إجراء مدمر

في السنوات الأخيرة كثر الحديث عن انتشار المخدرات بين طلاب الجامعات، فقد سبق وأن أقرت اللجنة القومية لمكافحة المخدرات بزيادة تعاطي المخدرات بالجامعات السودانية، وقال رئيس اللجنة بروفيسور الجزولي دفع الله: (أجرينا دراسة على 13 جامعة في الخرطوم لم نجد جامعة من بين تلك الجامعات خالية من المخدرات، في شهر مارس الماضي كشف مدير إدارة مكافحة المخدرات بولاية الخرطوم العقيد شرطة فضل عبدو فضل عن ارتفاع نسبة عدد الطلاب المتعاطين للمخدرات خلال الخمسة أعوام الماضية من 5% إلى 8% إلى 19%.، وهذا دليل على إنه ليس هناك عمل علمي يتم في الجامعات لمحاربتها.
هل سألت الحكومة نفسها لماذا يتعاطى الطلاب المخدرات أو يتاجرون فيها؟ مؤكد لا، وإلا لأسست برامج فاعلة خفضت نسبة انتشارها وتعاطيها، ودون أن نذكر الأسباب المعروفة للجميع، فإنه مثلما يعالج انتشار المخدرات على المستوى العام من خلال سياسات اقتصادية اجتماعية توقف الدافع لمزاولة تجارتها، فإنه على مستوى الجامعات لا بد من سياسات توقف الدافع لتعاطيها، من خلال تأهيل الجامعات وتطوير المناهج ومعالجة فقر الطلاب ببرامج مجدية ليس بالضرورة أن تكون دعماً مباشراً، وتحسين مستوى المدارس أساس وثانوي حتى ترفد الجامعات بطلاب مؤهلين، وخلق برامج اجتماعية تساعد الأسر على متابعة أبنائهم أثرياء كانوا أم فقراء.
لاحظت دائماً ما تلجأ الحكومة لحلول غير منطقية وتستخدم فيها عقلية (البصيرة أم حمد) فليس من المعقول أن تقوم بإجراء كشف للطلاب قبل أن تقوم بالإجراءات التي توقف دوافع التعاطي أو التجارة، فقبل أيام كشفت وزارة الداخلية عن إجراءات جديدة متعلقة بالطلاب الذين يتعاطون المخدرات بالجامعات، وذلك من خلال إجراء فحوصات لهم عند قبولهم وبعد تخرجهم، وإذا افترضنا جدلاً أن الفحص أثبت إن 20% من الطلاب المقبولين ومثلهم من المتخرجين يوجد بدمهم مخدر، ما هي خطتها لهم؟.
أعتقد إن هذا الإجراء مدمر ونتائجه كارثية، خاصة إذا علملنا أن المخدرات انتشرت بين الشباب وحتى في المدارس كما سبق وأن اعترفت جهات رسمية، والعلاج العلمي الفعَّال يجب أن يتم في إطار اقتصادي اجتماعي تعليمي وليس بوليسياً، ومثل هذا القرار يمكن أن يعوق الطلاب من الدخول إلى الجامعات ويتسبب في تسرب من دخلوا، هذا غير إن هذه الخطوة تفتح الباب واسعاً أمام معالجة النتائج بالرشاوي، هذا غير إن هناك من يحلم بأن تغير الجامعة سلوك إبنه باعتبارها مؤسسة للتأهيل العلمي والاجتماعي وليس للإدانة والتشريد، وإن طبق هذا الإجراء سينطبق على الطلاب قول المثل (عايرة وأدوها سوط)، وأتمنى أن لا يتم تطبيق هذا الإجراء.
من قبل صرح رئيس اللجنة العليا لمكافحة المخدرات الجزولي دفع الله أن اللجنة عجزت عن علاج المدمنين وإنها تركز على من لم يتعاطوا وإنهم اتفقوا مع رئيس الجمهورية على تحقيق المثل الذي يقول (الجفلن خلهن أقرعوا الواقفات) تخيلوا !!!.
أيها السادة المسؤولين في الحكومة ليس هكذا تعالج المشاكل والأزمات والظواهر الاجتماعية، فهي لها مؤسساتها ووسائلها، ولا تزول إلا باستقامة ونزاهة هذه المؤسسات والقائمين على أمرها. فقوِّموها وقوِّموا أداءكم ثم قوِّموا الطلاب، ففاقد الشيء لا يعطيه، هؤلاء الطلاب يحتاجون إلى الرعاية والاهتمام والمتابعة والتشجيع هذا هو الإجراء البناء.
التيار