بواسطة الجميع رغم أنهم من غير الناطقين بالعربية. هل شكل هؤلاء المتسولين شريحة ذات ثقل وقوة لدرجة أعجازها سلطات الجوازات والهجرة عن كبح جماحهم وتسفيرهم لبلدانهم، وهل يسر وزارة الرعاية الاجتماعية رؤية أطفال أبرياء وفي أعمار أحادية ? سواء كانوا مواطنين أو أجانب – يتسللون بين أرتال العربات طلباً للعون وفق توجيه من والديهم؟ وهل صارت بلادنا كريمة ومحسنة لدرجة الرفاه التي تجعل المتسولين ينجذبون اليها من كل حدب وصوب؟ إذا أراد المحسنون بيننا مد يد العون للمتسولين طلباً للأجر فما أكثر المتسولين من أبناء جلدتنا وهم أصحاب وجعة حقيقية وحاجة لا تحتاج إلى تفسير، لذا أرجو من المحسنين الالتفات إليهم.
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. احييك يا استاذ صلاح و فعلا كما ذكرت إذا أردت أن تتصدق أو تفعل معروف فافعلة في أقرب الناس لك فإن لم تجد فبأي شخص في مكان سكنك و ما اكثرهم في هذا الزمن .

  2. احييك يا استاذ صلاح و فعلا كما ذكرت إذا أردت أن تتصدق أو تفعل معروف فافعلة في أقرب الناس لك فإن لم تجد فبأي شخص في مكان سكنك و ما اكثرهم في هذا الزمن .

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..